ابتسم مبارك من داخل قفصه الذي تزين بأوهامه الوردية في عودته مرة أخري لكرسي القهر وشبق الحكم وابادة الشعب المصري بسبب عثرات تواجه الثورة المصرية ..
عادت نغمة الجملة الحزينة "فين ايامك يا مبارك" ..
أين أيام السرطنة والأمية واللاتجربة والفشل الكامل وموت الاطفال في الحضانات بسبب انقطاع التيار الكهربائي واهانة الكرامة في الأقسام بإسم الحفاظ علي الأمن..
أين أيام الديكتاتور مبارك الذي جعل مصر بلا هوية وجعل المصريين في الخارج يتعرضون كل يوم لنكبة تشعرهم بانهم بلا كرامة ولا وطن..
أين أيام صخرة الدويقة وايجار الناس للمقابر لكي يعيشوا فيها حياة كريهة مقيتة بلا أدمية..
أين أيام بيع الأراضي والقصور للحاشية الفاسدة والوزراء المنافقين..
أين أيام تزوير الانتخابات وتقفيل الصناديق بإسم الديمقراطية..
لا أعرف كيف أعبر عن استيائي من تلك الجملة "فين ايامك يا مبارك" وكأننا نسينا ما حدث أيام مبارك ونظامه الفاسد الغارق في الفساد حتي الثمالة ..
أعجبتني مقولة د-عمرو الشوبكي في جريدة المصري اليوم التي قال فيها "ان ابتسامة مبارك الشامتة في خصومه الفشلة يجب ان تتحول الي بكاء علي نظامه الفاشل الذي أوصلنا الي ما نحن فيه الأن " .
كل ما يحدث الأن بسبب فشل جماعة الاخوان ولن اقول حزب الحرية والعدالة وامارس دور في هذه المسرحية السخيفة التي تسمي "من يحكم مصر" فمن يحكم مصر هم جماعة الاخوان المسلمون الذين أتوا بلا برنامج ولا
خطة لنهضة مصر وللأسف أوقعوها في شر أعمالها من أزمات مستمرة اقتصادية وغيرها وتقسيم للشعب المصري وعدم احترام للقانون ومحاولة للسيطرة علي كل مفاصل البلاد في نية مبيتة لتزوير انتخابات قادمة كما فعل اصدقائهم في الحزب الوطني حزب الصفقات ..
ليس ذنب الثورة المصرية انها أتت بنظام فاشل جديد فقد كان غرض الثورة الرئيسي اقصاء نظام فاسد وهذا ما تحقق ولكن اتي نظام فاشل ..فليس دور الثورة ان تتوقع ولكن ان تزيل الوضع السئ..فكم من ثورة حول العالم أتت بنتيجة مخيبة للأمال ولكنها تبقي علي الأقل ارادة شعب ومحاولة لتغيير وضع قائم فاسد بكل المقاييس..
ثورات عدة لم تكتمل في اوروبا وفشلت في منتصفها في قرون مضت وثورات انقلبت عيلها الثورة المضادة مثل ما حدث في اوكرانيا وغيرها ولكن تبقي الثورة هي محاولة حفاظ الشعب علي كرامته وهويته بلا تدنيس.
الغريب ان البعض يردد ان مبارك برئ وليس عليه من تهم وكأن كل التهم التي احاطت بحاشيته من اختلاس اموال بالملايين والمليارت لا يخص مبارك !!
وكأن مبارك مسئول عن نفسه فقط وليس عن اختياراته التي ذهبت بالبلاد الي الحضيض بسبب اختلاس وسرقة ونهب للسادة الوزراء والحاشية المقدسة لمبارك التي لا تمس بسبب السلطة والجاه التي احاطت بهم..
قرأت في احدي المقالات في جريدة عن ابن تيمية وكتابه "السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية" أرائه في الحكم والحكام ما يلي واحاول تلخيص المقالة في عدة نقاط :
1- أولي ابن تيمية للشوري أهمية كبيرة وقال انها جوهر النظام السياسي ولا يجب ان يستبد الحاكم بالرأي .
2- يري ان الامة معصومة لانها لا تجتمع علي ضلالة ولها الحق في رقابة الحكام
3- ينصح بالطاعة للحاكم وان جاء بمعصية فلا طاعة له..وطاعة الحاكم لا تعني الغاء الرقابة عليه
4- ينصح الحاكم دائما بإختيار الأصلح في حاشيته
طبعا كل هذه النقاط بعيدة كل البعد عن فترة حكم مبارك وحتي عن الوضع الحالي فلا اعرف اي سبب للتحدث عن عصر مبارك برغم مخالفة كل ما فعله عن اراء علماء المسلمين وفلاسفة الغرب وافكارهم السياسية مثل جون لوك او جون ديوي وغيرهم ..فلا شرق ولا غرب قد سار علي دربه مبارك بل سار فقط علي وتيرة فاسدة واحدة ..الاستبداد والديكتاتورية ..
فشل الاخوان في ادارة البلاد نعم ولكن هذا لا يعني الحنين الي مبارك..أتستبدلون الفاشل بالفاسد ؟؟
أتستبدلون المخيب للأمال بقاتل الاحلام ؟؟
أتستبدلون الضعيف بالعاجز ؟؟
مالكم كيف تحكمون ؟؟
ألم يقل علي ابن ابي طالب "إن إمرتكم هذه لا تساوي شسع نعلي ما لم أقم بها عدلا وأدخر باطلا"..
فكيف أقام مبارك العدل او دولة القانون ؟؟ بالتزوير والديكتاتورية ؟
هل هي "متلازمة ستكهولم" في الحنين الي القهر مرة أخري ؟؟ا
هل هي" نظرية القاهر والمقهور" لابن خلدون حينما قال ان المقهور يسلك سلوك القاهر !!
أم كما قال محمود درويش "من رضع من ثدي الذل دهرا رأي في الحرية خراباً وشرا"
لما الحنين الي عصر مبارك الذي اشبعنا قهرا وقمعا او ما يسمي ب
Institutionalized oppression
قمع محكم بالقوانين ..قمع مؤسسات وأجهزة دولة..قمع كامل وشامل واضفاء هامش ديمقراطي علي ديكتاتورية نظام كامل.
ألم يري هؤلاء أموال مصر المنهوبة بالداخل والخارج في عصر مبارك ؟؟
ألم يروا ماذا فعل أحمد عز وكم نهب هو ووزير الاسكان السابق بالورق والمستندات ؟؟
ألم تكن تلك حاشية مبارك ؟ ألم يروا التلاعب في البورصة المصرية بالمليارات ؟ واستيراد مصر لكل شئ حتي الفوانيس الرمضانية ؟؟؟
لأي عصر نحن ؟؟ انها جريمة ان تحن الي الذل والهوان مرة أخري ويالها من جريمة نكراء..
قامت الثورة ليس من اجل ما نعانيه الأن..قامت الثورة في الأساس من اجل الاهداف المعروفة "عيش حرية عدالة اجتماعية"..ان لم تتحقق تلك الاهداف فلا نلوم علي الثورة المجيدة بل نلوم علي من لم يستطع ان يحققها..
لم تقم الثورة وهدفها الرئيسي قهر الشعب المصري او تجربة فاشلة جديدة بل قامت في الأساس لرفع العبء عن كاهل الشعب ومحاولة اعطاء قبلة الحياة للديمقراطية المقتولة في السياسة المصرية ومحاولة ان يعيش الفقراء حياة ادمية كريمة..فلماذا نلوم الثورة ؟؟ ماذا فعلت الثورة كي يلومها أبناء مبارك الذين يتمنون فشل الدولة وعودة مبارك كي يثبتوا فقط وجهة نظرهم..
ابتسامة مبارك شماتة في مصر وياله من خزي وعار ان تشمت في بلدك حتي وان كنت قد عزلت علي يدها..ابتسامة ابناء مبارك هي شماتة في الثورة اي شماتة في مصر ايضا وكأنهم من دولة اخري لا يرون الفقر المدقع او خط الفقر الذي مات تحته الفقراء كمدا وحسرة في العشوائيات..
فشل الرئيس مرسي في ادارة البلاد لا تعني ان مبارك هو الأجدر بل تعني اننا خرجنا من فخ الي فخ اخر ..
نريد ان نخرج الي تجربة جديدة لا ان نعيد نفس التجربة الفاشلة الفاسدة..
لن تسقط ثورة الشهداء والشرفاء ولن تعود ابدا ايام مبارك مهما شمت الشامتون..
برغم كرهي وغضبي من النظام الحالي واسلوب ادارته للبلاد فأنا الأن بعد رؤية هذه المشهد العبثي في محاكمة مبارك من شماتة الشامتين فانا للأسف في يوم ما سأكون مع اخونة الدولة !!!
فكما قال وائل قنديل سابقا في مقاله ان "اخونة الدولة افضل من عكشنتها"..وان نعود لمبارك هي حالة عكشنة كاملة نسبة الي توفيق عكاشة الاب الروحي لأسفين يا ريس..
السيطرة علي الدولة ومحاولة اخونتها هي تجربة فاشلة وضعيفة ولكن ان نعود لمبارك وحاشيته الظالمة هي تجربة الدخول في دوامة وعدم الخروج منها ولو بعد حين..
لن تعود يا مبارك وان ابتسمت ولوحت بيدك لعشاق الاستعباد ..
لن تعود يا مبارك وان صبغت شعرك من اموال المصريين الذي عاشوا الحرمان وعانوا الأمرين بسببك..
لن تعود يا مبارك وان اخرج فريد الديب سيجاره المحبب وتحدث بثقة الذي يري ما لا ترون كما قال مرسي ايضا..!!
لن تعود يا مبارك فنحن في مرحلة تقويم الثورة وليس هدمها..
قال جبران خليل جبران عن الحرية :
"إن كان طاغية تودون خلعه عن عرشه فانظروا أولاً إن كان عرشه القائم في أعماقكم قد تهدم.
لأنه كيف يستطيع طاغية أن يحكم الأحرار المفتخرين. ما لم يكن الطغيان أساساً لحريتهم والعار قاعدة لكبريائهم؟
وإن كانت هماً ترغبون في التخلص منه فإن ذلك الهم إنما أنتم أخترتموه ولم يضعه أحد عليكم.
وإن كانت خوفاً تريدون طرده عنكم فإن جرثومة هذا الخوف مغروسة في صميم قلوبكم وليست في يدي من تخافون."
كانت هناك مقولة قديمة تقول "إن "عيشانا" يحكمها عدوها" ..وهي قصة عن تكرار الظلم مرة أخري او تكرار تجربة مريرة في كيان دولة او مملكة مثل ما يحدث لنا الأن وتقول القصة :
كانت ملكة "عيشانا" في فراش مخاضها والملك وعيون بلاطه يترقبون نجاتها من آلامها الشديدة، وهم جالسون على أحرّ من الجمر في قاعة الثيران المجنحة، أن دخل عليهم فجأة رسول مستعجل، وركع عند قدمي الملك
وقال: "أيها الملك المعظم، إنني أحمل لكم بشائر الفرح، وللملكة، ولعبيد الملك أجمعين، وذلك أن محراب "الحائر" عدوك اللدود، ملك "البترون"، قد قضي نحبه."
فلما سمع الملك وكبار رجال دولته هذه البشرى نهضوا منتصبين على أقدامهم، وهللوا فرحين لأنه لو طال أجل محراب الجبّبار سنة واحدة، لغزوا أرض "عيشانا" وقاد سكانها عبيداً إلى بلاده.
وفي تلك اللحظة دخل طبيب البلاط إلى قاعة الثيران المجنحة، ودخلت وراءه قابلة الملكة. فانحنى الطبيب احتراماً للملك وقال له: "ليعش سيدي الملك إلى الأبد، فها قد رزقك الله طفلاً ذكراً، سيخلفك على العرش، ويخلد حكمك على شعوب "عيشانا" عديد السنين !"
فتهلل الملك، وطارت روحه فرحاً، لأنه في اللحظة الواحدة هلك عدوّه وتأصلت الخلافة في نسله. وكان في مدينة "عيشانا" في ذلك العهد نبي حق، ولكنه كان فتى جريئاً باسل الروح.
فأمر الملك أن يحضر النبي بين يديه في تلك الليلة، فأحضر في الحال.
فقال له الملك: "تنبأ أيها النبي، وقل لنا كيف سيكون مستقبل ابني الذي وُلد الآن للمملكة ؟"
فأجابه النبي على الفور قائلا: "اصغ أيها الملك فأنبئك الصدق عن مستقبل ابنك الذي ولد لك اليوم: فإن روح عدوك – عدوك اللدود الملك محراب – الذي مات في مساء الأمس، لم تلبث على متن الأرياح سوى ليلة واحدة وقد هبط إلى الأرض ثانية تطلب جسداً تأوي إليه، فلم ترَ أفضل من جسد ابنك هذا الذي وُلد لك اليوم فتقمصته."
فاستشاط الملك غيظاً، وأستلّ سيفه، وقطع رأي النبي بيده والزبد يخرج من فمه غضباً.
وها قد مرت الأيام، وتصرمت حبال السنين على تلك الحادثة، وحكماء "عيشانا" يُسرون واحدهم للآخر قائلين: "أما قيل لنا في القدم، وأثبتت الأيام ذلك القول، إن "عيشانا" يحكمها عدوها ؟؟"
ربما تعاد علينا تجربة مريرة أخري..ربما كتب علينا ان نكون دائما في حالة المقاومة مع حكامنا وتقويمهم ودائما هم في حالة حيدة عن الطريق الصحيح للحلم المصري..
ولكن لن نعود لأشد التجارب ألما وهو عصر مبارك ثلاثون عاما من الغباء السياسي والقضاء علي الحلم المصري وطموح ابناء الوطن..
لم ينجح مرسي في نهضتنا ولكن لن ينجح مبارك في اسقاطنا في شباكه العنكبوتية مرة اخري..
ستكون ثورتنا ثمن حريتنا ولن تكون حريتنا ثمنا لقهرنا مرة اخري يا مبارك..
ابتسم يا مبارك وسنبتسم نحن أيضا بكل ثقة في ثورتنا التي ستنجح نجاحا كاملا مهما طال الوقت المهم اننا بدأنا والبداية هي تخلصنا منك ومن نظامك..حتي وان طالت مدة انتظار الحلم المهم اننا بدأنا..
ابتسم يا مبارك والبس نظارتك السوداء التي تري من خلالها العالم أسود..ولكننا نراه عالم وردي بلون الحلم والأمل والتجربة القادمة..
اشمت في مصر يا مبارك..ولكن ليس من شيمنا الشماتة في بلادنا لأننا وطنيون حتي النخاع..لا نريد العبث بمقدرات بلادنا من اجل مصالح شخصية ..
ان كنت كرهت النظام الحالي لشهور جربتهم فيها..فانا كرهتك من يوم مولدي لأني تعودت ان اكره الظلم والطغيان طيلة حياتي..
فلن استبدل الكره بالكره ..وسيأتي يوما حاكم يحبه شعبه ويلتف حوله ويتحدث بلغة الانجازات لا بلغة العجز ..
تصريحات الاخوان المستفزة قد هانت امام ابتسامتك الاكثر استفزازا..
ابتسم يا مبارك لتعثر حلمنا ولكنه سيكتمل فوق انقاض نظامك ..
لست اسفا لك ما حييت يا مبارك فالحاكم مجرد اسم ولكن الحق والعدل كيان دولة ..
No comments:
Post a Comment