لم يكن هشام أول من رحل بعيدا عن حبه الأول وان كان الحزن داخله يخبره بأنه الوحيد !
وكأنه دخل في مرحلة "الملاذ الأمن" بعد الهجر ..والتي يبحث فيها العاشق عن نصف جنونه او نصف حياته المفقود او إمرأة أخري..
فمن يترك حبه الأول فكأنما "سندريلا" تركته في حفلة منتصف الليل ومازال يمسك حذائها في يديه محاولا العثور عليها ولو في إمرأة أخري مشابهة..
كان "هشام" شاب يقارب الثلاثين من العمر لا يقتنع كثيرا بمبدأ الحب الثاني فالحب أولا وأخيرا في نظره وما غير ذلك محاولات لإستمرار الحياة فقط اما الحب الأول فلا مساس له في رأيه.
في يوم قارص البرودة استيقظ في وقت الفجر تقريبا ليجلس أمام شاشة الكمبيوتر كعادته..فلا يستطيع ان يحصل علي قسط من نوم هادئ اذا تذكر حبه الأول او جائته في الحلم فجأة ..
جلس طويلا امام الجهاز بلا شئ يفعله ..وفجأة رأي اعلان جانبي في احد مواقع الانترنت وفتحه..لم يكن إلا موقع من مواقع "البورنو" ..!!
"هشام" لم يكن من المعتادين علي ارتياد مثل هذه المواقع ولكن دفعه الفضول لبعض التأمل لأن الموضوع ليس احدي هذه المواقع بالمعني المألوف ولكن اشخاص حقيقية علي كاميرات يحاولون عرض اجسادهن مقابل المال فاستغرب هشام من هذا ودفعه فضوله الي الدخول اسرع ..اعتدل في جلسته وبدا التركيز واضحا عليه وكأنه يقوم بعمل مهم..
اشرقت شمس الصباح ومازال هشام يجلس وكأنما يهرب من "الحلم" الذي باتت عليه ليلته متأملا حبيبته الأولي..وفي احدي لحظات الهروب هذه استوقفته فتاة علي الكاميرا لم تكن كغيرها من السابقات ..
لم تكن اشراقة شمس الصباح صدفة..فكأنما اشرقت الشمس من عينيها ايضا !..بدا هشام كأنه مومياء محنطة لفترة من الوقت امام تلك الفتاة العشرينية ذات الجسد ذو الحمم الأنثوية الفائرة كبركان وذات العينين التي يشبهان فرمانين بالعشق وذات الشعر الطويل الذي تري فيه سر الليل وقمر يدفن سره عن البشر..تعجب هشام كثيرا في البداية ثم بدأ بكتابة اول حرف واستغرب قليلا حينما دفعه جنونه امامها لكتابة اول جملة : "من أنتي" ؟ ولماذ جئتي في هذا الوقت تحديدا ؟
تعجبت الفتاة كثيرا من السؤال حيث انها معتادة علي كلمات تتغزل في جسدها او في عينيها ولكن ما جعلها تعتدل في جلستها فجاة غرابة السؤال واحساسها باختلاف كامل
اجابت السؤال باجابة اغرب لم يتوقعها هشام من فتاة في موقع بورنو كانت في نظره رخيصة وقالت : "انا نصف إمرأة تجمع المال تحتاج ولو لنصف رجل يفهمها دون ان تتعري امامه " !
قال هشام "علي فكرة انا لست معجب بكي ابدا.."
قالت" لماذا تهرب ؟ اجابتك تدل علي انك لا تريدني عارية ولكن تريدني إمرأة "
قال" انتي جسد..يالله بماذا افكر اللعنة "
قالت " تستحقرني ؟ "
قال "اعذرك.."
قالت" هل أحببت من قبل ؟ "
قال " بل مت عشقا ومازال جرحي يندمل فلماذا اصبحتي فجاة نارا علي جرحي تريدين ان تفتحيه مرة اخري "
قالت " شهور ولم يخاطبني احد ابدا..الكل يخاطب صدري او جسدي ويرمون لي المقابل ..انت شخص اخر"
قال" لا انا مثلهم..انتي مجرد جسد امام عيوني ولا اري شئ اخر يستحق الانتباه..انتي فتاة بورنو "
قالت " تقولها لتهرب ؟ ام انك تشعرها ؟ "
قال" لا لا مما اهرب ؟ انها الحقيقة ..انا لن اخرج من حب لكي ادخل الي..."
قالت "حب جديد ؟؟"
قال "ماذا تقصدين ؟..هل تظنين اني وقعت في حبك ..انك تحلمين "
قالت " ام تقصد انك تحلم بي الأن ؟ "
قال "انك مغرورة ملعونة..لابد ان ارحل الأن "
وبعد مرور أيام عاد مرة أخري في نفس غرفة البورنو ولكنه كان مختبئا لم يكتب حرفا واحدا ..والمفاجأة انها كانت تعرف انه موجود في الغرفة في وسط الزحام من عاشقي الجسد ولكنها كانت تلحظ اسمه المكتوب دون ان يعرف هو انها تعرف وفجأة :
قالت " عدت مرة اخري ؟ "
قال " لا انه مجرد حب استطلاع "
قالت " استطلاع لجسدي ام لعيوني ؟ اكثر من ساعتين الحظ وجودك هنا وانت مختبأ "
قال " لا اعرف ماذا يحدث لي..ماذا فعلتي بي ايتها ال..
قالت " عاهرتك سيدتي ..تريد ان تنتقم من الحب او تراه في صورة عاهرة كي تخرج من حبك الأول ؟ "
قال " ياليت هذا كان تفكيري..بل ينتقم مني الحب ويذلني لأني هجرته "
قالت "انها عصا الحب السحرية ؟ "
قال " انها ليست عصا سحرية انها عصا الموسيقار كيوبيد يريد ان يعزف اغرب الحانه واكثرها نشاذا "
قالت " هل شعرت السهم في اضلعك ؟ "
قال "اريني جسدك ايتها العاهرة "
قالت "حسنا تريد ان تهرب مرة اخري مما تشعر به..حسنا سأريك عيوني "
قال "بل جسدك"
قالت "بل عيوني انظر جيدا..شئ ما في مقلتي يرتجف ويقول انك تشعر بما اشعر به "
قال "وهل تشعرين بشئ ايضا ؟ "
قالت " الان عرفت الحقيقة..لقد قلت "ايضا" ..اذن انت تشعر بشئ "
قال "انا مضطر للخروج الأن "
شهور عديدة وحوارات دائمة بين الطرفين دون ان يعرف هشام انه يوقع نفسه تلقائيا في شئ جديد..شئ يشبه الحب ..لا يحاول ان يسميه حب لانه يهرب دائما من فكرة الحب الثاني فما بالكم انه مع "عاهرة"
هرب هشام من هذا الفخ محاولا ترك كل شئ وراء ظهره فاغلق الكمبيوتر تماما ونزع كافة الأسلاك ولم يكلمها لمدة شهر او اكثر وبعد ان فتح صندوق رسائله وجد اكثر من خمسة رسائل منها تسأل هل انت بخير ؟ ..كانت العلاقة قد توطدت بينهم في الفترة الاخيرة اكثر فأكثر ولكن هرب هشام فجأة ..هرب ما بين مرحلة الحب والولع..لم يريد ان يصل لهذه المرحلة معها ليس لانه لا يحبها ولكن لانه ينتصر لمبدأ الحب الأول..ليس لانه ينتصر لفتاته الأولي ولكن لانه ينتصر لحبه الأول..فالمبدأ عنده اكبر كثيرا من الاشخاص ..كان يغلق الكمبيوتر بعنف شديد ويقول صائحا "هراااء لا يوجد ما يسمي بالحب الثاني..اللعنة..لا يوجد ما يسمي بالحب الثاني "
لم تكن احدي افلام الخيال العلمي ولكن في يوم ما بعد مرور شهور وجد رسالة علي صندوق رسائله بعدما فتح الكمبيوتر مرة اخري عنوانها "مرة اخري انتصر "
كان العنوان غريبا جدا علي هشام فهو لم يكن في عداوة مع احد معين كي يجد هذا العنوان المستفز ولكن وجد الرسالة من "ايميل" مجهول..لا يعرفه وتقول الرسالة :
"اهرب حيثما شئت ولكني هزمتك مرة اخري ..حيثما ستذهب ستجدني وحتي لو كنت في بروجا مشيدة ..لا لا انا لست الموت..ولكني الحب..انا اول وثان وثالث والي الابد وسأهزم مبدأك في فكرة الحب الاول خالد ..كما هزمتك في اول مرة حينما قلت لن احب ابدا فالحب ضعف..انا المنتصر مرة اخري.."
التوقيع...كيوبيد
كيوبيد ؟؟ ماهذا الهراء ..ماذا يحدث..؟؟ هل هي فتاة يختبئ فيها كيوبيد ليقهرني ام هي حرب غير معلنة بيني وبين السماء ؟؟
ذهب هشام سريعا الي الموقع ليبحث عن فتاته فلم يجدها وقالوا رحلت منذ شهور عن الموقع بدون سبب واضح .ماذا يحدث ؟؟ هل هي فعلا موجودة ام انها هي نفسها "الحب الثاني" او احدي خدع كيوبيد السحرية ؟؟
جن جنون هشام وعلق لافتات في غرفته "الحب اول للابد يا كيوبيد ولن تهزمني ..لن تهزمني "
ومازال كيوبيد يضحك في سمائه ومالزالت الملائكة تستجديه ان يرحم هذا العاشق والا يلعب بالعشاق بقسوة مثلما يفعل ..ومازال هشام حائرا ومرت عليه سنوات وخاطبته احدي الفتيات في احد المطاعم ونظر الي عينيها وكانت تشبه كثيرا فتاة البورنو ..نفس العيون تقريبا ..
قالت " ممكن أن استعير منك قائمة الطعام فانا لا اجدها علي منضدتي"
قال " ممكن.. ولكن لا يوجد ما يسمي بالحب الثالث "
قالت " عذرا ؟؟ "
هل انتصر كيوبيد ؟؟ ام انتصرت فكرة خلود الحب في قلب هشام ؟؟
مازال السؤال يدور..ومازال كيوبيد يضحك في الاعلي..!
No comments:
Post a Comment