هل تؤمن بالخرفات ؟؟ ..قالت "روجدا" وهي مبتسمة لخالد ابتسامة ذات مغزي ونظرت في وسط المياه الي
Kız Kulesi
يسمونها قلعة الفتاة في وسط مضيق البسفور في تركيا ..حينما قابلها خالد في بداية الأمر لم يكن يعرف انه سيتذكر معها حبه الأول الذي افتقده وفقده منذ عدة سنوات خلت ..كانت بالنسبة له في البداية مجرد فتاة تقمصت دور المرشدة السياحية وتحب ان تجد مساحات مشتركة بينها وبين ركاب السفينة..وحيدة من سوريا ..سوريا المعذبة والمكوية بالنار..عائلتها في سوريا الجميلة الاصيلة وحياتها في أزمير ..هذا ما عرفه فيما بعد حينما ترقرقت تلك الدمعة المشتاقة الحانية من مقلتيها ..
قال خالد : دائما ما احب الاستماع لاي اساطير جديدة..ما قصة تلك القلعة في وسط المياه ؟؟
قالت : قصة عجيبة تقول بان هناك فتي كان يحب فتاة ويسكنان علي ضفاف المضيق وكانا يلتقيان في المنتصف وبني الفتي هذا البناء في وسط المياه ليلتقيا فيه ولكن الفتاة ماتت في احد الايام اثناء السباحة لمكان اللقاء فحزن الفتي حزنا شديدا وظل في هذا المكان حتي مات هو ايضا من حزنه علي حبيبته.
قال : الفراق ..هل تؤمنين بنظرية عدم حقيقة الفراق؟؟..هل الفراق موجود حقا ام هو يحدث ولا يحدث كما يقول البعض ومنهم جبران..؟
قالت في "تنهيدة" : امممم اظن ان الفراق قاسي كانه لحظة انكار للحياة..ان تجد الحياة تنكر وجودك..تنكرك..تنكر حتي ملامحك ..
في زمن اخر :
وقف خالد امام المرأة يحلق ذقنه بهدوء حينما دخل فجأة ابوه الي "الحمام" متلهفا وهو يغني : جفنه علم الغزل ترااام اترااااام..
خالد: ابي؟؟..ماذا يحدث ..؟؟ انتظر حتي اخرج ارجوك فانا احلق ذقني..
الأب: سأتي اليك حالا يا مهجة روحي وفؤادي..
خالد: ما هذا الكلام يا ابي والي من تتحدث ؟؟
يسمع صوتا قادما من بعيد: ما تتاخرش عليا يا عبد الدايم..انا مستنياك ..
لم يفهم خالد ما الذي يجري حوله كان مندهشا ولا يعرف هل ما يسمعه صوت امه التي ماتت منذ سنوات ؟؟ هل هذا الصوت القادم من العدم هو صوت امه ؟؟ وهل كان ابوه يحدثها منذ ثوان ؟؟
خرج الي الغرفة المجاورة وجحظت عيناه من الدهشة حينما وجد امه بفستان الفرح ومازالت تضع طرحتها جانبا وتغني هي ايضا اغاني قديمة لعبد الحليم وتنتظر زوجها عبد الدايم والد خالد..
دخل عبد الدايم الي الغرفة وامسك بيد زوجته في لهفة وغرام وقال لها : اخيرا سيجمعنا بيت واحد كم حلمت بتلك اللحظة..اه يا فاطمة..انها اجمل لحظة في حياتي..
صاح خالد في ذهول ..: ابي؟؟ امي؟؟ ما الذي يحدث؟؟
لم يجد صدي لما قاله لهم وكانهم لم يسمعوه وظل يصيح امامهم بلا جدوي ولا استجابة تذكر.. ظل يرج كتف ابيه كي يرد عليه بلا مجيب..انه غير موجود ..غير محسوس..كل ما يحدث هو جنون محض..انه يري تفاصيل ليلة الدخلة بين امه وابيه كان يريد كما يقولون "ان تنشق الارض وتبلعه" ..
خرج مسرعا من الغرفة متعرقا حائرا لا يعرف اين يذهب ..يسمع صوت امه في كل مكان في الشقة..يسمع تاوهات ليلة الدخلة تطن في اذنيه طنين لا حيلة له به ..انه يشعر برغبة محرمة في ان ينظر الي ما لا يجب ان ينظر اليه..انه فضول جائع شبق..لحظة عجيبة ومخجلة ولكنها في نفس الوقت تشعل الرغبة داخله..يمسك برأسه يكاد الصداع ان يمزقه..يخمش الحائظ باظافره ويسقط تدريجيا كانه مبني يتهاوي..يسمع اصوات في اذنيه تردد
" أوووووديب ..هيا افقا عينيك....أوووووووديب هيا افقأ عينيك" ..
ذهب الي الغرفة يتلذذ بالمشهد ..يري ذلك الغريب اباه وهو يمارس الحب مع والدته امام عينيه ..وعلي الارض فستان الفرح المهمل وطرحة ملقاة فوقها في مشهد يسيل له لعابه..
مرت شهور وهو اسير هذا المنزل..اصبح يدمن لحظات الغزل بين امه وابيه ويسترق السمع لهم..انه في الحقيقة لم يولد بعد انه غير منظور وغير محسوس انه يعيش في عصر لا يجب ان يظهر به ابدا..حتي جاءت لحظة حدث بينهم هذا الحوار بعد شهور طويلة :
عبد الدايم: يعني ايه يا ست هانم مش هتحملي؟؟ وايه الحبوب اللي بتاخديها دي ؟
فاطمة : قولتلك مش عايزة طفل دلوقتي هو بالعافية ؟
عبد الدايم: ايوه بالعافية واتكلمنا كتير في الموضوع ده وامي بتضغط عليا كمان ومستغربة من اللي بيحصل احنا بقالنا كتير ولسه مافيش اخبار..وانا بقولها هانت يا ماما
فاطمة: واللهي عال حتي امك متابعة كمان موضوع الخلفة وكانه ابنها هي ده تدخل سافر في امورنا
عبد الدايم: ما تقوليش كلمة واحدة علي ماما ..دي اغلي عليا من كل حاجة في الدنيا..قولي باختصار ان في الامور امور وانك مش عايزة تكملي اربتاطك بيا لسبب
فاطمة: قصدك ايه يا عبد الدايم انا لا يمكن اقبل بالاهانة دي
اصاب خالد الصداع الحاد مرة اخري..ان امه التي احبها هذا الحب الغريب والمحرم ..تنكر وجوده انه لن يأتي اصلا الي هذه الدنيا..لقد فتح الباب بعد ايام وظهر "المحضر" الذي اعطاها ورقة الطلاق ..لقد غادرعبد الدايم المنزل وطلق زوجته..فمن هو..من هو خالد الذي رأي كل شئ ..هل ستفقا عينيك سدي يا اوديب؟؟ انك لم تفعل شيئا خاطئ لانك لم تظهر قط..انك لم تخلق من الاساس..لقد شعر بالحب ثم يشعر الان في اعادة التفكير في وجوده وحياته..
شعور مرعب ان تفكر في وجودك..هل انت موجود اصلا هل يرونك؟؟ هل انت مخلوق حقا ام انت حلم في عقل بوذي معلق في وسط الجبال ؟؟؟
ظل يمسك كتفها ويضربها وهي لا تشغر باي شئ..انها تبكي الان وهو يصرخ : لماذا تبكين؟؟؟لا لا ..ارجوك لا تبكي..سيعود اليك وسأتي انا الي الدنيا..كم اشتاق لرؤية نفسي...صدقيني انا لست عدم..انا لست من العدم..انا الحياة..انا الحب..انا الحب
سقطت دموعها فوق الورقة وسقطت مغشيا عليها ..ومرت الايام في المستشفي وقالوا ان الانهيار العصبي هو سبب الوفاة ..
وفاة؟؟ اي وفاة ؟؟؟ هكذا صرخ خالد في هيستريا..من انا ؟؟كيف سأتي الي هذه الدنيا؟؟ هل تراني ايها الطبيب؟؟ من هو خالد ايها الملاعين ؟؟من هو خالد ؟؟
ظل يبحث عن ابيه سنوات بلا جدوي ..كانت امه هي الحب وابوه هو الفراق..لقد شعر الأن بالفراق..يشعر انه في قصة مليئة بالاسقاطات الغريبة..قال في صوت واثق " نعم انه الفراق..لقد اتفقوا معا علي ان ينكروني..انها لحظة انكار..لحظة انكارررررررر"
علي الباخرة :
قالت روجدا وهي تضحك : نعم نعم اسمعك..لماذا تصيح..اين ذهبت بتفكيرك..لقد سرحت لثوان وكانك كدت ان تبكي..
خالد: لا اعرف ..وكانه ليس حلم يقظة..انه كابوس يقظة..
روجدا: كابوس يقظة.. غريب جدا..يبدو انك تذكرت شيئا عن الفراق حينما تحدثنا عنه..اسفة ان كنت ازعجتك
خالد: لا يا روجدا لم تزعجيني علي الاطلاق..لقد ازعجتني كلمة فراق التي نطقتها انا..
نزلوا من الباخرة ورفعوا الشماسي حينما بدأ المطر في السقوط فجاة ..قال: المطر عندكم كانه القدر ياتي فجاة وبدون سابق انذار
قالت مبتسمة: نعم لقد تعودنا علي الجنون الاسطنبولي ..
كانت تتحدث العربية بطلاقة بسبب اصولها السورية..كانت تملك تلك المسحة الملائكية بنكهة الجمال السوري الغريب ذو الطعم الخاص جدا..
وكان كلمة خالد الاخيرة "القدر" ذكرتها بعائلتها ..رأي دمعة تترقرق في عينيها الفردوسيتين وهي تقول : علي سيرة القدر..كم اشتقت الي اهلي..لا اعرف اي اخبار عنهم من فترة..يسرني اني قابلتك..شخص من رائحة العرب ..احبابي واهلي العرب..
نظر اليها في تاثر: انا اسف ان ذكرتك بألمنا العربي..لله درك يا سوريا..يبدو اني رددت لك الجميل ذكرتيني بالفراق وذكرتك بالقدر
ابتسمت وهي تمسح دمعة تنبت من مقائيها وقالت : يبدو ذلك..تعال نذهب الي هذا السوق هناك ..هذه البلد مليئة بالاماكن الجميلة.
بعد ان قضوا اليوم معا ..ركبوا الاتوبيس لاخر محطة وخرجوا من منطقة "كابتاش" متوجهين الي منطقة "توبكابي" ..قالت له وهي تودعه : كم يوما ستبقي هنا ؟
قال: لا اعرف ربما اسبوع ع الاكثر
قالت: هل ستأتي مرة اخري..؟ هل سأراك قريبا
قال مبتسما: ندع القدر يدبر كل شئ انه يعرف ما يفعله جيدا..صدقيني جربته كثيرا
قالت: حتما..اصدقك..الي لقاء قريب
قال: الي اللقاء ..كم اسعدني لقاءك
وخرج الاتوبيس وتركه وحده ..ومازال هو يقسم..
نعم مازال يقسم انه رأي روح اباه تحوم حولها في الاتوبيس وهي تلوح بيديها مودعة ..وانه حينما ركب الطائرة المتوجهة الي القاهرة سمع طنينا في اذنه وصوت يهمس "افقأ عينيك يا اوديب" ..ولكن نظر فجأة الي جواره فلم يجد غير فتاة امريكية نائمة..ولكنها فتحت عينيها فجأة وابتسمت..ولم يعرف ابدا لماذا...لم يعرف ابدا لماذا !!!!
No comments:
Post a Comment