"إذا لم تحترم الدولة قواعد العدالة، فإن العدالة لن تحترم قواعد الدولة"
فرانسيس بيكون
في صباح اليوم الذي بدأت فيه محاكمة مبارك كان أغلبية الشعب المصري سعداء بالعدالة النافذة التي تشق غيم الظلم وتخترق بضيائها الظلمات وبدأ بصيص الأمل ونور الحق يسطع مرة اخري علي السماء المصرية وبدأ الجميع يشعر بمفهوم وقيمة كلمة "العدالة" .
ربما تعاطف بعض المصريين كالعادة مع الرئيس السابق مبارك خصوصا مع ظهوره شيخا مريضا يتحرك بصعوبة وشبه غائب عن الوعي ولكن العدالة شرف وكان الرسول دائما ما يتحدث ان الامة التي لا تقول للظالم انه ظالم امة ضعيفة وخاوية..وكان مفهوم العدالة واهميتها شئ جذريا واصيلا في المجتمع الإسلامي سواء علي الكبير او الصغير وعلي الامير او الفقير .
وكان الرسول من أكثر المطبقين للعدالة في تاريخ الانسانية عندما قال الجملة الشهيرة "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" .
وايضا عندما تحدث عباس محمود العقاد عن عبقرية عمر وذكر بعض الامثلة عن عدالته التي تخترق الحجب وترسي قواعد لبناء اصيل رايته الحق وصلبه الفضيلة وقال عن عمر انه من اعدل الناس واكثرهم ميلا للحق .
ويروي عن عمر قصتان هما مثالا يحتذي بهما في الحق وتطبيقه بحكمة وحصافة :
كان عمرو بن العاص واليا لمصر وكان ابنه يجري الخيل في ميدان السباق فنازعه بعض المصريين السبق واختلفا بينهما لمن يكون الفرس السابق وغضب ابن الوالي فضرب المصري وهو يقول : انا ابن الأكرمين فاستدعي عمر الوالي وابنه حين رفع اليه المصري امره ونادي بالمصري في جمع من الناس ان يضرب خصمه قائلا له "اضرب ابن الأكرمين" ثم امره ان يضرب الوالي لأن ابنه لم يجرؤ علي ضرب
الناس إلا بسلطانه وصاح بالوالي مغضبا "بم استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا؟ " فما نجا من يده الا برضا من صاحب الشكوي واعتذار مقبول.
وايضا يذكر لعمر هذه القصة عن كيفية اختيار امير :
قال لاصحابه : دلوني علي رجل استعمله ؟
فسألوه :ما شرطك فيه؟
قال : "اذا كان في القوم وليس اميرهم كان كأنه اميرهم واذا كان اميرهم كان كأنه رجل منهم "
ومن وصاياه التي قالها لقاضي ذات مرة " اس بين الناس في مجلسك ووجهك حتي لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك والبينة علي من ادعي واليمين علي من انكر والصلح جائز بين المسلمين الا صلحا حرم حلالا واحل حراما ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت نفسك فيه نفسك وهديت فيه لرشدك ان ترجع عنه فان الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل"
وكان متواضعا جدا وقال "اخوف ما اخاف عليكم اعجاب المرء برأيه"
ويذكر له ايضا في العدالة قصة المرأة والصبيان التي وجدهما يشكيان فحمل اليهما الدقيق بنفسه كي يطبق العدالة.
اي ان عمر بن الخطاب شخصية لن تتكرر وكان يحب الحق ويحب تطبيقه بصدق ودون مواربة وكان ميزانا لا يميل ميلة ولا يضعف في الحق جولة.
وايضا النداء الذي اعشقه في سيرة الرسول العبقري العظيم والذي اشعر فيه بقيمة الحق عندما وقف علي الصفا وقال "يا صباحاه" فحضر الجميع اليه فانظر ما قاله وكأن كلماته تبقي نبراس للحق والعدل "يا فاطمة بنت محمد ! يا صفية بنت عبد المطلب ! يا بني عبد المطلب ! لا أملك لكم من الله شيئا ، سلوني من مالي ما شئتم "
"كل نفس بما كسبت رهينة" وكل شخص مسئول عن نفسه وعن افعاله ولا يملك لهم شيئا حتي لاقرب اهله وعشيرته .
وربما اذا تحدثنا عن تاريخ اخر وزمان اخر فان كليوباترا كانت ايضا تحاول ان تطبق العدالة بل انها نزلت بنفسها ذات مرة توزع الغلال علي الفقراء وكان الشعب يعشقها في فترة حكمها.
وتحدث الفراعنة دائما عن قيمة اعدالة والحق في كثير مما تركوه لنا من اوراق وكنوز الحكم والاقوال.
والمجتمع الغربي يطبق العدالة في الوقت الذي لا يطبق فيه حاكم من امة محمد اي نوع من انواع العدالة فعندما تدوي فضيحة تنصت علي المكالمات في اعرق الصحف في الخارج ولاشهر رجال الغرب "ماردوخ" فيعلن فورا عن اغلاق الجريدة بل ويستقيل رئيس جهاز الشرطة هناك وتصبح الشغل الشاغل للقضاء والمحققين والصحف وتطال الفضيحة العديد من الصحف الاخري لمالكها لمجرد التنصت علي عدد من الشخصيات بينما يقوم بعض ملوك ورؤساء العرب بالتنصت علي ملايين المواطنين دفعة واحدة دون ان يشعروا بالذنب !
وايضا المحكمة الامريكية في لوس انجلس التي حكم القاضي فيها بتعويض قدره اربعة ونص مليون دولار لاسرة طفل قام الطبيب عن طريق الخطأ بتشويه عضو الطفل اثناء عملية ختان ..بينما يحدث هذا تقريبا الوف المرات في كل قري مصر دون رعاية ولا رجوع للعدالة رغم ما يحدث من تجاوزات واحيانا تشويه بلا اي جهة تستطيع ان تلجأ اليها لتاخذ حقك !
وايضا الحادثة الشهيرة للسيناتور الاسترالية التي كانت مهددة بفقد مقعدها بسبب سرقة برتقالة من سوبر ماركت بالخطأ !
والحادثة الشهيرة ايضا في فرنسا عندما ترشح ابن ساركوزي لاحد المناصب في فرنسا فاعترض الجميع بشدة وتسائلوا هل لانه ابن الرئيس ؟
وعندما تم التحقيق في انجلترا مع احد الوزراء لان في ميزانيته استخدم عشرة جنيهات استرليني زيادة في غرض شخصي !
وايضا عندما تم تبرئة كلينتون من عدة تهم ولكن بقت له تهمة الكذب في جزء من جوانب القضية اي ان الكذب هو من اضاع رئيس جمهورية ..اليست هذه من اكبر واقوي صور العدالة .
وايضا الرئيس الفرنسي السابق شيراك لماذا لم يشفع له تاريخه السياسي في فرنسا ؟ ويتم التحقيق معه حتي ولو في قضايا بسيطة وقضايا حساسة في نفس الوقت ..ولكن لأن قيمة العدالة والحق هي العليا في الغرب وللأسف في عالمنا العربي ضاعت تلك القيم سنوات وسنوات علي يد زعماء العرب .
والغريب اننا لا نأخذ دروسا وعبر من قصص الرسول ومعه سيدنا عمر ولا من قصص الغرب او الفراعنة ولكن يريد البعض تطبيق قواعده الخاصة لمحاكمة مبارك واعوانه بدون العدالة !
يريدون تبرئة ساحة الظالم لمجرد ان له تاريخ مع هذا الوطن حتي ولو كان التاريخ مسموما بالجوع والفقر واغضاب الله واغضاب الشعب !
لماذا يدافع البعض عن مبارك بشراسة واستماتة بل ان البعض مستعد ان يدفع الملايين لتبرئة ساحة شخص ظلم شعب بأسره ..في هذا الشهر الكريم فعلا نسأل سؤال هاما جدا "ماذا لو كان رسول الله يشهد جلسة المحاكمة ؟" "ماذا لو كان عمر يقرأ ملف حسني مبارك ويريد تطبيق العدالة الأن" هل كان مبارك سينجو ؟؟
نرجو ان ندع العدالة تضع سيفها علي الظالم وتضع وسادتها للمظلوم دون مساندة زائفة دون ان نعرف الحقيقة وهول ما فعل نظام مبارك في معظم الأسر المصرية .
واكرر مرة اخري كلمة سيدنا محمد "يا صباحاه" دعوا الحق والعدل ينفذان في طرائقكم.."لو صحت طرائقكم" كما قال الشاعر.
واجعلوا الحق اولا واخيرا فكما قال العرب قديما "الحق دولة والباطل جولة" .
1 comment:
راااااااائع
Post a Comment