من وصايا عمر بن الخطاب للقاضي ان قال له " لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك ان ترجع عنه , فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل "
قضية مبارك والعادلي التي لا تحتاج تقريبا إلي أدلة ولا تحتاج حتي الي شهود فمصر كلها شاهدة علي ما حدث لأبنائها واستشهاد أبطالها في الثورة طال وقتها وبدأ الضجر يستشري في أهالي الشهداء ولهم كل الحق ..
نشعر أن البحث عن الأدلة نفسه فيه من التخاذل ما لم نره في اي قضية من قبل ويشعر البعض ان العدالة والقوانين في مصر في حاجة الي تعديل حتمي اذا كانت قضية مثل هذه لا نستطيع ان نري فيها حكم رادع برغم براعة النيابة وخطبتها امام القاضي والهجوم العنيف علي مبارك والعادلي الفاسدان.
جائت قضية جاري دوبسون وديفيد نوريس لتعطينا مزيدا من الدروس في كيف تكون العدالة وكيف يتم القصاص من المجرمين وان طالت المدة وان ضعفت الأدلة حتي..فلا يأس يصيب الباحثون عن العدالة هناك ..
جريمة قتل حدثت منذ ما يقارب عشرون عاما عندما طعن مجموعة من الشباب "ستيفن لورانس" في لندن عندما تبادلوا معه الألفاظ العنصرية ثم قتلوه امام محطة الأتوبيس هناك .
تلك القضية كانت من أشهر القضايا في لندن لفترة طويلة وكانت قضية عنصرية من الدرجة الأولي لشباب ابيض يقتلون شابا أسودا ثم لا يحكم علي أحد بأي حكم لعدم ثبوت الأدلة وبدأت الاتهامات حينها تنهال علي شرطة بريطانيا بأنهم لم يتعاملوا بعدالة وحيادية مع القضية وأنهم عنصريون .
ولكن بقعة دم صغيرة جدا علي جاكيت احد القتلة وهو جاري دوبسون تم الكشف عنها قبل ذلك فكان الكشف سلبيا ثم اعيد الكشف بفحص ميكرسكوبي ليثبت بذلك ان بقعة الدم تلك هي للضحية وان المتهم كان موجودا بالفعل في مسرح الجريمة حين وقوعها .
وكانت من بين الادلة اتهام صحيفة انجليزية علنا في عنوانها للجناة بدون ادلة قاطعة ولكنها كتبت "المجرمون" وكتبت اسمائهم بالكامل وقالت ان كانوا يريدون ان يقولوا انهم ليسوا الفاعلين فليقاضونا !
وكانت جرأة شديدة تعودناها من الصحف الانجليزية في كافة المجالات وشجاعة يحسدون عليها .
وايضا كان الجميع متأكد من انهم الجناة خصوصا ان احدهم سبق له السجن بتعاطي المخدرات والاخر في مشاجرة عنصرية اخري مع ظابط اسود اي ان العنصرية عند افراد هذه العصابة حدث اعتيادي .
وكانت لحظة الحكم هي لحظة السعادة لوالدة ستيفن لورانس ولحظة الدهشة والحزن العميق لوالد دوبسون حينما صاح بعنف "عاري عليكم عار عليكم" حين نطق القاضي بالحكم .
وقالت والدة ستيفن وهي فرحة بالحكم " ربما يكون الحكم ضعيف مقارنة بما فعلوه ولكني سعيدة به جدا "
وكانت اسرة ستيفن لورانس قد يئست من الشرطة في وقت الجريمة حينما شعرت بعدم الجدية الكافية واتهمت الشرطة بالعنصرية فعينت فرقة تحقيقات خاصة للوصول الي الحقيقة وفعلا نجحوا بعد سنوات من اليأس في الوصول للحقيقة في ان يصلوا للعصابة التي قتلت ابنهم وكانت رحلة طويلة يبحثون فيها عن العدالة ورحلة طويلة امام القضاء العادل .
وكانت كلمات القاضي قوية وقاسية علي القتلة وتم ردعهم باحكام قوية حدها الادني 15 سنة واقصاها سجن مدي الحياة حسب القانون البريطاني وقال في كلماته "انهم قساة القلب عنصريون روعوا ضمير الأمة البريطانية" .
هل رأيتم هذه الكلمات ؟ "انهم قساة القلب روعوا ضمير الأمة البريطانية" ..قال القاضي هذه الكلمات لمجرد ان مجموعة افراد فتكوا بشاب امام محطة اتوبيس فما بالكم بمبارك ونظامه الذي فتك بمئات بل بألوف المصريين قتلا واصابة وملايين منهم فقرا ومرضا وقهرا وحسرة ..ألا يروع هذا ضمير مصر بأكملها ؟ القصاص في انجلترا من قضية عمرها عشرين عاما فما بالكم بقضية عمرها شهور وأدلتها واضحة وضوح النهار وشمسه .
ذهب في هذه القضية أصدقاء المتهمين وهم يخبأون وجوههم من الصحافة خجلا رغم ان ليس لهم أي علاقة بالجريمة ولكنهم فقط أصدقاء الجاني !! فما بالكم بأحباب مبارك الذين يجاهرون بعشقه بكرة وأصيلا وفي كل مكان وزمان !! لا يخبأون وجوههم بل يقفون بوجوههم كاملة عارية ويوجهون الاتهامات لاهالي الشهداء ايضا ..ياللعار أين حمرة الخجل !!
أصدقاء المتهم يخبأون وجوههم من الصحافة والاعلام لانهم اصدقاء من قتل فردا فما بالكم بأبناء من قتل الوف وشرد وأفقر وأمرض ملايين ؟؟ أين الحياء ؟؟ أليس فيكم رجل رشيد ؟؟
لو كنت انا من عشاق مبارك والله لأختبأت في مخبأ تحت الأرض ما خرجت منه ولا جاهرت بكلمة حتي تفوت أزمان وأزمان وأحاول ان اصفح عن نفسي امام نفسي وامام العالم وامام ضميري..
والله لو كنت من مجانين مبارك لطأطأت رأسي خجلا ولجلدت نفسي أمام المرة كل يوم حين أري وجهي وعليه علامات رضا عن السفاح .
والله لو كنت من عشاق مبارك لوددت أن تقتلعني الأرض من نبتتها لاني سأعتبر نفسي نبتة خبيثة .
وليس فقط البحث عن الأدلة والتحقيق بضمير في القضية هو الدرس المستفاد من هذه القضية الانجليزية بل ايضا هناك درس أخر من قضية أخري تماما في فنلندا هذه المرة حينما تم العثور علي بعوضة في سيارة مسروقة وقاموا بتحليل الحمض النووي فعثروا علي السارق حينما حللوا دم البعوضة ووجدوه يعود لمسجل سابق لدي الشرطة !
البحث عن أدلة ولو كانت بعوضة !! أليس في قضية مبارك بعوضة واحدة تشهد أنه قتل ؟؟ أليس هناك حقا دليل علي مبارك والعادلي والفيديوهات والاسلحة والتسجيلات تملأ البلاد من كل حدب وصوب ؟؟
أي جنون هذا ؟؟ عن أي دليل نتحدث ؟؟ أليس هناك ولو جثة تشهد أمام سيتركوا الأمر حين تشهد ايديهم وارجلهم يوم القيامة ولا نجد لهم عقاب في الدنيا ؟؟
لماذا لا تؤدي التحقيقات في مصر الي اي نتيجة ؟؟لماذا يبحثون لسنوات طويلة ويستعينوا ولو ببعوضة كدليل ونحن نماطل في الادلة وفي الوقت بدون سبب واضح ؟؟ هل هناك قصور في بعض القوانين أم ان هناك مسرحية ما تحدث علي ارض مصر ؟؟ لماذا لا نعتبر بهذه الدروس والدروس من حول العالم كثيرة جدا في فنون العدالة والضمير والمهنية .
ستظل قضية ستيفن لورانس والقاتل جاري دوبسون هي درس من انجلترا في العدالة وكيف يكون قتل انسان هو حدث يروع ضمير أمة كما قال القاضي بسبب قضية واحدة عنصرية ..فكيف في عصر مبارك كانت المبيدات المسرطنة والقمح المغشوش لا يروع ضمير كون بأسره ؟؟ كيف كانت العشوائيات والفقر المدقع والتعذيب في المعتقلات لا يروع ضمير كون بأسره ؟؟
كيف مات هؤلاء الشهداء وكيف اصيب من اصيب وفقدوا اعينهم ؟؟هل هي صدفة ؟؟ هل الأمر حقا يحتاج لأدلة ؟؟ أليست هناك أدلة كافية ؟؟ أسألوا 80 مليون مصري اذا استثنينا الفلول الذين باعوا ضميرهم للشيطان ..أسألوا 80 مليون مصري عن ما فعله مبارك ونظامه ..وياليتها كانت محاكمة ثورية من الأساس ولم نحتاج لجمع الأدلة حتي الأن ..ياليتها كانت محاكمة ثورية كان القصاص فيها أسرع وأعدل وأحق.
الكل يريد العدالة الناجزة ..العدالة التي لو تأخرت عشرون عاما مثل حادثة انجلترا فانها في النهاية تقضي بالحق ولا شئ غير الحق..العدالة التي تجمع الأدلة ولا تقلل من شأن اي دليل..العدالة الحاسمة ذات الاحكام الرادعة لكل من تسول له نفسه القيام بأفعال عصابة نظام مبارك مرة أخري .
العدالة التي حاكمت تيموشينكو في اوكرانيا وجاك شيراك في فرنسا وغيرهم من الذين اساؤا استخدام المناصب والنفوذ في غير وجه حق .
نريد العدالة ولا شئ غير العدالة .
No comments:
Post a Comment