"لا شئ يقتل السعادة مثل الذكريات السعيدة"
أندريه جيد
حكمة غريبة أليس كذلك ؟؟ لاشئ يقتل السعادة مثل الذكريات السعيدة حينما قرأتها لأول مرة قلت "غريبة" وحينما تأملتها عدة مرات بعد ذلك أدركت مدي عمقها ..
هذه القصة لها عدة عصور..عصر قديم وعصر حديث وعصر الحقيقة ..عصر الطفولة وعصر الألم ..وحين يلتحم داخلي كل عصر منهم يخرج مني اعصار تنهدات علي ما فقدنا وما فقدت البشرية .
العصر القديم :
كانت اكبر ايام سعادتي في ايام جدي عبد الرؤوف ..كنت اذهب من المدينة الي قرية صغيرة نائية لزيارته ولا اشبع من القرية ولا منه ابدا ..برغم صعوبة الحياة هناك الا ان تواجده فقط حولي يهبني السعادة والاحساس بالخير والطيبة في هذا العالم وان الانسان له معدن اخر غير معدن الشر الواضح عليه والجاثم علي نفسه..
هذا الجد الطيب كنت اقول عنه دائما "لو لم يدخل الجنة فمن سيدخلها؟؟" ..كانت يداه وكفاه كما التعبير الشعبي هي "كفوف الراحة" لأهل القرية جميعا ..كانت احتفاليات رجوعه من الحج في القرية اشبه باستقبال الفاتحين..وهو ينظر بكل تواضع الي الناس وهم يتراقصون من حوله استقبالا له وترحيبا بعودته وكنت اري هذا كله بعيني وانا طفل صغير ولا اعرف سر هذا الرجل..
في احدي المرات ايام الطفولة واثناء وجودي حول سرادق عزاء لأحد افراد الاسرة في القرية سألته " هو انا هادخل الجنة يا جدو؟؟" قال باختصار وهو يبتسم "كلنا هندخل الجنة " !!
كان احد اهالي القرية يمسك يدي ويحاول تقبيلها لاني من افراد اسرة الحاج الذي يعشقونه ومستعدين لان يهبوه حياتهم من فرط الخير الذي يقوم به..انه قديس في ملابس انسان..حاول الرجل تقبيل يدي وقال لي بصوته القروي الرخيم "جدك ده راجل بركة..اي والله راجل بركة"..
ثم بدأ يرقص من جديد حول احتفالية الرجوع من الحج من اهالي القرية..لم افهم سر سعادة هذا الرجل برجوع جدي بهذا الشكل المدهش وكأنه اخوه مثلا او احد افراد عائلته بل ان حتي افراد العائلة الواحدة لا يفرحون احيانا بهذا الشكل ..انه يشكل لهم الحماية والامن والخير والبركة وكل ما تستطيع تخيله انه ما يجعلهم يتنفسون في هذه القرية ويشعرون بكلمتهم "ان البلد ليها كبير"..
وكأن جدي هو تجسيد لبيت شعر ابو العلاء المعري حين قال :
أبَينا سوى غِشّ الصّدور، وإنّما
ينالُ، ثوابَ اللَّه، أسلمُنا قلبا
وكأن كل الناس غيره كنت اراهم علي صورة بيت الشعر الذي يقول :
ذَهَبَ الْوَفَاءُ ذَهَابَ أَمْسِ الذَّاهِبِ
فَالنَّاسُ بَيْنَ مُخَاتِلٍ وَمُؤَارِبِ
يُفْشُونَ بَيْنَهُمُ الْمَوَدَّةَ وَالصَّفَا
وَقُلُوبُهُمْ مَحْشُوَّةٌ بِعَقَارِبِ
كان بكل اختصار تستطيع وصفه بجملة "رجل لكل العصور" ..يكفي ان اجلس علي أريكتي واتذكره واغمض عيني واغوص في بحار النوستالجيا والشجن وايام الطيبة والخير والحس الصوفي..
كم يفتقد هذا العالم الحزين الي رجال من معدن الحاج عبد الرؤوف ..هذا العالم الذي استولي عليه الشر وهمهمت فوق رأسه البغضاء والتنافر..
كان رجل لا يفارق سجادة الصلاة بشكل غريب ..كان يضحي من اجل جدتي بالغالي والنفيس ولا يبخل عليها بعاطفته اثناء مرضها ..كانت قصتهم لو كانت في العصر الحالي لكتبوا عنها الف رواية وكيف كان لا ينام الليل كي يطعمها اذا اشارت بيديها او اشارت الي زجاجة المياه ليرويها وانا طفل صغير كنت اسهر حولهم واري هذه الصورة التي مازلت تداعب خيالي من حين لأخر عن جمال الدفء الأسري وعلاقة الزوج بزوجته والتضحية المدهشة التي لم افهمها صغير وابكتني كبيرا حينما كنت اتذكرها..
جدتي حين انتابها المرض واصابها ما اصابها اصبحت تتحدث بصعوبة ولا تتحرك من مكانها وكان الجد عبد الرؤوف بمثابة كل شئ لها في الحياة اصبح ذراعها الذي تاكل به وتشرب وقدميها التي تتحرك بهما..
في احدي المرات سهرت معهم ليلا لعلي اخدم جدتي او اساعدها في اي شئ تريده ولكن رحت في سبات عميق ولم افق الا صباحا اما جدي فكانت عيناه دائما في احمرار دموي لانه لا ينام الليل في خدمة زوجته او ما بين خدمتها وسجادة الصلاة..
هل رأيت رجل لا يفارق سجادة الصلاة من الصباح الي المساء حتي وانه يشاهد نشرة الاخبار وهو قابع فوقها ؟؟ كنت اقول لنفسي وانا طفل "الراجل ده زي الرسول؟؟" وأسأل من حولي "هو جدو رسول؟؟"
فيضحك البعض ويتغامزون علي سؤالي الغريب..ولكني لم افهم لماذا لا يفارق سجادة الصلاة ؟؟
سمعته في احد الايام في الغرفة المجاورة وانا في القرية في فترة طفولتي وهو يدعو بصوت مرتفع والكل نائم ..سمعته وهو يدعو لجدتي بالشفاء ويدعو لبقية افراد الاسرة ان لا يصيبهم مكروه ابدا ..يدعو حتي البكاء وانا اتلصص عليه من خلف باب الغرفة وسألته في احدي المرات وقلت " جدو هو انت بتصلي كام ركعة في اليوم؟؟"
قال "مش بالعدد يا حبيبي..المهم القلب..حب ربنا ..مش هيسيبك"
اذكر اني كنت اعشق الدجاج ..افتح "الثلاجة" ليلا واخذ قطعة الدجاج الكبيرة التي طبخها عم علي الطباخ واكلها ليلا وجدي يعرف اني اكلها في السر ويضحك في سره..ثم يسألني في الصباح "الفرخة عاملة ايه في بطنك؟"
وانا اخبط علي بطني عدة خبطات ويزداد صوت ضحكاته وفرحته باحفاده وبعائلته التي تعيش في خيره..
لو عرف احد تجار الدين في هذه الايام كيف يستطيع شخص ان يحبب الناس في الدين بالخير والمعاملة النبوية وترغيبهم في الحياة وفي الجنة لخجلوا من انفسهم ..شيوخ العار لهذه الايام الذين لا يتوعدون الناس الا بجهنم الحمراء لأي سبب ..وهو يقول لطفل بسهولة "كلنا هندخل الجنة" هي لم تكن فتوي ولكنها كانت جملة جعلتني اصلي كثيرا وانا صغير اصلي في كل مكان ولاي سبب ..اصلي لله وللحب الي خلف جدي في جماعة لاني اشعر بروحه الطاهرة تهفهف حولي وتزيد من جمال الصلاة..وفي هذا العصر انقطع عن الصلاة واعود اليها علي فترات ليس كأيام جدي ابدا ..ما اجمل ايامك يا جدي..
كان يذهب معنا احيانا الي المصيف "رأس البر" في عربية "بيجو" قديمة وكان يعشق هذا الهواء النقي الجميل ويتأمل في البحر ويمشي بعصاه الغليظة علي رمال الشاطئ ولكنه يعود الي قريته بحب اكبر ..انه يعشق مكانه حتي الثمالة..انه يشعر انه احد اعمدة هذه القرية ولا يجب ان يفارقها..انه معجون بطينة هذه الناس وقلوبهم ولا يريد ان يهجر هذا المكان..جدي هو مكان وزمان..ولم يبقي من اثره شيئا في شر البشر حاليا..
في اسرتي اساطير..نعم اساطير وخرافات كثيرة ولكن جدي الحاج هو الحقيقة الوحيدة بالنسبة الي..هو الذي فهمت منه معني التضحية والاخلاص والصفاء وصوفية القلب..
اسرة غريبة مباركة في ايام جدي قديما..حتي اخته الحاجة فاطمة..كانت من فرط بركتها في القرية يذهب اليها الناس بالأطفال تبصق عليهم فيتم شفائهم..نعم انها غريبة حقا..نعم سيقول البعض خرافات ولكن كان اهل القرية يعتقدون فيها كأغلب القري ..وهي لم تكن تحصل علي اجر مقابل هذا بل كانت لا تريد هذا الا تحت ضغط الناس واصرارهم علي ان ينالوا البركة من الحاجة فاطمة..!!
ولهذا اعشق الاساطير والخرافات في وقت واحد..واصدق بركة الحاجة فاطمة وان لم ارها بعيني ولكني رايت الحاجة بنفسها امامي سنوات عديدة وكان ملائكة الخير حولها مثل جدي الحاج..
من هؤلاء الناس ؟؟من اي معدن هم ؟؟ ما هذا النبع الخيري الذي لو انفجر في وجه الشيطان لصار ملك كريم..!!
كان رجل غني ولا يهتم بالمال ابدا..كانت علاقته بالطباخ والخادمات علاقة انسانية لن تري لها مثيل..يجلس معهم ويستمع لمشاكلهم بل يتشاجر معهم احيانا ويرسل الي بيتهم ليصالحهم وكأنهم اصدقائه وليسوا عمالا عنده..
كان يعطينا المال حتي ولا يعرف قيمته بالظبط وكنا نضحك احيانا لان جدي الحاج لا يشعر بتغير الزمن وارتفاع الاسعار فمن الممكن ان يعطيك عشرة جنيهات في زمن لا تساوي فيه شئ ولكنه يعتقد انها تساوي الكثير ولكنه كان كريم بسخاء ودائما ماله داخل محفظته للجميع وحتي لبعض اهل القرية..
يحكي ان جدي الحاج اول من حصل في القرية علي جهاز التلفاز وكان الناس في عجب من هذا الجهاز السحري الغريب ..ولكنه لم يبخل به لنفسه بل وضعه في الشرفة في الدور الاول وجلس اهل القرية مبهورين يشاهدون هذا الشئ حول "الترعة" المجاورة للبيت" ..كان يفتح لهم "المباريات" ونشرات الاخبار في عدة ليالي من الاسبوع وسط فرحتهم ومباركتهم بينما كان العديد من الاغنياء الاخرين كانوا يشاهدون وحدهم ولا يهمهم الا أنفسهم ..انه الايثار وحب الأخر ..انه تغليب المشاركة علي شهوة الامتلاك..انه الحاج عبد الرؤوف..
حين ماتت جدتي من المرض تغير لون جدي واصبح نحيلا جدا ..ولكنه لم يفارق سجادة الصلاة..تلك البقعة التي ينادي بها العالم اجمع ..ويقول فيها " هنا الحقيقة وهنا الحب وهنا السعادة" ..
انتابته الامراض وضعفت مناعته بعد فترة وجلس فوق بقعته الشريفة فوق سجادة الصلاة يصلي عدد من الركعات لا تتخيلها وقال لي في مرة "صلي للناس كلها" ..لا افهم هل كان يصلي جدي للبشرية ؟؟ ومازلت أسأل كل انواع الخرافة..هل جدي رسول ؟؟
حين مات جدي علي سريره في المستشفي بالمنصورة كان يوم القيامة بالنسبة الي..اصبحت افكر الف مرة في اسباب السعادة وفضائل الخير وكيف البس اثواب القديس وكيف ادهن بالخير جلدي ولحمي وعظامي..ألا اذم احد او افعل افعال شائنة كتلك التي يقوم بها البشر بألسنتهم وخصلة الكره فيهم..احاول ان اجعل جدي قدوتي ..ان اتجسد في صورة الخير ولا يصدر عني الشر نهائيا ..رغم اننا في عالم الشر نفسه..
تغيرت القرية بعد سنوات ...لم تعد مثلما كانت عليه ..لم اذهب الي هناك منذ سنوات فكل ما كان يربطني بها هو هذا الرجل ..الذي انظر اليه بفخر وعزة..واقول انه رجل المعادلات الصعبة..رجل قلبه كحمامة السلام ودمه كانه منقوع الشربات..انه فرحة عمري..ايام طفولتي بل اجمل ايام طفولتي ..كنت ابكي يوم فراق جدي ليس لاني فارقت الجسد ولكن لان هذا العالم فارق الاخلاص الي الأبد..!
العصر الحديث :
من هؤلاء ؟؟ لماذا يتشاجرون دائما ؟؟ منذ ان قدم الوافدون الجدد الي المنطقة واصوات صياحهم لا تنقطع ..سكان جدد نسمع اصواتهم من بعيد دائما مشاجرات وعنف اسري لا اعرف اسبابه..حاولت ان افهم واميز هذه الاصوات لافهم لماذا يتشاجرون..وليتني ما عرفت..ان المرأة التي تصرخ هي في حقيقة الامر تصرخ في وجه إمرأة عجوز تعيش معهم والرجل بكل ضعف وهوان وجبن يحاول الدفاع عن المرأة من بعيد دون جدوي انها تصرخ فيها وتقول "انتي ما بتفهميش..بقولك سيبي الطبق" والرجل يصيح "حرام عليكي بقي سبيها"
ما فهمته من الحكاية باختصار ان حماتها تعيش معها وهي تعاملها بقسوة وهي مريضة تتحدث بصعوبة ..اه شتان الفارق بين معاملة المرأة العجوز ايام جدي الحاج وهذه الايام..انها تصرخ في وجهها بدلا من ان تساعدها وتسهر علي راحتها ..انها تنهرها وتكسر الكوب امام اعينها او هذا ما اسمعه من صوت كسر زجاج لا اعرف هل هو كوب ام طبق..
كل يوم وكل ليلة تحدث مشادات بعضها خفيف وبعضها عنيف..وهذا الرجل الضعيف لا يدافع عن امه..كيف مات قلبه لدرجة ان يري امه وهي تنهار في عجزها امام زوجته..انا اكره هذا النوع من الرجال..بل اني اقسم ان زوجتي المحتملة لو فعلت هذا لأمي في يوم ما لأخرجتها خارج البيت بلا رجعة..مهما كانت عاطفتي تجاهها..فاذا قتلت داخلنا عاطفتنا تجاه امهاتنا فاعرف ان جميع عواطفك الان كاذبة..حبك لزوجتك لو قتل حبك لأمك فأنت حيوان بلا قلب وتدعي الحب ولست بعاشق..فكل حب فيهما مرتبط بالأخر..بقلب واحد ونبع واحد..
الزوجة هي شريكة الحياة ولكن فكر من وهبك هذه الحياة اصلا ؟؟
الزوجة هي التي خطفت قلبك ولكن فكر من اهداك هذا القلب ومن زرع ما في داخله غير امك؟؟
هل تكره أمك التي تحبك دون اسباب مهما كانت الأسباب ؟؟ أي رجل هذا ؟؟
في أخر معركة بين الزوجة الشريرة وبين حماتها..سمعت اصوات كثيرة ولغط كبير ..سمع الابناء يصرخون ويقولون "ماما ماما" بصوت جهير في وضح النهار ولا اعرف اي تفاصيل اخري فالصوت يأتي من بعيد..
انه الزوج كان يضرب زوجته "علقة ساخنة" اظن انه رغم عنفه البالغ معها الا انها كانت الشيطان بعينه ..لا احترم من يتطاولون بالايدي عل المرأة ولكن عن أي إمرأة اتحدث انها تجسيد لعزازيل نفسه..انها الشر المستتر بلمحات الانوثة الخاطفة..انها التي قلبت الابن علي امه في فترة ما..
هل افاق الزوج اخيرا واستيقظ ضميره ؟؟ هل عرف قيمة امه المريضة وعرف قيمة دموع رد الجميل اليها؟؟
استيقظت المنطقة في احد الايام القارصة البرودة علي صرخة وعويل..وعرفنا ان هذه الام قد وافتها المنية..ارتاحت من عناء الدنيا..ارتاحت من زمن النخاسة وجبروت الشر..فهل ماتت غضابة وحانقة علي ابنها؟؟
لقد مررت حول سرادق العزاء وانا لا اذهب كثيرا لأداء واجب العزاء ..مع اني اكره المناسبات التي يمجدها الغير بغير سبب مثل العزاء والافراح ..ولكني ذهبت لاري كيف يبكي هذا الرجل الأن بحرقة علي امه التي اغضبها وترك زوجته تنهش في لحمها امامه..كيف يندم الان ويقتله الندم علي كل لحظة لم يرضي فيها امه المريضة ..
دخلت السرادق ورأيته يبكي..وكأني اقول في سري "ابكي ايها الشيطان يا من ساعدت زوجتك علي قتل امك..ابكي ايها المسخ المكابر اللقيط"
تذكرت السرادق القديم في طفولتي عندما قال لي جدي "كلنا هندخل الجنة" ..وقلت لنفسي" لا يا جدي في ناس اصلا أرواحهم مصنوعة من نار" !!
عصر الحقيقة :
مرت الأيام وانا العن هذا الرجل الذي يسكن بجوارنا ..الرجل الذي رأيت فيه احقر الصفات ..الرجل الذي بني لزوجته تمثال فوق انقاض امه..وتركها تستبيحها بشتي الاساليب والطرق..ياللشيطان حين يشم رحيق كفر البشر..!!
وكانت الفاجعة بعد عدة ايام..عرفت الحقيقة التي مزقتني حيا ..الحقيقة التي نهشت في عظامي حتي انحلتها..عرفت ان التي ماتت منذ فترة وكان سرادق عزائها في الشارع لم تكن أمه..بل كانت أمها هي..نعم انها امها المريضة التي كانت تعيش معهم تحت سقف واحد ولم يكن بيد الرجل حيلة الا ان يدافع ولو قليلا عن حماته..انه ضرب زوجته في يوم ما لانها تسئ الي امها هي وليس الي امه..ياللعار..ياللسقطة البشرية..
ما هذا الجو الملبد بالنجاسة وطينة الخبال ؟؟ أي شر هذا في هذه الدنيا ؟؟ هل كلامك صحيح يا ايها الفيلسوف شوبنهاور؟؟ هل الانسان ردئ الي هذا الحد ؟؟ نعم انه ردئ الي ابعد الحدود ؟؟ الله قد خلقه وكرمه ولكن الانسان اختار ثوب الرداءة ..
انها كانت تضرب امها وانا ظننتها تضرب حماتها وتسبها..لقد تحول الموقف فجأة..الرجل الذي ظننته شريرا اتضح انه في غاية الطيبة..والمرأة التي ظننتها شريرة اتضح انها من وقود جهنم .
كان هذا عصر جديد في حياتي..لم يكن العصر القديم ايام الحاج عبد الرؤوف ولا العصر الحديث يوم ان كنت اسمع المشاجرات الغريبة بل هو عصر جديد..انه عصر الحقيقة..حقيقة البشرية..حقيقة الرزيلة والفضيلة..
حقيقة الشر او علي حد تعبير الكاتب الفرنسي اميل زولا "الوحش داخل الانسان" ..نعم الأن فهمت كيف يعيش الوحش داخل الانسان يا زولا ..الأن رأيته..
وضعت صورة جدي الحاج عبد الرؤوف خلفية لجهاز الكمبيوتر الخاص بي وسألني في يوم أحدهم.."مين ده ؟؟دي صورة قديمة قوي"
قلت في سري لنفسي "صورة قديمة بس تنفع لكل عصر..تنفع لكل زمن..خصوصا زمن الشر"..
رحمك الله يا حاج عبد الرؤوف ..لم اعرف للخير مكان من بعدك في هذا العالم الملئ بالصراعات والعنف والحروب والدمار ..لم اعرف السلام الا بين يديك..
وحينما زارني في الحلم منذ فترة ولهذا كتبت هذه القصة..سألته كما أيام الطفولة وانا نائم في الحلم "جدو هو انت رسول ؟؟؟" !! امسك يدي وابتسم ولم يجب..
عرفت في الفترة بين زمن جدي الحاج وهذا الزمن الكثير: عرفت شر النساء في امثلة كثيرة من حولي وكيف يقلبون حياة الاخرين جحيما ..كرهت فجأة الحياة الزوجية بسبب ما رأيته من قصص النساء وقصص الزوجات التي يظهرن ازواجهن بمظهر تمثال الشمع..وسأعيش وحيدا لسبب واحد..وهو ان نفسي لن تخدعني ابدا ولكن كل من حولي يحملون قدرا من الخداع..ان لم يحملوا ما هو اصعب من الخداع..
نعم وكأني اصبحت مريضا بالخوف منهم..بفوبيا الشر..فوبيا الاشرار..اكرهه لحد الموت..استغيث بالحاج عبد الرؤوف ليخرجهم من الوحل وعبوديتهم لذاتهم..ولكنه لا يجيب..انه في السماء يبتسم..لا اعرف هل يبتسم لانه يري مستقبل افضل للبشرية ام يسخر من زماننا هذا ..لا اعرف !!