لا شك ان مصر في الفترة الاخيرة عانت من ابشع انواع الحكم الاستبدادي بطابع ديني والرجوع لعصر محاكم التفتيش والتكفير اللي كان شغال 24 ساعة في كل مكان لمخالفة الحاكم او الخروج عليه يعتبروك علطول شيوخ السلطان انك كافر وخارج عن الدين !!
الفترة السوداء في تاريخ مصر اللي متلونة بلون الاخوان المسلمين تحس ان بيعبر عنها جدا "جورج اورويل" وهو صحفي وروائي انجليزي شهير جدا ..اتشهر بالمقالات المعادية للديكتاتورية والفاشية ورواياته اللي كانت مليئة بالاسقاط والرمزية خصوصا علي الانظمة الفاسدة وكانت من اشهر رواياته دي مزرعة الحيوانات طبعا وكمان رواية "1984"
شهد ظروف صعبة في حياته من اول بورما اللي كتب عنها وحضر الحرب الاهلية الاسبانية ..وبيخرج من كل تجربة في حياته برواية رائعة يحكي عن تجربته ويهاجم الانظمة السياسية الفاسدة..
في رواية "1984" بيتكلم جورج عن قمع الانظمة الاستبدادية بشكل محكم ومسيطر لدرجة انهم حتي بيراقبوا فكرك ..من فكرة الرواية دي كان فيلم
Equilibrium
الفكرة في الرواية عن حزب جه بعد ثورة واصبح بعد الثورة مسيطر علي كل مفاصل الحياة لدرجة انه بيراقب فكرك لو ليك اي فكرة معادية للنظام اصبح ديكتاتور جديد بل يمكن اكتر من اللي كان قبل الثورة وطول ما يمشي بطل الرواية الناقم علي النظام واللي اصلا كان شغال في الحزب الحاكم ولكنه عنده نزعة تمرد في الشارع تلاقي مكتوب "الاخ الكبير يراقبك" ..
في كل مكان يلاقي بطل الرواية حاجة اسمها "شاشة الرصد" دي بتراقبك في اي مكان بتروحه في كل شارع وكمان بتدي احصائيات عن توسعات الحكومة وكلها ارقام مفبركة وكان شعار الحزب ده في الرواية بيقول :الحرب هي السلام..
الحرية هي العبودية
الجهل هو القوة
وكان بيشتغل في الحزب الحاكم ده في وزارة اسمها "وزارة الحقيقة" دي المسئولة عن كل حاجة مراقبة الناس وتغيير الاحصائيات عشان تبقي دايما في صالح الحكومة حتي لو غلط وكذب وتزييف التاريخ الماضي لدرجة انهم كانوا بيدوا لنفسهم حق انهم يقولوا انهم انتصروا في معارك علي بلد مجاور عدو وهم اصلا ما انتصروش ولا حاجة ولكن عشان يحسسوا الناس بالخوف من العدو الخارجي ويبقوا دايما في صف الحزب الحاكم..
عندهم في الحزب كمان شرطة اسمها "شرطة الفكر" لمراقبة كل افكارك..وجلسة اجتماع اسمها "دقيقتي الكراهية" يقعدوا فيها يشتموا المعارض اللي صوروه علي شكل شيطان بالنسبة للناس وانه اكبر عدو للدولة وبيعدكوا الكتاب اللي هو عامله لمعارضة حزب الاخ الكبير ..
المعارض ده في الرواية كان اسمه "غولدشتاين" وعامل كتاب ضخم لمهاجمة النظام وكان الحزب في كل مكان يسميه "عدو الشعب" عشان بيعارض الحكومة !!
بطل الرواية "ونستون" اللي كان ميال للثورة علي الاخ الكبير قعد يكتب في مرة في ورقته "ليسقط الاخ الكبير ..ليسقط الاخ الكبير" وبعد ما كتب كده كان مرعوب لحسن حد يكون شايفه من شرطة الفكر يعني بيخلوا الواحد يخاف حتي من افكاره من غير ما يقولها علانية ..
حتي الاطفال كانوا بيعينوهم جواسيس علي العائلات بتاعتهم وجزء من الوراية مكوب فيه :
"وأسوأ ما في الأمر ان الصغار بانضمامهم الي منظمات مثل اتحاد الجواسيس يتم تحويلهم بشكل منهج الي رعاع صغار لا يمكن ظبطهم وهذا بدوره يقتل فيهم اي ميل الي الثورة ضد نظام الحزب بل علي النقيض من هذا يصبحون عبيدا للحزب ولكل ما يتصل به ..ان الاغاني والمواكب وحمل الرايات والرحلات الجماعية وتقديم فروض الطاعة والهتاف بحياة الاخ الكبير كل ذلك كان نوع من اللعب الممتع بالنسبة لهم"
طبعا اظن ده بيفكركم بالاخوان المسلمين وشبابه اللي اتحولوا تدريجيا لعبيد للحزب لا يعارض وانما يقدم فروض السمع والطاعة !!
نرجع تاني للرواية وفي احد فصولها قطعة مهمة جدا عن تزييف التاريخ وازاي تخدع الناس "زي ما كان بيعمل الاخوان" وتزور في الارقام والاحصائيات وهنا بيقول الكاتب :
"اذا كانت كل السجلات تحكي القصة نفسها فإن الاكذوبة تدخل التاريخ وتصبح حقيقة واحد شعارات الحزب "من يسيطر علي الماضي يسيطر علي المستقبل ومن يسيطر علي الحاضر يسيطر علي الماضي"
فكل المطوب هو سلسلة لا تنتهي من الانتصارات علي ذاكرتك "الاستحواذ علي الحقيقة" او كما يسمونها في اللغة الجديدة "التفكير المزدوج"
وكان في حزب الاخ الكبير وزارة اسمها وزارة الوفرة دي المسئولة عن الكذب في تصريحات الانتاج زي ما كان الاخوان يكلمك عن القمح والبنزين كده يعني !!
وزارة الوفرة دي كانت كل شوية تدي بيانات للشعب تكلمهم فيها عن زيادة معدلات الانتاج ومصطلح تاني متكرر كل شوية يقولوا فيه انهم في "الحياة الجديدة السعيدة" ..
ومن اكتر رموز الديكتاتورية في الرواية الجزء اللي بيتكلم فيه عن حاجة اسمها "جرمة الوجه" يعني لو ظهر علي وشك اي تعبير انفعالي ان مش عاجبك احد انتصارات الحزب تبقي دي مخالفة تستوجب عقابك ..لدرجة انه
كان بيقول لنفسه بطل الرواية الثائر جملة بتقول "ان الد اعدائك هو جهازك العصبي"
وكان دايما ونستون بطل الرواية الثائر يكتب في ورقة مذكراته "اذا كان هناك امل فالأمل يكمن في عامة الشعب"..
والبلد اللي اختار اسمها مؤلف الرواية كانت اسمها "اوقيانيا" فكان بيقول عنهم وعن حالتهم :
"من هذه الكتلة البشرية التي لا يلتفت اليها والمهمشة والتي تمثل 85 بالمائة من تعداد شعب اوقيانيا يمكن ان تنبعث القوة التي تدمر الحزب "
وكان بيقول كمان عنهم "لن يثوروا حتي يعوا ولن يعوا الا بعد ان يثوروا"
طيب ازاي جه الاخ الكبير ده بحزبه وسيطر علي كل حاجة كده وفرض الديكتاتورية بتاعته ؟؟
بيقولك الكاتب عن الحكاية دي جزء مهم جدا يلخصلك ازاي سيطر الاخ الكبير علي كل مفاصل الدولة :
"بدأت القصة في منتصف الستينات ابان موجات التطهير الكبري التي جري فيها تصفية الزعماء الاصليين للثورة دفعة واحدة وبحلول عام 1970 لم يكت قد تبقي منهم أحد ماعادا الاخ الكبير اما الباقون فقد وصموا بالخيانة واعتبروا مناوئين للثورة وفر غولدشتاين الي حيث لا يعرف احد"
شوف بقي من كتير سيطرة الحزب وظلمه بيقول فيها الكاتب حتة جميلة جدا عن الحرية والعبودية :
"التقط كتاب التاريخ الخاص بالأطفال تطلع الي صورة الاخ الكبير التي تغطي الغلاف حيث العينان المغناطيسيتان تحدقان فيه وكانما كانت هنالك قوة هائلة تجثم عليك ..شئ يخترق الجمجمة ويدخل الي دماغك فيزعزع معتقداتك ويحملك علي ان تنكر عل حواسك ما تشعر به..فمن الممكن في نهاية المطاف ان يعلن الحزب ان اثنين واثنين يساويان خمسة وعليك ان تصدق ذلك..فان فلسفتهم تنكر وجود الحقيقة الظاهرة"
وقال عن هذا التزوير في الحقائق مقولته : "الحرية هي حرية القول ان اثنين واثنين يساويان اربعة فاذا سلم بذلك سار كل شئ اخر في مساره السليم"
كانت الديكتاتورية في كل شئ وفي كل مظهر من مظاهر الحياة حتي الاطعمة والمشروبات يتحكم فيها الاخ الكبير وحتي القهوة فهي نوع يسمي "بن النصر" ونوع معين لرجال الحزب وحتي شفرات الحلاقة لك عدد معين في الشهر يحدده الحزب..
ولأول مرة يمر طيف المشاعر في داخل الحزب المجرد من الاحاسيس والمشاعر ووقعت زميلته جوليا في الحزب في حبه وبدأت علاقاتهم سرا دون مراقبة شاشات الرصد وساعة ما كانت جوليا بتحكيله عن ذكريات ليها تشوف قد ايه الحزب بيتدخل حتي في شئون الافراد الجنسية وبتقول جوليا في الرواية :
"لقد كنت في المدرسة يا عزيزي حيث يلتقي من هم فوق السادسة عشرة درسا في الجنس مرة في الشهر "
وتقول ايضا :
"عنما يمارس المرئ الجنس فانه يستنفذ قواه ويشعر باللذة تجعله لا يأبه بشئ وهم لا يرغبون في ذلك لانهم يريدونك ان تكون شعلة نشاط طوال الوقت .وليست كل هذه المسيرات التي لا تهدأ وما يصحبها من هتافات وتلويح بالرايات الا تنفيسا لطاقة جنسية مكبوتة"
ويتحدث بطل الرواية عن التزوير الفج لصالح الحزب ويقول :
"كل السجلات تم اتلافها وكل كتاب اعيدت كتابته وكل صورة اعيد رسمها واسم كل شارع وبناية تم استبداله وكل تاريخ جري تحريفه ومازالت هذه العملية متواصلة يوم بيوم ودقيقة بدقيقة"
تحولت الرواية تحول رهيب بزيارة احد زملائهم في الحزب لانهم افتكروا انه ثوري زيهم وبيبادلهم المشاعر في السر لكن وقعوا في الفخ وعمل نفسه ثوري فعلا واداهم كمان كتاب ثوري لغولدشتاين وعمل نفسه انه معاهم واتضح في الاخر انه مخلص للحزب وللاخ الكبير ومش ثوري ولا حاجة ودخلهم السجون ..
من امتع اجزاء الواية فعلا هو الجزء المختص بالكتاب الثوري للثائر "غولدشتاين" اللي هو الشخصية الثائرة اللي ضد الحزب في الرواية ..بدأ بطل الرواية ونستون يقرا بلهفة كتاب وصفحات كتاب اسمه "حكم الأقلية الطاغية نظرية وتطبيقا" بقلم ايمانويل غولدشتاين..
مسك الكتاب بتاع غولدشتاين وقعد يقراه مع جوليا بتفصيله وهو كتاب في كل تفاصيل ديكتاتورية الحزب وظلمه وبغيه علي المجتمع وازاي استولي علي الثورة وليه الحروب بتحصل في العالم من اجل مصالح الاحزاب الديكتاتورية احيانا وان الطبقة الوسطي تاخذ الطبقة الدنيا الي صفها بدعاوي النضال من اجل الحرية والعدالة وما ان تبلغ الطبقة الوسطي الي الحكم فانها تزج بالطبقة الدنيا الي وضعها القديم لدرجة ان البعض اسمي تكرار هذه العملية في التاريخ بإسم "المسارات الدائرية للتاريخ"
وفي الاخر يقاد ونستون الي المعتقل ومعه عدد من اصحاب الافكار الثورية اللي كشفهم الحزب الديكتاتوري ويفضل الكاتب يوصف التعذيب والقهر في عدة صفحات وكان بيقول عن التعذيب :
"وكانت تمر عليه اوقات يتدحرج فيها علي الارض وكأنه حيوان مخز..يتلوي بجسده دون جدوي تجنب للضربات لكن ذلك كان يدفعهم لمزيد من الضرب علي صلوعه وبطنه ومرفقيه وساقيه وخصيتيه وعموده الفقري في بعض الاحيان كانت هذه العملية تتواصل حتي يخيل اليه ان ما يؤلمه ليس ضربات الحراس وانما عجزه عن ان يفقد وعيه"
"وغدا همه الوحيد ان يكتشف ما يريدون ان يعترف به حتي يبادر الي الاعتراف قبل ان يلجأ المحققون لحمله علي ذلك"
وشوفوا بقي من فرط التعذيب اللي وصفه الكاتب الراجل اعترف بإيه ..اتهامات خيالية وبعضها كوميدية اما تعرف ان شخص واحد اعترف علي نفسه بكل الاتهامات دي لكن التعذيب بيعمل اكتر من كده ..شوفوا كمية الاعترافات اللي اعترف بيها علي نفسه :
"اعترف باغتيال عدد من اعضاء الحزب البارزين وتوزيع منشورات تحرض علي الفتنة واختلاس اموال عامة وبيع اسرار عسكرية والاشتراك في عمليات التخريب بشتي انواعها وبانه كان عميلا ماجورا لحكومة استاسيا وبانه كان مؤمنا بالله ومعجبا بالرأسمالية وبأنه انزلق الي الشذوذ الجنسي واقر بذلك بقتل زوجته بالرغم من انه يعرف مثلما يعرف المحققون ان زوجته لا تزال علي قيد الحياة"
واثناء التعذيب قال له المحقق : "كم اصبعا تري يا ونستون ؟؟"
قال له : اربعا خمسا اربعا الرقم الذي تريده كل ما ارجوه ان توقف الألم"
طيب هل الرواية بتنتهي نهاية سعيدة ؟؟ او انتصار للثورة ؟؟لا طبعا ما يبقاش ده جورج اورويل؟؟اللي عودنا علي النهايات المفاجئة زي روايته التانية مزرعة الحيوانات اللي برضه ما بتنتهيش نهاية ان الخير ينتصر بل الشر بينتصر عند جورج اورويل الكاتب الفذ..
عذبوه وقالوله انت مش هتخرج من عندنا شهيد يعملك الناس بطل لا احنا هنعملك مسح دماغ بحيث ترجع تطيعنا زي الاول واكتر وبارادتك كمان لاننا مش عايزين واحد الناس تعمله بطل..
وقاله المحقق كمان بصراحة بعد ما حقنه ورجعه مطيع زي الاول : "ان الحزب يسعي الي بلوغ السلطة لذاتها وان مصالح الاخرين لا تعنينا في شئ فكل همنا محصور في السلطة..السلطة المطلقة فقط"
وقاله كمان : "ان السلطة ليست وسيلة بل غاية فالمرء لا يقيم حكم استبدادي لحماية الثورة وانما يشعل الثورة لاقامة حكم استبدادي"
وبعد التعذيب الرهيب بدأ ونستون يكتب بخط كبير : "الحرية هي العبودية"
"اثنان واثنان يسوايان خمسة"
وفي النهاية القاسية للرواية يقول الكاتب :
"لا بأس ..لقد انتهي النضال وها قد انتصرت علي نفسي..وصرت احب الاخ الكبير" !!
الرواية ممتعة في تفاصيلها الي اقصي درجة ومعبرة جدا عن حال كل بلد فيها حكم شمولي ديكتاتوري زي ما كان ايام مرسي والاخ الكبير تقدر تقول انه كان بديع..!!
نفس الفساد ونفس الرقابة علي الاس والوصاية عليهم وقراءة افكارهم لتكفيرهم كل يوم وكل ساعة لمجرد ان واحد فتح بقه وقال مرسي فاشل يطلعله الف واحد من اتباع الاخ الكبير بديع يقوله "انت ضد المشروع الاسلامي هاتووووه"
رواية قديمة لجورج اورويل وكأنها مكتوبة النهاردة وكأنها متفصلة علي مصر بالظبط ونظام مرسي المعزول..
اما عم جمال الغيطاني المبدع الكبير فهو بقي بيعبر برضه بروايته "الزيني بركات" عن التجارة بالدين وازاي كانت التجارة بالدين في اوائل دخول العثمانيين مصر او في نهاية عصر المماليك سمة غالبة ..
هي الرواية بتتكلم عن فترة في 922 هجري او 1517 ميلادي وكانت مليئة بالمقتطفات لوصف رحالة بندقي اسمه فياسكونتي جانتي بيوصف فيها القاهرة قبل دخول العثمانيين ..
دي رواية بتفكرنا برضه جدا بحكم الاخوان المسلمين في الاول الناس اتعشما فيهم خير وطلعوا العن من النظام اللي قبلهم ..فكرة الرواية بتتكلم عن منصب البصاصين ورئيس البصاصين لو بفكر العصر الحالي ممكن نقول وزارة الداخلية مثلا..
كان في واحد ماسك منصب في البصاصين بس كان ظالم قوي وبيعذب الناس اسمه "علي بن ابي الجود" من احدي المقتطفات من الرواية اللي بتدل علي مدي ظلمه وطغيانه المقطع ده :
"قبض علي امرأة حامل فقيرة لا ظهر لها ضربها بين يديها بالمقارع واحرق أطرافها بالقطران حتي رمت ما في رحمها ولدا ذكرا في ستة شهور ولم يكتفي علي بن ابي الجود بذلك بل شنقها عند باب زويلة"
وعرفوا مدي ظلمه وجبروته فطلع الامر من السلطان ان الزيني بركات ياخد منصب علي بن ابي الجود اللي سرق فلوس الخزانة وكمان عذب الناس..وكان البيان كالتالي :
قررنا..
يتولي بركات بن موسي حسبة القاهرة لما تبين لنا بعد ما قدمناه ما فيه من فضل وعفة وامانة وعلو همة وقوة وصرامة ووفور هيبة وعدم محاباة اهل الدنيا وارباب الجاه ومراعاة الدين كما انه لا يفرق في الحق بين الرفيع والحقير لهذا انعمنا عليه بلقب "الزيني" يقرن بأسمه بقية عمره "
كان في الحسبة بقي من اشهر البصاصين فيها اللي برضه اشتعر بالتعذيب والفساد وكان في منصب "كبير بصاصي السلطنة"
اسمه "زكريا بن راضي" قلق جدا اما عرف ان الزيني بركات تولي حسبة القاهرة حاول يجمع عنه معلومات قدر الامكان وبدأ يتجسس عليه ..والزيني بركات كان زكي خدع الناس في البداية وقال انا مش هاتولي المنصب ده لاني خايف اظلم حد..وده طبعا خلاه يظهر قدام الناس انه شريف جدا ورفض المنصب وده شئ غريب فازداد تمسك الناس بيه طبعا وقالوا ده مثال للأمانة والطهر وهي كانت لعبة من الزيني بركات لعبها بذكاء عشان الناس تثق فيه ..
حتي ان احد الشيوخ قال للناس عن الزيني "أعرفتموه"
قالوا له "رفضه للمنصب خير تعريف به يا مولانا"
بدأ زكريا يغار من الزيني ويوقع بينه وبين الأمراء ويرسل ليهم الرسايل اللي بيقول فيها ان الزيني بيخل بالنظام وبيعين مناد في الناس لا يعرفه زكريا وبياخد شعبية كبيرة وده خطر وبدأ المنادي في الشوارع يصيح ويقول :
"يا اهالي مصر
امر مولانا السلطان
بتسليم المجرم بن المجرم
علي بن ابي الجود
الي ناظر الحسبة الشريفة
الزيني بركات بن موسي
ليتولي امره ويأخذ حقوق الناس منه"
وفي الرواية دي بيوضح ازاي كانت الخلافات رهيبة بين الامراء زي مثلا الخلاف بين "الأمير طشتمر" والامير "خاير بك" وغيرهم..وده من اسباب هزيمتهم وانتصار العثمانيين فيما بعدومن غرائب الفتاوي حتي في الزمن ده مش بس زي دلوقتي الفتاوي الغريبة اللي بتطلع ان الزيني بركات مرة امر بان الناس تعلق فوانيس قدام بيتها هاجت الدنيا وماجت رغم انه مجرد فانوس ينور يعني وطلعت فتاوي تحرم الموضوع وقالوا "ان الفوانيس تذهب بالبركة من البيت"
وشيخ تاني يقول "الفوانيس تطرد الشياطين"
واختلف الشيوخ فيما بينهم عشان قضية تافهة زي دي لدرجة ان بعض الناس هتفت "لعن الله الفوانيس لعن الله الفوانيس"
وكانت الناس مستغربة ازاي الزيني بركات رغم نزاهته لسه قابل زكريا بن راضي نائب ليه ؟؟ مش المفروض يعزله ؟؟
وبدأ بقي الزيني بركات يعذب في الفاسد علي بن ابي الجود كل يوم بأسلوب شكل وجديد يعني مثلا بيقولك في اليوم الأول عذبه بالطريقة دي :
دهنوا باطن قدميه بالملح والماء واحضروا عنزة صغيرة سوداء في رأسها بياض راحت تلعق الماء المالح علي مهل التوت شفتاه وارتجفت ضلوعه صار يصرخ ثم ينقلب صراخه ضحما حتي غشي عليه"
وكل شوية يسألوا الزيني بركات ويقوله "أين أموال المسلمين يا علي؟؟"
زكريا بن راضي بقي كان بيعتبر ممسوك عليه ذلة قدام الزيني بركات لانه عارف عنه سر صغير خاص بفتي كان بيحبه السلطان قوي لدرجة ان زكريا بن راضي كان بيفكر ان يمكن السلطان بيحب الغلمان ولقي الفتي ده اتشهر قوي قدام السلطان والناس في القلعة فخده عذبه وقتله ولكن الزيني بركات كان عارف الفضيحة دي لانه اصلا بيتجسس علي زكريا بن راضي ومسكله الذلة دي وحطه تحت جناحه لان لو قال للسلطان اكيد هيعدمه..
وسافر الزيني فترة وساب واحد مكانه متولي المنصب اسمه عبد العظيم الصيرفي وتسمع بقي النداءات اللي كانت في الفترة دي تحس يعني قال ايه العدالة مقطعة بعضيها مع ان الفساد علي ودنه بل ان الزيني بركان اللي كان بيمنع احتكار السلع ساعد احد التجار علي احتكار سلعة تانية في عهده بمعرفته ودي بعض النداءات في فترة الصيرفي اللي مسك فترة مكان الزيني علي ما يرجع :
يا اهالي القاهرة
أمر عبد العظيم الصيرفي
بشنق بائع بيض علي باب دكانه
لأنه زاد في سعر البيض"
وزي مواكب محمد مرسي كده ايام الاخوان برضه الزيني بركات كان بيعمل مواكب تحييه بالعافية وشوف الاعلان الكوميدي ده :
يا أهالي القاهرة
يعلن عبد العظيم الصيرفي
عن قرب وصول
الزيني بركات بن موسي
متولي حسبة الديار المصرية
ووالي القاهرة
بعد عودته من بلاد الصعيد
فعلي اصحاب الدكاكين
والمغنيين
وأصحاب الربابة والرقاصين
الخروج لمقابلته
عند دخوله من الجيزة
ظهر يوم الثلاثاء بعد غد
ومن تخلف
وقع عليه عقاب شديد"
وفي مشهد ومقطع من الرواية تري فيه الاتجار بالدين بفظاعة اما الزيني بركات قابل زكريا بن راضي وقاله "عال عال واخبار الصلاة؟؟"
ابتسم زكريا "يدي قبلة الشفاه" تزايد ضحك الزيني وقال " إسمع يا زكريا لابد ان تحتل مكانة في قلوبهم اكبر ،غدا اركب حصانك ودع رجلا من رجالك يرتدي ملابس فلاح واخر من رجالك ف ملابس مملوك ليضرب الثاني الأول ضربا فظيعا وطبعا يتصادف عبور موكبك هنا ترجل انت انصف الفلاح واقبض علي المملوك أكثر من اشباه هذا يحببك الله في قوب الخلق"
شوف اللعب بالناس والخداع وصل لفين؟؟عاملين تمثيلية ع الشعب عشان يبينوا عدلهم !!
واجتمع الزيني بركات بالبصاصين من كل مكان وعمل اجتماع كبير وشرح ليهم ضرورة تطوير المهنة بأساليب مبتكرة وقالهم ازاي البصاص يبقي محترف فعلا وشوف نصايحه الماكرة اللي تلاقي فيها اللعب علي كل لون وبيقول الزيني بركات في اجتماع البصاصين :
"يجب علي البصاص ان يكون فحاما عندما يتكلم الي الفحامين ،عطارا عند حديثه الي العاطرين ،ساخطا عند استماعه الي الساخطين،حشاشا عندما يأتنس بالحشاشين،خاطئا عندما يسلك طريق الخاطئين،تائبا عندما يسجد بين التائبين"
وقال ليهم كمان في الاجتماع :
"انني اري يوما يمكن فيه للبصاص الأعظم أن يرصد حياة كل إنسان منذ لحظة ميلاده حتي مماته ليس الظاهر فحسب انما ما يبطنه من خواطر وما يراه من احلام بهذا نرصد كل شئ منذ مولده "
سافر السلطان للشام وبدات المعارك المهمة مع العثمانيين وسافر الزيني بركات لمنفلوط وبدا يلم الفلوس من كل حتة وبدا يضحك عليه ويقولهم انا معايا كمان صوت الشيخ ابو السعود وهو وصاني اني اخد منكم الفلوس دي لانها لمساعدة جندنا لمساعدة مصر كلها فلازم تدفعوها وبعد ما كان بيطلب منهم الفلوس كتبرع بلين وهدوء بدا يصرخ فيهم ويطلبها بالعافية منهم ويهددهم..
المهم الشيخ ابو السعود قاله تعالي بسرعة يا زيني اما ترجع من السفر..وفعلا راح يقابله قام الشيخ ابو السعود صرخ في وجه وقاله "يا كلب لماذا تسرق المسلمين ؟؟لماذا تظلمهم وتنسب الكلام إلي؟؟"
اتكشف خلاص الزيني بركات اللي كان عامل نفسه ملاك في البداية وبان وظهر فساده قدام الناس كلها وامر الشيخ فضرب الزيني بركات بالنعال..
وفي المعركة كان النصر للعثمانيين واتهموا احد الامراء وهو خاير بك بالخيانة والموالسة للعثمانيين ومات السلطان الغوري من الكمد والقهر ..انهزموا امام العثمانيين في المعركة المهمة في "مرج دابق"
المهم بقي في الرواية هو نهايتها وكانه بيقولك الشر ينتصر والفساد يبقي..ييجي شهادة الرحالة في الاخر انه سمع بقي النداء في الشارع ان خاير بك اللي هو من اسباب دخول العثمانيين يامر بتعيين الزيني بركات مرة اخري
محتسبا للقاهرة في عهد العثمانيين زي ما كان في العصر السابق ..وقالوا ان الزيني كان مشترك مع خاير في التجسس لصالح العثمانيين ومن اسباب دخولهم ..ويظل الفساد مستمرا دون محاسبة الزيني !!
جمال الغيطاني أبدع في الرواية وفي أسلوب السرد ووصف القاهرة..وزي ما شوفنا مع بعض سواء رواية جورج اورويل او رواية الزيني بركات تشعر فيهم ان الاتنين بيتكلموا علي نظام فاسد زي نظام جماعة الاخوان اللي حول مصر لولاية اخوانية وكانوا بيتبعوا نفس الاساليب بالظبط سواء بالمكر زي الزيني بركات اللي عمل نفسه شريف وهو افسد ما يكون..او زي نظام رواية جورج اورويل نظام الاخ الكبير اللي مراقب كل الناس وبيقرأ افكارهم زي ما كان الاخوان بيراقب افكار الكل ويكفرهم بعدها ..
روايات واعمال ادبية خالدة تصلح لكل عصر وتشعر معها انها مكتوبة لكل زمان ..ونتمني ان لا تكون النهايات دائما كنهايات الروايات اي لا تنتهي ابدا مصر الي انتصار الفساد والشر في اي زمان..وحفظ الله مصر أبد الدهر