"نادية"
"خدي يا نادية"
هكذا كان يناديني خالي منذ سنوات طويلة في طفولتي ..لم يشكل الأمر مشكلة لانه بغرض المزاح فقط ..كنت خجولا جدا في صغري من "الشورت" القصير الذي كنت أرتديه في نفس الوقت كان الجميع يشاهد أفلام للنجمة في هذا الوقت "نادية الجندي" ..
بالطبع لم نكن حينها أي منذ حوالي عشرون عام نشاهد علامات هوليود الخالدة بل كل ما كنا نحصل عليه من نوادي الفيديو المنتشرة في هذا الوقت هو أفلام نجمة الافلام البوليسية وافلام الجاسوسية نادية الجندي..
لا أعرف ما هو سر الخجل الدامي والذي كان يتسلل في عروقي كما لصوص الليل حينما أشاهد نادية الجندي ..والذي دفع الجميع الي مقارنة الشورت الذي ارتديه بملابس نادية الجندي ليثيروا في نفسي مزيدا من الخجل لدرجة ان أهرب الي غرفتي او احاول شد الشورت قليلا لعله يصبح أطول كما كنت أتخيل !!
يشرب غليونه في هدوء حذر ويشير بأصبعه الي وجهي : يعني الكلام ده مأثرش فيك ؟؟
قلت له : الكلام ده من عشرين سنة وكنت بشوفه نوع من الهزار مش مشكلة يعني
قال : انا مقولتش انه حالة
Dissociative identity disorder
انك ساعات بتكون نادية ..وساعات بتكون انت..انت ليه اتعصبت ؟؟
قلت : الفكرة عندي بعقدة الذنب حاليا اتجاه نادية..مش اني بكون نادية..ساعات بقول انا كنت ليه بتكسف قوي كده ؟؟ هو ليه اما واحد يقولك "يا نادية" بتحس بالجرح؟؟ هو كونك تتقمص دور أنثي ده شئ عيب ؟؟هي الأنوثة جريمة في مجتمعنا ؟؟ كل ما كنت بغطي جزء من رجلي انا كنت بحاول استر علي المرأة مش علي نفسي..حاسس انها فضيحة اني اكون "ست" رغم انها كل المجتمع ونصه العاشق..
قال : وده أثر عليك أما حبيت ؟ يعني حبيت بدافع الحب وكمان بدافع تعويض المرأة عن اللي انت بتعتقد انه اهانة ليها اما كنت بتشد الشورت في طفولتك ؟
قلت : الاغرب من كده لعبة القدر والحروف ..يوم ما حبيت حبيت بنت لو بعثرت حروف نادية هتلاقيها فيها ..تقدر تقول فصام الفصام ..وبقت عملية الشخصيات هنا اشبه بخلية نحل ..!!
قال : فصام الفصام ؟؟ طيب هي حست بيك كعاشق ولا كمان كمدافع عن المرأة او حست انك بتحاول تعوض حاجة فيك عن طريقها او بتحاول تعوض بيها ذنبك اتجاه خجلك من المرأة وانت طفل ؟؟
قلت : بالعكس البنت مش عايزة مدافع عن الحريات ..البنت عايزة تشوف فيك انت الحرية وفي الحب الحرية اللي ممكن تكون اتحرمت منها وممكن تكون عايزة تكملها ..هي عمرها محست بشخصية تانية جوايا بتحاول تدافع ولكن انا كنت بحس بالشخصية دي اما بأكتب ..
قال : ازاي ؟
قلت : يعني كنت في كتابتي ساعات كتير بتغاضي عن الهجر اللي كان بينا او بحاول أبرره وساعات بدور ليها علي حق فيه وساعات كنتبحاول اقول انا السبب الوحيد مش القدر ولا هي مسئولين بنصيب فيه..وساعات كنت بصور انه محصلش اصلا ..
قال : يعني بتهرب من مجرد تصور الفكرة ؟
قلت : انا لحد دلوقتي بكتب لها كأنها قدامي بالظبط..عارف قصة "بجماليون" انا حاسس اني قاعد ارسم تمثالها ليل نهار علي أمل انه يتحول إمرأة حقيقية والقصة تكتمل من جديد..
قال : لكن يوم ما حسيت بببداية الانفصال هل ظهرت عليك شخصية نادية ؟؟او بلاش شخصية نادية عشان انت بتتضايق..هل ظهر عليك دور المدافع عن المرأة ؟؟
قلت : يوم الهجر هو يوم خروج الروح من الجسد الأخر وهو يوم الحزن الوحيد لأن اول ما بيحب الانسان بتخرج روحه وتسكن في محبوبه فبيكون من المشهد غرقان في الحب والعشق ومش شايف روحه وهي بتخرج ولكن يوم الهجر بيشوف روحه وهي بتطير بعيد وبتخرج من جسد محبوبته فبيكون اصعب يوم..عارف زي ما قال خليل مطران :
فَـكَـأَنَّ آخِـرَ دَمْـعَةٍ لِلْكَوْنِ قَدْ ** مُـزِجَـتْ بِـآخِـرِ أَدْمُعِي لِرِثَائِي
وَكـأَنَّـنِـي آنَـسْتُ يَوْمِيَ زَائِلاً ** فَـرَأَيْـتُ فِي المِرْآةِ كَيْفَ مَسَائي
قال : اه قصيدة المساء لخليل مطران ..ذوقك حلو..دي من اجمل ما قرأت ..
قلت : محدش بيحس بمساء مطران الا اما يعيش لحظة هجر حقيقية لأن دي لا يمكن تخيلها علي الورق..هي لحظة السكر الحقيقي ولا كل خمور الدنيا ممكن توريك سكر لحظة هجر وفراق
قال: لكن انت بتلتمسلها العذر ؟
قلت : ساعات بفكر انها عاشت حالة "نادية" زي ما انا عيشتها ..ممكن يكون برضه عندها نفس القصة بإسم رجالي مثلا ..عارف زي قصة عينيك قدري لغادة السمان قريتها ؟
قال : لا بصراحة.
قلت : هي برضه كانت بنت من صغرها معيشينها حياة الراجل لحد ما كبرت وحبت فبدأت تهرب من الحب لكن في النهاية اعترفت ان عيون حبيبها هي القدر ..
قال : اه انت بتحاول تدورلها علي مبرر انها سابتك لدرجة انك تنسبلها عقدك نفسها ..انت مضحي قوي مش كده ؟
ده بيسموه.remorse
انت ندمان كأنك عامل جريمة مش بحس احساس بالذنب انت حاسس بالندم علي خجلك من نادية زمان وكأنك دلوقتي عايز تعترف بيها كأبنه شرعية لروحك
قلت : تقدر تقول مش عايز اتخيل انها غلطانة لأني مستني يوم الرجوع وده بيحصل بين القلوب اللي انفصلت عن بعضها في حالة انهم فعلا كانوا قلب واحد وانا مؤمن تماما اننا كنا قلب واحد ..
قال : انت جاي هنا دلوقتي عشان عايز تخرج من شخصية نادية اللي ساعات بتكتب بيها وتكتب بشخصية تقدر تلوم علي الحبيبة ..انت عايز تلوم عليها لكن المرأة اللي جواك او جزء منها جواك مخلياك مش قادر تلومها انما بتلوم نفسك بس..دي حالة عكس الكبرياء لكن مش ذل ..صراحة انا مستغرب..
قلت : أنا نفس ألومها وأكتب موضوع كله قسوة في حقها لكن مجرد ما ببدأ في ده القلم مش بيطاوعني وببدا أدافع عنها أو أبدأ في حالة غزل مجنون معرفش اقوم الا اما اخلصه..
قال : هتجيلي تاني جلسة واتنين وعشرة لحد ما نقدر نخرج منك روحك المستسلمة دي لروح تقدر تهاجم وتقدر تشوف مين اللي هجر ومين اللي لازم يعاتب بعين مجردة ..
وبعد عشرين جلسة أحسست بموت نادية تماما وبدأت أتذكر يوم الفراق الذي لا نعرف كلانا سببه حتي الأن..
حاولت أن أهاجمها علي الورق في احدي كتاباتي..
مسكت القلم وبدأت أحرق نادية تماما
كتبت أول سطر..أحسست بفرحة عارمة..كتبت "أيتها المرأة اللعينة..أيتها الماكرة ال....
فجأة توقف قلمي..
شطبت كلمة "اللعينة"
وكتبت من جديد "ايتها المرأة الجميلة..أيتها الماكرة الحسناء"
لا أعرف كيف أقتلها داخلي ان كانت هي تقتل كل كلماتي..
ومازالت حالة "نادية" تعاود قلمي
ومازلت جسد رجل تسكنني روح إمرأة..