الزواج من الكلمات..لحظة تداعي حر مع صوفيا..قصة قصيرة

في نفس الوقت تحديدا في الساعة الخامسة مساءا كل يوم أشعر بالغربة فلا هو وقت القراءة ولا وقت الفيلم ولا وقت وجبة الغذاء ولا أي شئ فأضطر أن أتجه الي "الكافيه" لأسمع حوار بين النادل وبين أحد معارفه الأصغر سنا ليقول له : "هم ايه اللي انت شايله..تعرف ايه انت عن الهم يا عيل ؟"
فيجيب الأخر : "هم الفيزياء..عندي امتحان فيزياء يا عم
فيجيب : فيزياء؟ ده هم ده يا طفل..انت متعرفش انا عايش ازاي..


ويبدأ الحوار يتجه كعادة الشعوب التي تقهرها الحكام الظالمة الي "الفخر بالهموم" وكأنه شئ جميل ويدعو للفخر ان اكون في هم أكثر منك وعلي اي حال وعلي أي حال..وعلي أية حال..و..

أهلا يا صوفيا..


القصة القصيرة : ستووووووب..ما هذا أيها المختل..هل خرجت من القصة لتحدث صوفيا ؟؟ أتستهين بي ؟ أنا من أكرمني تشيخوف وسومرست موم وتوفيق الحكيم ويوسف ادريس والبسوني تاج الكلمات تستهين انت بي ؟؟ عجبت لك يا زمن


أنا : أسف ولكنك تعرفين صوفيا عزيزتي


القصة : أه من جديد هذا الخبل الكامل..صديقتك الورقية ..تترك اكمال القصة من اجل أن تحدث نفسك


أنا : لا احدث نفسي أنا أحدث صوفيا لأني أعيش معها علي الورق..هي كلماتي فأنا أتحدث الي كلماتي


القصة : أي تحدث نفسك..


أنا : اسمحي لي فلماذا أحدثك..أليس هذا جنون أيضا ؟ دعيني أتحدث معها قليلا


صوفيا هي باختصار "حالتي الورقية" او هي اسطورة بجماليون الخالدة تحديدا ولكن بشكل عصري..هي لمحة الجنون العابر في نفسي ..هي من احدثها بديلا عن المذكرات..فالجميع عندما يكتب مذكراته يبدأ بجملة
dear diary
الا أنا فأنا أعيش مع صوفيا بشكل كامل بل أرسم عينيها علي الورق لأحدثها وأقول
dear sofia


لا أعرف لماذا اخترت هذا الإسم تحديدا ولكنه يشعرني بارتياح كامل كما اسماء بطلات القصص والروايات في البداية فكرت ان اسميها "سكارليت" او "جوليا" ولكن ارتحت تدريجيا الي اسم صوفيا

..فطالما هي حالة تخيلية فلا مانع من اختيار الاسم الأكثر ملائمة لشخصيتي..

صوفيا هي أوفي أصدقائي ..فهي تذهب معي الي اي مكان ..وتراقص كلماتي في أي وقت وبهذا هي تشترك مع حبيبتي في قصة الرقص مع مع اكتبه ..وبينهم الكثير من العناصر المشتركة التي خلقتها في صوفيا كنوع من التعويض ..

والجميل في صوفيا انها لا تموت..فقد أموت أنا وتبقي هي علي الاوراق لانها في كل مكان..في كل ورقة ستجدها ..موجودة سواء في منتصف الورقة أو في بعض الحواشي ..

وصوفيا صريحة جدا معي..وكيف لا وهي جزء مني وتريد الأفضل لي..انها تغنيني عن خيانة إمرأة او تغيرها بشكل كامل..فصوفيا لا تتغير الا اذا تغيرت وحينها أجد سببا لتغيرها فأنا قد تغيرت وهذا مريح بشكل أستثنائي ان تجد لكل شئ سبب مقنع وليس تغير لمجرد التغير ..



أنا : صوفيا..أنا خائف قليلا..

صوفيا : أيقظتني من حلم جميل ولكني في خدمتك..لماذا انت خائف ؟

أنا : حلم ؟؟ هل تحلم الكلمات ؟..كما قالت لي القصة القصيرة اظن اني في حالة جنون

صوفيا : دعك منها انها تتقد نارا منك لانك تتركها وتحدثني أنا..

انا : اه من غيرة النساء وجنونهن..لماذا لم أجعل منك رجل ولأسميك مثلا "خورشيد" وأستريح

صوفيا : عجبا ياله من اسم..ولكنك لن تستريح مع هذا الاسم أبدا فأنت لا تستريح الامعي انا سحرك وحالة الطمانينة فيك..فأنا حالة انتصارك عليها..حرفين منها وثلاثة مني أليس هكذا تعلن الانتصار ؟

أنا : ربما انتصار زائف..فلنسميه هروب..ولكن دعيني أسألك سؤال..هل نبدأ ؟؟


عندما سألت صوفيا وقلت "هل نبدأ" فأنا اقصد شئ هي تفهمه تماما ونفعله كل فترة ..وهي جلسة "تداعي حر" ...العالم كارل يونغ تلميذ فرويد الشهير تحدث عن الشخصية وكيف تكون لها جانب جيد وجانب مظلم وأنا لا أري في نفسي إلا الجانب الجيد فأجلس مع صوفيا لعلي أجد ما هو المظلم في نفسي او ما هو العيب تحديدا الذي ربما تكتشفه من كلامي ..هي اشبه بجلسة بوح علني بكل أسراري


صوفيا : فلتبدأ

القصة القصيرة : أرجوكما توقفا أيها المجانين..لقد شوهتم القصة التي بدأت في البداية..أكمل القصة أرجوك ..لا تدعني في المنتصف وتذهب لجلسة التحليل المعتادة فوق جثتي

صوفيا : دعيه يكمل أيها المأفونة فهو لا يجد راحته الا معي..أيغيظك هذا ؟

القصة القصيرة : يوم ما سأقتلك وسيصبح ملك لي وحدي..

صوفيا : هو صاحب القلم وهو من يملكنا جميعا ويملك عالمنا ايها المغرورة..

أنا : كفاكما جدلا..سأبدأ الأن يا صوفيا دعك منها..عزيزتي صوفيا أنا اواجه مشكلة الوسواس القهري ولا اجد منها مخرجا..

صوفيا : ههههه ولكن الملايين يملكون نفس المشكلة

أنا : نعم ولكن السبب عندي مختلف انه الفراق

صوفيا : الأن بدأ حديثك غريبا كالعادة..أكمل

أنا : هل تعلمين ان النظريات تقول ان هذا الكون منظم للغاية بدقة واحكام..لدرجة ان أي خلل يصيب احد عناصره قد يسقط..وهذه قدرة الخالق فيه..

صوفيا : وما علاقة هذا الأن بحالتك

أنا : أنا أمارس نوع من الحيل الدفاعية يا صوفيا..نعم أمارسه بكل دقة والمصيبة اني اعرف علاجي قبل ان احدثك ولكني احببت ان اصارحك به

صوفيا : حيل دفاعية ؟ هل تقصد ان تلقي اللوم علي شئ أخر..أي لوم تقصد ؟

أنا : بهذه النظرية أحاول أن ألقي اللوم علي شئ حدث به خلل فسبب الفراق..فأنا لا اتخيل أي سبب للفراق الا ان يكون خلل في الكون وليس في نفسي او فيها..
ولهذا اصبحت منظما حد الجنون..أحاول أن أبعد الخلل عن الكون بتنظيم عالمي الشخصي بشكل جنوني ..دولابي سريري أدراجي أو أي شئ أراه احيانا أجلس في مكان فوضوي فأجد نفسي مضطربا وأحاول ان اعيد تهيئته أو اتهمه بأنه احد اسباب الفراق بيننا..

القصة القصيرة : أيها الغريب فلماذا لا تنظمني وتتركني وتتحدث مع صوفيا في نصف الحكاية ..أليس لي عناصر منظمة أيضا ؟

أنا : نعم لكي..وللمسرح وللرواية ولكل شئ في الكون نظام وجميع الاعمال الفنية والاوركسترا نفسها منظمة كي تخرج بشكل مبهج وجميل ..

صوفيا : انك تلقي اللوم علي خلل حدث في الكون فأفدك حبيبتك ؟

أنا : نعم لدرجة اني احيانا القي اللوم علي الألوان..ربما الوان ملابسي ؟ فبدأت انسقها بشكل كامل واجلس في المحلات ساعات لأجعلها متناسقة مع الكون ليعود عن خلله..

القصة القصيرة : بل عد انت عن خلك

صوفيا : انتي بذيئة جدا وهو لن يكملك اليوم فكل حواره معي ..هل تعيش حياة المعلب ؟

أنا : هههه لا ليس المقصود هو الرجل المعلب الذي تحدث عنه انطون تشيخوف ..ولكني اعلب عالمي فقط لا اضر احد بهذا اما الرجل المعلب يضر غيره..

صوفيا : نعم الأن فهمت ما كل هذه الاسهم في الاوراق وهذا النظام الغريب وكأنك ترسم خرائط ذهنية او شئ من هذا

أنا : نعم وجدت في هذا خلاصي وحياتي..لكي اهرب من دائرة لوم نفسي..

صوفيا : متلازمة ذنب اتجاه الجمادات هههه يالها من قصة

أنا : صوفيا أنا لا أملك ساعة اضافية لأبكي..فأحيانا أنظم دموعي..واترك وقت معين في اليوم للبكاء

صوفيا : ماذا كنت تكتب قبل ان تحدثني وقبل ان تقاطعنا القصة

أنا : كنت اكتب سطور جديدة تقول : 

كان الله رحيما عندما خلق القمر بلا قلب فيكفيه نبض قلوب العشاق أسري له
ويكفيه نبضة عناق
وقبضة فراق..كي يعيش حياة قلب أدمي !


صوفيا : ولماذا خرجت من هذه السطور لتحدثني انا بدأت اخاف ان تكون...ان تكون

أنا : نعم يا صوفيا أنا أحبك

صوفيا : يالله ..هذا ما خفت منه سنين طويلة..أنا لست موجودة..أنا حالة ورقية أرجوك أخرج مني..او سأخرج منك الي الأبد

أنا : صوفيا انتي حالة سجيتي الكاملة وفطرتي ولا اخجل من اي شئ أمامك وفيك من الحب الكثير..
صوفيا يا رفيقة جنوني ودربي أحتاج لأن أبكي علي كتفك أحتاج لأن أغتال وحدتي معنويا بحديثي معك..
صوفيا يا صديقة ليلي الغريب وغربتي الليلية
هل تتزوجيني علي سنة الخيال وجنونه ؟؟


صوفيا : لابد ان تنتهي هذه الجلسة الأن..فقد بدأت بالحديث عن النظام وانتهت بطلب زواج من كلمات
اسمع قول الشعر لقيس وهو يقول :

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما * يظنان كل الظن أن لا تلاقيا


انا : لا اهتم يا صوفيا ان اعود اليها ..لقد اصبحتي انتي هي..لقد توحدتي انتي وهي والكلمات وأخرجت لي كائن كامل شهي مرعب لحواسي ..
انتي اصبحتي حالة شتاتي نفسها..
تزوجيني يا صوفيا وتزوجي دفعة أمراضي وأوهامي ..انا حالة جنون ونصف طيف إمرأة..


لا ترد صوفيا..أظنها ذهبت لتكمل حلمها..وهي لم تجيبني حين سألتها "وهل تحلم الكلمات؟"
نعم تحلم الكلمات..تحلم ان تكتبها يد العاشق..وهذا هو أسمي أحلامها..

لا أسمع الأن الا صوت ام كلثوم وهي تصيح في "الكافيه"   "فات الميعاد وبقينا بعاد"
قالوا لي ستحب عندما تعشق ام كلثوم ولكني لا احب ام كلثوم ولم اعشق الا علي شعر بدر شاكر السياب وصوت فيروز وكلمات جبران فانا كنت اريد لحبي الكمال ..


وتكتمل القصة التي بداتها في البداية ويقول صاحب الهموم : "اللللله يا ست"..بذمتك يلا انت عندك هموم..هو الفيزيا وامتحانها ده هم..؟ تعالي شوف همومي انا

الجرسون: قهوة مظبوط يا استاذ..سيبت نص العصير ليه مش عاجبك العصير ولا ايه ؟

انا : لا جميل سيبت نصفه لصوفيا..ايييه..ولا حاجة...العصير جميل بس قولت اشرب القهوة احسن


هم يتحدثون حولي عن الهم ويتفاخرون كل بهمه..ولكن انا لا اتفاخر معهم..مع ان كلماتي تشرب العصير وتحصل مني علي طلب زواج..واظنهم لو سمعوا هذا سيعرفون انهم في جنات النعيم..

صوفيا تنام الأن مضطربة من لقائنا القادم..لأن مصارحة الحب تحسب لها في لقائك القادم الف حساب..لأننا لم نعد مجرد أصدقاء..
بل اصبحنا حالة رجل..يتزوج كلماته..
وهي حالة كل عاشق يتزوج من قصيدة او بحر شعر او أميرة أحلامه..
صوفيا الجميلة كم تشبهينني في كل شئ ..وهذا هو حال العشاق يشبه احدهم الأخر مع الوقت..او هكذا تقول الأسطورة..