" العمر ليس بما للمرء من سنين ..بل بما يشعر به"
غابرييل غارسيا ماركيز
هي وهو..قصة الحياة التي يكملها جيلا بعد جيل وهمسة بعد همسة وقلما وراء قلم ..
"كلما توغلت في عالم البشر كلما اقتربت من معني جملة "ما خفي كان اعظم" " قال "هو" هذه الجملة ..وكانت "هي" تقف بجوار الجدار الذي تعلق عليه اللوحات بعد تعديلها بأمر من "هو" ..
كان يقول لها "عيناك من فرط جمالها وكانها جائت تخلص البشر من اثامهم ..وكأنها في رحمة المسيح" ..
كان يفهم خبايا البشر من أعينهم ويقول لها "ان هؤلاء البشر اشبه ببكائية حزينة كالتي ينشدها البعض..ولكنهم بكائية نصفها الفرح ونصفها هيستريا الحياة" ..
قالت له في حدة : أرجو ان تساعدني قليلا وقل لي هل اللوحة جيدة في هذا الموضع ؟؟
قال: دائما ما تهتمين بالمكان واهتم انا باللوحة نفسها وماذا اضفنا اليها
قالت: ألم اضف انا معك بعض الرتوش للوحة..هل تنكر فضلي ؟؟
قال : حقا؟؟ ومن منا الرسام؟؟ انتي مجرد مساعدة للرسام لا تنسي نفسك ارجوك
قالت في حدة: وراء كل عظيم امرأة
قال: اه ..حقا؟؟ هل مازالت هذه الجملة الحمقاء سارية المفعول في هذا العالم ؟؟ انها وصفة الشيطان..الا تري كل يوم حوادث قتل الازواج والزوجات في كل بقاع الارض؟
قالت: لم يعدك أحد باليوتوبيا ولكن الاف الأزواج يعيشون في سعادة
قال: هل تعرفين ما هو الزواج؟ انه "مايسترو الجحيم" ..انه لحن نشاز الأرض وهمجية الأرواح وبعثرة كل منطق ..
قالت" دامعة العين" : وهل هنت عليك ؟؟ لماذا كل هذه القسوة ؟؟
كادت ان تسقط اللوحة من يدها سارع في خفة حركة اليها كالبرق وامسكها ..وقال: اغربي من وجهي ايتها المأفونة..كدتي ان تضيعي تعب الفترة الماضية
خرجت "هي" باكية..تمسح عينيها بمنديل حرير كان هدية من "هو" وقال حينها "هذا المنديل هو الوحيد الذي يفهم لغة "الفقد" اذا فقدتي شئ غالي ونفيس فعليك به.."
ظل "هو" يمسح بيديه اللوحة التي كادت ان تسقط وتتهشم ببروازها الناعم الخفيف وحوافها الزجاجية..وقال لنفسه" الأن يا حبيبي سأضيف اليك هذه العلامة السوداء..نعم..ببساطة..هكذا..امممم..جيد جدا هذا ممتاز"
وضع اللوحة علي الجدار وذهب اليها وقال : دليني بالله عليك لماذا انتي غاضبة مني الأن ؟؟
قالت "في صوت متحشرج من البكاء" : لقد كرهت حياتي انك تكرهني بسبب هذه اللوحات ..ما ذنبي انا؟؟ هم الأشرار وليس انا وبعضهم طيبون هم من في اللوحة ..شخصيات اللوحة ولست انا..
قال: وهل هناك احد منهم لم تشاركي في ضلاله عن طريقه ايتها "الغندورة" !!
انقلب وجهها في غضب وقالت : هل ستتعرض لسمعتي ؟؟ لن اسمح لك ..انا رمز للشرف والوفاء..انت في حالة غريبة اليوم ولن اتحدث معك
قال: "سامر حسين" الم تقنعيه بلعب القمار ؟؟ الم يسقط علي قدميك في هذه الليلة ويقبلها ؟؟ لقد رأيتك بأم عيني
قالت: انه الشيطان هو من اغواه انا لست مسئولة عن افعاله وكنت امر امام منزله بالصدفة
قال: ما اكثر مصادفاتك ايتها "السافلة"
صفعها علي خدها صفعة قوية طارت لها سلسلة كانت تلبسها مرسوم عليها صورة غريبة وكأنها تشمل "البشرية" كلها من كثرة الزحام في تفاصيل السلسلة..
قالت "وهي تهرب" : ماذا فعلت لك...لماذا تكرهني؟؟ تقول لي ان اضع التفاصيل علي اللوحة ودائما ما استجيب ..فماذا فعلت بحق السماء؟؟
قال: انك تغوينهم جميعا
قالت: انت الذي حددت لي هذا الطريق..انت السبب
قال: لقد اعطيتك الحرية..فخرجتي عن الطريق انتي و "الكائن" الغبي معك
قالت: هو السبب ..ولا تضعني معه في جملة واحدة..ليس لي علاقة بهذا "الكائن"
قال: حقا ..الم تجتمعي معه قبل لقائك بسامر ؟؟ ألم تتفقوا سويا علي سقوط الرجل وهجره لزوجته..اين هو سامر الأن ؟؟ هه؟؟ قولي لي؟؟ ألم يمت من الحسرة؟؟ ماذا فعلتي له ؟؟
قالت: انت السبب.انت السبب
قال: نعم نعم..اخرجي كل ضعفك في هذه الجملة..لا تتهمي شيطانك واتهميني انا ..انا لا اضع فرمانات الشر..انا النقاء والخير وانتي الضلال
قالت: هل تظن نفسك اشرف مني ؟؟
صفعها مرة اخري بعنف واضح حتي سالت الدماء من بين أسنانها وصرخ: كيف تتجرأين ايتها المعتوهة؟؟ هل تقارني نفسك بي؟؟ بالطبع انا اشرف منك..هل تعرفين ما انت؟؟انك الخطيئة ..نعم ..كرريها لنفسك وقولي "انا الخطيئة"
حاولت الهروب ..الدماء في كل مكان ..حاولت ان تسقط اللوحة ..او تغير في تفاصيلها ..قال : فات الاوان..هل تظنين انك لو عدلتي تفاصيل اللوحة سأسامحك؟؟ لا ..لقد شوهتي اللوحة..انها لوحة سامر..لقد شوهتي وجهه بألوانك فأضطررت ان اضع العلامة السوداء ..لن اصفح عنك حتي لو حاولتي تصحيح الخطأ ايتها الفاجرة
خرجت تجري من المنزل بسرعة لم تنظر حولها واتت سيارة بسرعة عشر فراسخ من الجحيم وصدمتها...سالت الدماء علي قارعة الطريق وسقطت اللوحات..اهتز البيت بعنف بالغ وسقطت اللوحات..كل عشاقها سقطوا ..نعم كانت هذه اللعوب تعشق كل من يرسمهم الزوج في لوحاته..كانت تعرفهم حتي قبل ان يرسمهم..كان يرسمهم اطفالا وشباب وشيوخا حتي تتعلق بهم..واحيانا تغويهم جميعا الي طريقها..
سقطت كل لوحات المنزل حين سقطت مضرجة بدمائها الغزيرة ..ولم يجد احد للزوج أثر..ولم تقيد القضية ضد مجهول لانه لم يوجد اصلا من يقيد القضية !!
خارج المسرح :
ياسمين : هذا المؤلف يكره الحياة الزوجية بقسوة..ماهذه المسرحية الغريبة..انها مليئة بالكراهية
رائد: نعم لاحظة هذا .."يضحك" ربما كان محقا!!
ياسمين "تنغزه في صدره" : اسكت لا تقل هذا ..حياتنا مثالية
رائد: نعم نعم صدقيني انا امزح..لا اتخيل الحياة بدونك
في احدي غرف المسرح :
كان الكاتب يجلس علي كرسي يدور حول نفسه بعجلات..يشرب سيجاره الطويل ..ويقول "عدلوا النص" ..في العرض القادم..ضعوا اسم "رائد" ..علي اللوحة..بدلا من "سامر" في المسرحية..
المساعد: هل ستعدل المسرحية سيدي؟؟
الكاتب: نعم سيتم تعديل الأسم فقط..ولن يتم تغيير الاحداث..
خارج المسرح:
رائد..رائد ..رد علي يا حبيبي..ماالذي حدث
رائد: لا اعرف يا ياسمين اشعر بنغزة في قلبي ..الام لا استطيع تحملها ..
ياسمين: ارجوكم انجدوناااااا ..النجددددددة
تتذكر ياسمين هذه التفاصيل وهذا اليوم الحزين تماما كما تتذكر اسم رائد حبيب العمر
يضرب جرس الباب..
ياسمين: من انت؟؟ ولكني لم اطلب هذه الوجبة !!
قال: انها هدية من المحل سيدتي
خرج من عندها يبتسم في خبث بعينيه الحمراء العريضة التي تنقلب فجأة في منظر يصيبك بالفزع الداهم..انه"الكاتب" ..نفس كاتب المسرحية..يلعب دور عامل التوصيل..هل عرفتم من هو !!!
قال لنفسه" اه لو استطيع اغوائكم جميعا..ولكن هناك من هو اقوي مني..اه لو استطيع تدمير العالم..ولكني سأظل أحاول..الي النهاية..الي نهاية اللوحات كلها كما ختام المسرحية" .