" كان راجل طيب" تنطلق من وسط صيحات ترج الشارع وتقول "الله حي الله حي" ولافتات كثيرة مكتوب عليه بخط ذهبي "مدد يا رسول الله محمد" و "مدد يا مولانا الغريب"..
والغريب هو صديقي منذ اكثر منذ الطفولة..الغريب قصة ماضي ومستقبل ..قصة تتناقلها افكار اجيال دون ان تسأل عن مصدرها وأصلها وفي وسط هذا الصخب ومن اخرجوا المارد من قمقمه لا استطيع ان اشد بالحقيقة في وسط اغصان من لهب ستحرقني اولا !!
"محمود الغريب" صديقي منذ أيام الحضانة ..توفي بسبب المستقبل والحاضر والماضي معا..نعم لا تتعجبوا كلهم مسئولون ..هذا المستقبل الذي أغراه بتباشير منه والحاضر الذي أعياه والماضي الذي قتله عشقا وكمدا ..كلهم مسئولون أمامه ..أمام محكمة قلبه وعقله ..
الحب والصوفية..ربما يكون عنوان أخر لقصتي ودعوني اولا اقص عليكم القصة اذ لا فائدة من ان اقول العنوان دون ان تعرفوا حكاية "محمود الغريب اولا..
محمود كان صديقي منذ سنوات طويلة لم اعهده الا باسم الثغر متفائل لم يكن حسن القسمات الا ان ابتسامته تطغي علي بعض جوانب قبحه لم اراه حزينا الا مرة واحدة تقريبا في المرحلة الثانوية وكانت صاعقة :
أنا : محمود..مالك انت بتعيط ؟؟ انا اول مرة اشوفك بالحالة دي
محمود: سيبني يا اخي انا تعبان قوي بجد مش عارف اعمل ايه
أنا: مالك يا محمود احنا صحاب عمر وحق صداقتك لتقول مالك ايه اللي حصلك
محمود: أنا تقريبا..بحب
تعجبت كثيرا لأني لم أكن ذقت الحب بعد ..هل الحب هو أول طريق الحزن !! محمود الغريب الذي لم يسمع عن لغة الدموع الأن يبكي بسبب الحب ..يتشنج وكأنه طفل يموت في حضانة فصلوا عنها الكهرباء او قطة تخرج منها الروح علي قارعة طريق ..أهذا هو الحب ؟؟ ولكن ألهذا السبب قال جبران أن الحزن أسمي من الفرح !! أم لأنه كان مائلا للحزن والكلمات الدافئة الناعمة !!
"محمودالغريب" يبكي ..يالعجائب الدهر ..يبكي بدون سبب ..دموع عاشقة تسبح لللهوي اناء الليل واطراف النهار ..
سافر الي الإسماعيلية بعد مشاكل مع أسرته لأنه كان يريد الإرتباط بسلمي في اول المرحلة الجامعية وترك لهم المنزل وعاش وحيدا عائلا لنفسه بوظيفة ضعيفة المرتب كان يصرف منها علي نفسه وعلي تعليمه ..هو لم يهرب من أسرته في المقام الأول بل بسبب سلمي وهروبه من حبها فأحيانا الحب لا يعطينا الا مفتاح الهروب فاذا هربت منه ضعفا لن تعود اليه الا قويا غليظ القلب ..هروبك من العشق هي مرحلة خلق القلب الشيطاني ..فالقلوب ملائكة وشياطين..من يستسلم لحبه يعيش بقدر الحب ومن يهرب من الحب يعيش بقدر ينسجه لنفسه ويطرزه بالشر وبقتل حواء داخله انتقاما..ولكن ممن تنتقم والحب لا يعرف لغة المنتقمون..فالحب تسامح ورحمة..
قابلت محمد الغريب منذ سنوات وكانت اخر مرة وأسميتها مرحلة "المرايا" ..نعم كانت مرحلة الجنون الكامل وكأن الحب ينتقم منه بدلا من ان ينتقم هو منه ..هرب من سلمي لانه شعر بضعف وعدم القدرة علي صنع قصر الأحلام لها أي وقع في خطيئة العشاق ..وخطيئة العشاق كما اراها هو تصور المحبوبة "عروسة باربي" يري انه لابد ان يبني لها القصر الكبير الذي لن يقدر عليه مع انها ان كانت تحبه فستبني معه قصور من حرير..
ويري ان السيارة اخر موديل انسب لساقيها العاجية مع ان قدميها علي بساط الحب أجمل
ويري أن سرير من المال اجمل من سرير من الزهر والهيام ..
وهذه العروسة اللعبة قد تكتب قدر البنات ..
فستجد لعب بعضهن وهن صغيرات رغبة في ان تدلل مثلها تملك للدمية نظرة الطامعة في ما تملكه من حذاء وقصر وسيارة ونظارة ..؟؟
وستجد بعض البنات كانت تبحث لها عن فارس أحلام تضعها معه في القصر الكبير..
وستجد بعضهن تكسر القصر وتمزق ملابس الدمية وهي شخصية كاسرة للقلوب مداهمة خطرة لقلوب الرجال..
قلت له عدة مرات "صدقني سلمي ليست النوع الذي يريد القصر".. هي إمرأة ان لم تجد فيها السكينة الي كلماتك والنظرة الرقيقة لخصالك وحركاتك واليد الحنونة التي تربت علي أحلامك فلا تعتقد فيها..
وان وجدتها كذلك فهي شريكة حياتك..فأنا لا أحب جملة "شريكة عمرك" فالعمر مجرد سنوات بينما المرأة تكون شريكة الحياة بشكل كامل بكل ما فيها من أحلام وأحزان..بينما العمر سنوات محسوبة بالأرقام .
وجدته يقف خائفا مرعوبا أمام باب منزله عندما وصلت اليه في اخر زيارة منذ سنوات قلت له في استغراب : مالك يا محمود ؟ انت واقف برة ليه ومرعوب كده ؟؟
محمود : بقولك ايه انا عندي شعرة بيضا مش كده ؟؟
انا: شعرة بيضا ايه يا اخي خضتني طيب خش جوة نتكلم..
ودخلنا الي الشقة واغلقنا الباب وظل واقفا لا يريد التحرك وقال : انا خايف قوي من المراية دي
انا: مراية ايه يا محمود ؟ مالك يا ابني النهاردة ده بدل ما تقولي ازيك..ده انا اما كلمتك في التليفون بعد اما عرفت رقمك بالعافية من معارف ليك قولت هتاخدني بالحضن علطول ..بقي دي مقابلة يا محمود مكانش العشم..
حاولت بهذه الجملة ان اخرجه مما كان فيه لانني كنت فعلا في حالة فزع روحي هائل..حزين علي صاح عمري ان يصل الي هذا الحد وتلك الحالة الغريبة..ولكن كلماتي لم يكن لها اي صدي فمحمود لم يشعر بي تقريبا كل نظراته كانت الي المراية التي يتحدث عنها وقال : مش عايز تشوف مستقبلك ؟؟
قلت في تعجب: انت بتقرا الفنجان ؟
قال: يا اخي مبهزرش ..المراية دي قالتلي ان في شعرة بيضا وانت بتقول مش شايفها يعني هي بتوريني مستقبلي مش اللي شايفه دلوقتي ..
قلت : طب وريني بقي شعرك تاني كده..
وبدات افحص في شعره لعله يشعر بي ويترك قضية المرأة هذه ولم أري أي شعرة بيضاء بل شعره كان اسود بالكامل حتي في لمكان الذي أشار اليه ..
قلت : يعني انت شوفاها في المراية دي بالذات ؟؟
قال: ايوه شفت شعرة بيضا واضحة جدا بس مش عارف ده سنة كام بالظبط مش عارف ..
قلت "في حدة" محاولا استعادة صديقي القديم : يا اخي فوق بقي ..سلمي مسابتكش لمنظرك ولا لفقرك ولا لأي سبب انت واهم بيه انت اللي هربت..فوق بقي وعش الواقع..
قال "وهو يرتعد وكأنه اصاب بالحمي" : سلمي؟؟ سلمي لا لا لا..انا توبت ..توبت خالص..سلمي؟؟لا حول الله..سلمي تلاقيها ماتت
قلت "في غضب بعشم الصداقة وضربت يده في قسوة" : توبت ؟؟ الله يخربيت توبتك يا اخي..هو في غيركم اللي بيتوبوا عن اجمل حاجات في الحياة اللي مضيعين اجيال بحالها..اللي تاب عن مبادئ حزبه وهو عارفها من الأول عشان يثبت ان حزبه شرير وهو اللي صح ويتوه العالم عن مين فيهم الصح والغلط ونقع في مرحلة احباط وتوهان وانعدام مستقبل..
واللي بيتوب عن ذنوبه فجأة وهو مجرم من جواه فيحتار الناس بين خيره وشره ويخلق المنطقة الرمادية القذرة
واللي بيتوب عن حبه ويكسر قلب ويدفن قلب تاني بالحيا..
توبة ايه يا ابو توبة..يلعن ابو توبتك علي توبة اللي زيك..
قال : اسكت اسكت انت مش شايف اللي انا شايفه انا عندي شعرة بيضا ..ايوه واضحة وانت جاي تكذبني وتقولي سلمي وزفت يلعن ابو سلمي
قلت "في غضب عارم" وانا اهزه من ملابسه محاولا ان افيقه : لا مش يلعن ابوها..سلمي حبتك بجد واديك شايف حالتك اهو عملت ايه بالهروب الكذاب ده ..اديك رحت في ستين داهية ..اديك اتجننت وحالتك بقت تصعب ع الكافر..
عايز تهرب من الحب يا متخلف ؟؟ عايز تهزم اقوي مخلوق من خلق ربك ؟؟ انت مين عشان تهزم الحب..هه؟؟ قولي انت مين عشان تهزم الحب يا جبان يا ضعيف يا مخنث بيحاول يغتال كيوبيد..
قال: كيوبيد كيوبيد..اه عايز اقتل كيوبيد الجبان..كيوبيد بتاعك ده كان بيخاف من أمه ومعرفش يصارح بحبه حبيبته "بسايكي" ولا ناسي يا اخويا ؟؟ كيوبيد ده جبان جبان وبيهرب
قلت : اه وفي الاخر انتصر واتجوز اللي بيحبها ..كيوبيد نفسه اتصاب بسهمه ..كيوبيد جرح قلبه وحب ..القدر والحب لعبة مشتركة عمرك ما هتهرب منها..
قال: ابعد عني..ابعد او تعالي اوريك مستقبلك في المراية..شايف ؟؟ بقوا شعرتين ..شعرتين لونهم ابيض مش واحدة هات الاجندة..اكتب ان ده هيكون في سنة 2050 تقريبا..
قلت "في حزن" : فوق يا محمود..سلمي مستنياك وبتسأل عليك..انت اللي ضيعت كل حاجة..كل حاجة..
خرجت من المنزل حزينا لحالته وغير متعجب من انتصار جديد للحب وسحق قلب وكيان جديد بسبب لواعجه..اذكر اني في تلك الليلة كانت اولي ليالي انتشائي وشربي لألوان الدخان السبعة او تسميها شلة الأنس..
جلست أهلوس وسط موجة عارمة من الضحك وانا اقول في "الملهي الليلي" رغم اني لأول مرة اذهب اليه بصوت عالي: "والمراية بتوريك مستقبلك قرب قرب تبقي راجل بشنبات او بنت منفوخ لها..تنفخي فوق ماشي تنفخي تحت ماشي كله بالسليكون بيفك "
لم يكن لدي فكرة عن ما قلت هذه الليلة ولكن البعض حكي لي ما قلته تأثرا بمأساة محمود الغريب التي لم احكها لأحد واحتفظت بها لسلمي وحدها التي ذهبت اليها ذات يوم لأحكي لها قصة محمود ولكن القدر لم يمهلني ولم يمهل المسكين ووجدتها تفتح لي الباب حسب العنوان ولكنها تزوجت ونظرت الي باستغراب ودمعت عينيها لأنها تذكرت في وجهي ايام محمود الغريب وشقاوته بتاعة زمان ..
تلك الدمعة التي ترقرقت في عيناها بدون رد فعل هي اقوي دليل علي حبها المحفور وخيبة املها في محمود الذي هرب من العالم من أجلها واختبأ في مكان لا احد يعلمه ولا حتي اهله ..انا فقط الذي اعلم مكانه..
قالت لي وهي تنتحب ولا تستطيع اخذ نفسها : هو كويس ؟؟
وكأن قلوب العاشقين متصلة علي الدوام ..تعرف جيدا في نظرتي البائسة ان هناك خطب ما مس محمود الغريب او ربما تكون حلمت بهذه كما تشعر الام بولدها او المعشوق بمعشوقته بالإتصال الروحي الكامل..
قلت : هو تعبان يا سلمي
سلمي "في خضوع" : كنت حاسة ..واللهي كنت حاسة ان في حاجة
قلت : لسه فكراه يا سلمي ؟؟
سلمي : هتصدقني لو قولتلك اني مش شايفة غيره في الدنيا ..اتجوزت لان ده مصير انما ما حبتش غيره لأن ده قدر ومكتوب..
خرجت من عند سلمي اتذكر تلك الجملة التي تلخص حال الهجر "اتجوزت لان ده مصير انما ماحبتش غيره لأن ده قدر ومكتوب" ..رأيت نظرتها وأقسم لكم ما لم أره في ملامح درامية شتي..نظرة العاشقة الحزينة تبلغ في سموها نظرة الأم لأول بسمة طفل..أو سمو نظرة الملائكة للأنبياء..
وبعد ما حدث ظللت مترددا لفترة ولكنها ليست طويلة لأني كنت أفكر فيه باستمرار لانه صديقي الأقرب وقلت لأهله كل الحكاية واعطيتهم العنوان لتيصرفوا معه ويحاولوا اخراجه من حالته ..
وبعد سنوات طويلة ذهبت الي الاسماعيلية لأري ماذا حدث وكيف يعيش محمود الان وهل عاش معه أهله ام لا ..
ويالدهشتي مما رأيت..رأيت الباب مفتوحا في شقة محمود الغريب ويدخل اليه عشرات الوافدين بالدور وحينما سألت احدهم : هو ايه اللي بيحصل في ايه يا استاذ؟ هي مش دي شقة محمود الغريب ؟؟
الرجل: ايوه يا بيه هي..ده راجل بركة وعنده مراية بتورينا كل اللي هيحصل قدام في المستقبل ان شاء الله
لم أتمالك نفسي من الغضب وصحت في الجميع : يا مجانين يا ولاد الكلب..تصديقكم للخرافة بيأكدها ..طول ما في المجتمع امثالكم عمره ما هينضف ابدا اطلعوا كلكم برة..يا محموووووووووووود انت فين يا محمود ..
طلع الناس دي برة..المستقبل مش عايز متلصصين عليه يا ولاد الكلاب..اطلعوا برة..سيبوا صاحبي في حاله..سيبوووووه
خارت قواي تقريبا من كثرة الصياح الذي جعل الناس تهرول خوفا من الفضيحة امام اهاليهم او منطقتهم انهم كانوا في شقة محمود الغريب الذي قال البعض عنه مجنون في الشارع..
ذهبت اليه وجدته بذقن كثيفة وجلباب ابيض ويقول لي : انت جيت ؟؟ شوفت ؟؟مش قولتلك..انا شفت سلمي وهي بفستان الفرح ..شفت سلمي وهي بفستان الفرح..هي اتجوزت صح؟؟ اكيد قولي قولي..المراية دي عمرها ما كدبت عليا
لم اعرف كيف تركه اهله في تلك الحالة وهل حاولوا ويأسوا ام تركوه في حالته المستعصية الي ان اصبح الموقف عبثي ومزعج..
انتشرت الخرافة في كل مكان..المراية التي تري المستقبل..طوابير من المريدين لمحمود الغريب علي الابواب الموضوع ينتشر وذاع صيته ..يتلصصون علي المستقبل والمستقبل يريد من ينظرون تجاهه لا المتلصصين عليه..
ما اسهل انتشار الخرافة في مجتمعنا ..المجتمع الذي نهشته خرافة السياسة والحكام المرتزقة الفاسدين والوزراء الفاسدين ورجال الدين كهنة الاموال والثمرات وليس الأنفس حتي..
الخرافة تحاول ان تبقيهم متيقظين ..ليخرجوا من اطار اليأس الي الحياة ولو كذبا..نهش فيهم الفقر فنهشوا لحم الخرافة ودافعوا عنها الي ان تجسدت حاكما ملائكي او ولي من اولياء الله او عالم دين كما يسمونه..
نظرت اليه نظرة اخيرة..حضنته وقبلت جبينه وقلت له : ما تشغلش بالك..سلمي بتحبك هي قالتلي..صدقني بتحبك
نظر الي وخلع طاقيته وهرش في شعرع الطويل المجعد الذي لم يحلقه منذ سنوات واحمرت عيناه ونظر الي المرأة ولم ينظر الي مرة اخري..
كان هذا لقاء بيني وبينه الي الأبد ..كنت دائما ما أتذكره ..
قالت زوجتي : طيب عملت ايه امبارح في العزا بتاعه ؟؟ شوفت اهله ؟؟
قلت : مشوفتش اهله لكن شوفت الاعلام والرايات وواحد قال بالحرف الواحد "الشيخ الغريب ده بركة عرفنا كل اللي هيحصلنا في عمرنا راجل كأنه القدر"
زوجتي : استغفر الله العظيم ايه اللي حصل للناس ؟ كأنه القدر؟ وهو بيعرف القدر ازاي ..؟دول مجانين
قلت : مش بس كده الناس كلها عملت "حضرة" وزار وبخور وبقي مقام وشقته مفتوحة طول اليوم والمراية موجودة والناس بتلمسها وتحسس عليها ..
في اخر ايامه الله يرحمه بيقولوا قعد يبص للمراية تلات سنين وما يتحركش والناس تجيبله الاكل لحد عنده ويقولوا "الشيخ الغريب في لحظة تجلي بيشوف المستقبل"
زوجتي: مات قدام المراية ؟
قلت: اه فعلا ده اللي حصل ولسه الناس بيصدقوا حكاية المراية بشكل غريب ومهما قولتلهم بيقولوا عليا كافر بمعجزات الله ومجموعة منهم كانت هتضربني ..
زوجتي: وشوفت الدفتر اللي ادهولك البواب في العزا حسب الوصية ؟؟
قلت: فعلا اما جالي البواب وقالي ده وصية المرحوم انه سابلك الاجندة دي خدتها بسرعة بس ما قريتش منها غير صفحتين لسه هاكملها دلوقتي..ياريت تعمليلي فنجان قهوة عشان اكملها
ذهبت الزوجة وجلست اقلب في صفحات الدفتر التي كتبها محمود ورتبها بالتاريخ لانه كان طول عمره منظما في اموره ..وبدأت اقلب الأوراق سريعا ووقفت عند صفحة "سلمي وعريسها"
سقطت من علي كرسي المكتب في حالة صدمة وهلع وفزع جريت في ارجاء المنزل كما المجنون كدت أن ألطم خدودي مما قرأت ..لقد وصف المنزل الذي تسكن فيه سلمي ووصف زوجها بشكله ولون شعره وكل تفاصيله والأكثر رعبا انه حدد تاريخ الفرح بينما كتب ما كتب قبل الفرح بشهر كامل..
كنت اجلس مع سلمي وزوجها في العزاء وقالت لي بنفسها انها لم تري محمود الغريب ابدا منذ ان قابلتها اخر مرة ولا يعرف انها تزوجت ولا يعرف اخبارها ,.وتأكدت من كل مكان ومن كل مصدر ان محمود الغريب لم يتحرك من امام المراية في اي وقت..فكيف عرف تاريخ الزواج..
امسكت الدفتر مرة اخري وانا اكاد اجن ونظرت الي الصفحة الاخيرة لأقرأ فيها ما أبكاني ..وقال في اخر المذكرات :
"انت مصدقتش انها معجزة لسه؟؟ انا سيبت لك الدفتر ووصيت البواب يدهولك عشان تعرف ان كل حاجة كنت شايفها..وتعرف ان المراية كانت بتقول لي كل المستقبل ..هي مش معجزة مراية..انما معجزة قلب"
دخلت زوجتي وقالت : القهوة اهي..ايه مالك انت بتلبس بسرعة ورايح علي فين دلوقتي ؟؟
قلت في ابتسامة : رايح مولد الشيخ الغريب ..دي مش معجزة مراية..دي معجزة قلب..
ومازال محمود الغريب كذبة في عيون البعض ومعجزة في عيون مصدقي الخرافات وحقيقة في عيني انا فقط..من عرف قصته وعاش كل تفاصيلها..
ولكن ما اثار ثائرة الشجن داخلي نظرة سلمي الي وهي في المولد تشارك في مولد الشيخ الغريب حبيبها السابق..وكأنها تريد اي شئ من ذكراه ولو لم تبقي الا الخرافة..
حتي لو لم تبقي الا الخرافة !!
No comments:
Post a Comment