"الستار مش هينزل عليا..أنا الملك..أنا الملك..الستار دايما بيقفل في وش المتفرجين انما انا ملك المسرح انا الملقن وانا الممثل وانا الدور وانا السيناريو..انتم مين..انتم مشاهدين"
هكذا انتهت قصتي هذه التي بين يديكم..أظن أن الفضول يدفعكم الأن لمتابعة السطور التالية لمعرفة ما قد حدث في البداية أليس كذلك ؟..هل تبحثون عن تسمية لما فعلته ؟؟ ربما ما سأقوم به في باقي القصة محاكيا بشكل او بأخر لتيار الوعي في الأدب هذا ما سيظهر في الحوار..وربما سيكون لو في عالم السينما مشابها لما يسمي ب
Chronological order
سيرفع الستار الأن..ولكن هل هذه قصة أم مسرحية ؟؟ أنا أكتبها وفي نيتي ان تكون قصة قصيرة ولكن حبي للمسرح سيدفعني إلي ...
مهلا مهلا..هل الكتابة بالنية ؟؟ قل لي تحديدا أيها المختل ما الذي تكتبه الأن ؟؟ قصة أم مسرحية ؟؟ لن أجيب وسأبدأ الأن وسأترك القارئ يختار نوع ما يقرأ..
لن اقول يرفع الستار وستجد في جانب المسرح اليمين عمود ضخم وشرفة رحبة ..لا اظنني سأكملها قصة أفضل..ولكنها مسرحية...يقول لي أحدهم الأن .."انت سكران يا عم انت؟؟"
تبدأ القصة في احد الكافيهات المنتشرة في قاهرة المعز وكما هو المشهد المعتاد مناضد مرصوصة وقلوب من رصاص قتلوا فيها البهجة والحبور لا عمل لا مال لا وظيفة لعدد من الشباب يتخلل هذا الاحساس حوار بين المطحون بطل القصة وصديقه "أمل" :
المطحون : تلعب شطرنج ؟
أمل : وهتلعب بالأبيض كنوع من التفاؤل ؟
المطحون : مافيش قطعة بتختار حركتها
أمل : هو انت قطعة ولا لاعب ؟
المطحون : مافيش غير لاعب واحد
أمل : ليه ما تلاعبوش ؟
المطحون : هيغلبني بعساكره والحصان والفيل
أمل : وانت ممكن تلحق ترقي العسكري بتاعك ؟
المطحون : بقولك ايه انا هاقوم أدور علي القطع الواقعة لان صاحب القهوة شكله ضيعهم كالعادة
أمل : بس كل القطع قدامي
المطحون : تمام بس فين الملك ؟؟
أمل : وهو حد بيشوف الملك ؟؟ الملك بيتشاف بأمره وبيختفي بأمره
المطحون : أنت يائس واسمك أمل ؟
أمل : اليأس والأمل في ايده
المطحون : فين الملك..كله يقوم يدور ع الملك انا عايز ألعب ..
وبعد عشرة أيام في زمن المطحون ويوم في زمن الملك وفي احد الشوارع صباحا :
المطحون : اديني الجرنان يا ابني
البائع : اتفضل يا بيه
سار المطحون علي قدميه كما هي العادة يفحص صفحات الجرائد بعين ناقدة وشفاه تتحرك وتتململ في سخرية وفي احدي الصفحات وقف مشدوها ينظر ولا يصدق جحيم ما يراه
المطحون لنفسه : أنا ؟؟؟؟؟ ازاي؟؟؟؟ايه الغلطة الحقيرة دي ؟؟؟؟
وجد المطحون نفسه في احدي الصفحات تحت عنوان "14 شهيدا في احداث الأمس امام قصر الملك" وقال متعجبا : أنا مت ؟؟ أنا استشهدت ؟؟؟ امال يعني مين اللي بيقرا الجرايد دلوقتي ؟؟ صحافة مسطولة صحيح
ذهب مسرعا الي مقر الجريدة لمقابلة الصحفي الذي نشر الخبر وقال : انت يا استاذ انت
الصحفي: انت بتتكلم كده ليه ؟ دي دخلة دي ؟
المطحون : وده خبر يعني ؟؟ بتموتني بالحيا ؟
الصحفي: يعني ايه الكلام ده
المطحون: يعني اسمي يا استاذ يا محترم انت كاتبه في اسامي الشهداء وانا حي ارزق مش تتأكدوا من معلوماتكم ؟؟ اما عجايب
الصحفي: وريني بطاقتك
المطحون : اهي يا اخويا اتفضل
الصحفي: شوف يا استاذ مين فينا المسطول انت اسمك "أمل محمد أمل" مش المطحون
المطحون: انت تعرف امل منين يا جدع انت ده صاحبي
الصحفي: صاحبك ؟؟ ده انت شكلك شارب بلوظة ..اسمك اهو يا محترم انما المطحون مات ماااااات افهم بقي وفوق اجيبلك قهوة ؟؟
كأن علي رأسه طير الرخ وليس الطير..كانه شرب الدهشة في زجاجة مسحورة لن يفيق منها ولو بعد حين..عن أي شئ يتحدث هذا الصحفي المخبول ؟؟ ولكن ..ولكن من اين جائت بطاقة أمل وكيف لا يكون هو نفسه المطحون ؟؟ هل فقد هويته ؟؟ هل كان عمره حلما ؟؟ وكيف يكون هو امل وهو يعيش مطحون ويائس ؟؟
حاول ان يأخذ أول موقف في حياته منذ ان حكم الملك الذي قتل المواقف واصحابها..فالملك يحكم والناس تشكو..الملك يرسم الموقف والناس تعيشه..الملك يغتال الفضيلة والناس تبحث عن جثتها بإسم المبادئ والقيم..
الملك يشرب كأسه الناعمة والناس تتجرع مرارة بقايا الكأس..
ذهب المطحون باحثا عن هويته عن تاريخ عن محل ميلاده في احدي الهيئات الحكومية :
المطحون : ايوه يا استاذ شوفتني في الكشف ؟؟
الموظف: ايوه يا استاذ..وعليك علامة اكس..انت مش المفروض مت خلاص ؟
المطحون : انت غبي؟ يعني ايه واحد قدامك تقوله المفروض مت الملافظ سعد يا عم انت
الموظف: انت علي صفحتك ختم ملكي..
المطحون: يعني اترقيت ؟؟
الموظف: يعني انت "أمل" عيش بالأمل وغني وافرح لأن اليأس وحش..اليأس ممكن يكون ثورة
المطحون : طيب ما الثورة أمل
الموظف: ايوه بس بدايتها ايه ؟؟ يأس..عشان كده محينا سجلك وخليناك امل ..ضحكنا عليك بزيادة كام ملطوش عشان يبقي عندك شوية أمل..بنضلمها عليك ونديلك بصيص نور يمكن يبقي عندك أمل..بنكحلك بكحل الأمل بس بنزوده عشان نعميك ..انت لسه مش فاهم الملك ؟؟
المطحون : طيب وانت ليه في المنظومة دي ؟؟ انت فاسد زيهم ولا مطحون زيي انا ؟
الموظف : انا مش مطحون انا متحنط .. انا تمثال رخام نقشوه بوساختهم بيخلدوا فيا صورة لطمعهم وجشعهم اللي اصبح اله ليهم..ظي ما كان في زمان في الاساطير الهة للجمال دلوقتي الملك بيعمل لنفسه اله وبيسميه اله الطمع واله الجشع واله الفساد..بينفصم بنفسه الي نص ملك ونص اله..
المطحون : انت عارف ده وساكت ؟؟ انا عايز اقابل الملك
الموظف ساخرا : اه..طيب ابقي سلملي عليه..ده انا هنا بقالي سنين وسنين وعمري ما شفت الملك بسمع عنه بس
المطحون : بس انا لازم اقابله لازم اعرف عايز مننا ايه..انا بتكلم باسم الشعب باسم الشعب يا عالم ..باسم العدالة والحق ..العدالة اللي بقت عمياء خرساء ومبتتكلمش كمان.. فوقوا يا ناس فوقوا الملك بيقتلكم كل يوم بسلطانه وسلطته ..بنفوذه وحاشيته ..بجبروته وقوته
بعد سنوات طويلة جدا امام القصر ..
الملك : أهلي وعشيرتي..لقد مررنا بظروف عصيبة و..
يقاطعه المطحون : اه اخيرا لقيتك..اخيرا وقعت في ايدي
كانت الملايين امام القصر بعد خمسة ثورات جياع وقمع وذل وهوان طوال اعوام تتبدل علي البلاد الملوك من نفس العشيرة باستخدام كل وسائل التزوير والنجاسة السياسية.. وكان الملك يخطب في شعبه من داخل القصر ولكن المطحون تسرب الي داخل القصر في خضم الأحداث
الملك : أمسكوه
المطحون : هم مين ؟؟ كلهم هربوا خلاص ..عاش الملك مات الملك زي ما بيقولوا وانت مت خلاص
الملك : انا مش بموت انا بتتغير صورتي بس..احفظ الجملة دي..انا مش بموت انا بتتغير صورتي بس
المطحون : وانا ؟؟ صورتي ايه في عينك ؟؟
الملك : انا بغير صورتك..من يائس ومطحون الي يائس بابتسامة ..بديك الأمل اللي يقهرك في النهاية لأن انا الملك
المطحون : شيلوك ؟؟
الملك : انا مش مرابي انا حاكم
المطحون : مافيش فرق بينك وبين المرابي انت بتسلفني الأمل الكاذب والبلد بتفضل علي حالها وبتطلب مني التمن بعد ما ضيعتني..انت بتبيع الأمل وبتجني روحي اليائسة السقيمة في النهاية..انت عايزني ميت
الملك : انا رقيتك لدرجة شهيد
المطحون: هو انا اعيش فقير او ثائر او شهيد ؟؟ ما ينفعش تعيشني راضي ؟؟
الملك : مش ترضي بالقدر ؟؟
المطحون : انت مش قدر انت اختيار..الاختيار ممكن نغيره والقدر نستحمله بخيره وبشره
الملك : انتم ازاي يا شعب جعان عريان جايين عند القصر وبتقاطعوا وجبتي؟؟ انا مش بتغدا دلوقتي جناح طاووس وغزال مهروس وكاس شهد النفوس ؟؟
المطحون : واحنا بقالنا سنين بناكل طعمية ونشرب المية من الحنفية
الملك : انتم اللي اخترتم واتحملوا الاختيار
المطحون : عايزنا نجيبك بالصناديق وبعدين تشحن جثثنا في صناديق ؟؟ هي دي تجارة الملوك ولا ده نوع جديد من العدالة ؟؟
الملك : والعدالة في نظر بعض الفلاسفة مش هتتحقق الا في السماء
المطحون : وليه ما تطلعناش معاك السماء
الملك : السماء للملوك
المطحون : انت مش منزه..انت حاكم ..والعدل المفروض ايتك وشعارك..ده حتي القاضي واحد في الجنة واتنين في النار وانت عارف كده
الملك : ملك في الجنة واتنين في النعيم
المطحون : استغفر الله..انت كمان فاكر انك هتختار في الاخرة..؟ ملك الملكوك اللي بيختار انت هناك محكوم عليه مش حاكم
الملك : لكن انا اتعودت احكم واتحكم
المطحون : انت حاولت تاخد من صفات ربك لكن ما تقدرش تاخد ربعها فاختلت عندك الموازين لانك مجرد بشر
الملك : بشر ؟؟ يعني زيك انت ؟؟
المطحون: ده المفروض في حكم المساواة
الملك : مافيش حاجة اسمها مساواة في عدل بس
المطحون : نيتشة ؟؟ مكيافيللي ؟؟ بتؤمن بالناس دي وبس ؟؟
الملك : لا دول صغيرين انا قدوتي كاليجولا وهتلر ونيرون
المطحون : وفين روحك ؟؟
الملك : نايمة علي كرسي الحكم دايبة فيه وفي العالم بتاعه..
المطحون : الكرسي ده للحكم ولا للعبادة ؟
الملك : الكرسي ده للخلود
المطحون : استغفر ربك
الملك : انا عظيم وما اتعودتش اغلط واستغفر
المطحون : انت مريض
الملك : انا ملك السعادة
المطحون : هي السعادة عطاء ولا كنوز في وجهة نظرك
الملك : السعادة ملكة وموهبة..مش اي حد يكون سعيد
المطحون : بس علي الاقل اديله سبب للسعادة وجرب وشوف هيكون سعيد ولا لأ
الملك : انتم شعب فقري
المطحون : انت فاكر نفسك خالد
الملك : انا خالد في عالم السعادة لكن فاني في عالم البشر
المطحون : السعادة مش مرتبطة بالخلود اصلا ممكن تعيش يومين بعمر كامل لواحد تاني وممكن تعيش خالد وتمل من الخلود عشان كده احنا فانيين
الملك : انا بشر فاني لكن هاموت سعيد ومتحكم
المطحون : طيب ليه بتموتنا شهداء وفقرا بطغيانك
الملك : انتم عايزين الشهادة وانا منحتها ليكم بعساكري وملكوتي
المطحون : انت ملكش ملكوت انت ليك جاه بس انما الملكوت لملك الملكوت سبحانه
الملك : انت عايز ايه مني دلوقتي ؟؟ انا ممكن اقتلك
المطحون : انت قتلتني فعلا ولقيت اسمي في صفحة الوفيات من زمن وماشي نص ميت نص عايش
الملك : حالك احسن من غيرك
المطحون : بتعاير شعبك بفقره وانت سبب فقره ؟ هو انت مش كنت زينا في يوم من الايام واحد من الشعب ده ؟؟ ليه ما خدمتوش
الملك : اول درس للكرسي "شعبك في خدمتك والامن في قبضتك"
المطحون : كرسي كهربا ده مش كرسي حكم..كرسي حكم عليك بالموت والخلود في عالم الفساد
الملك : انا مش فاسد انا بحكم بقواعد اللعبة
المطحون : واللعبة بتقول ايه ؟؟
كش ملك..كش ملك
اخر جملة رددها "أمل" علي المقهي لصديقه المطحون
المطحون : كش ملك ؟؟ اللعبة بتقول كش ملك ؟؟ هي دي قواعد اللعبة ؟؟
أمل : مالك يا ابني في ايه ؟؟ انت تايه في ايه بقالك ربع ساعة ؟؟ انت نايم ومش معايا خالص
المطحون : انا كنت بحلم ؟؟
أمل : بتحلم وانت صاحي ..؟
المطحون : كمان الحلم مش عايزينا نحلمه ؟؟ مافيش كش ملك لاننا هنسقط الملك اصلا
أمل : تسقط الملك ؟؟ انت مجنون ؟؟
المطحون : الملك فاسد..مرابي بيشترينا باحلام كذابة..
أمل : الثورة خلصت من 25 يناير من سنين طويلة جدا انت لسه فاكر ؟؟احنا دخلنا في عشرات الحكام من نفس الفصيل ومش عارفين نعمل حاجة
المطحون : لكن انا قابلت الملك وواجهته
أمل : انت مجنون ؟
المطحون :لا انا مش هيخلوني شهيد او فقير بالعافية الحاكم اختيار مش قدر
أمل : مالك يا مطحون
المطحون : انا هاغير اسمي انا مش مطحون الستار مش هينزل عليا..أنا الملك..أنا الملك..الستار دايما بيقفل في وش المتفرجين انما انا ملك المسرح انا الملقن وانا الممثل وانا الدور وانا السيناريو..انتم مين..انتم مشاهدين
حتي انت يا ملك مش هتحكم وتتحكم في حياتي لان حياتي ملكي دايما ايوه حياتي ملكي وفي ايدي
وفي نشرة اخبار بعد سنوات طويلة علي شاشات التليفزيون الحكومي بوق النظام :
" اعزائي المشاهدين وكما نري هذه الجنازة العسكرية المهيبة لملكنا المفدي رحمة الله عليه..ولا يزال البحث جاريا عن مدبر عملية الاغتيال وكما نعلم ان التحقيقات الاولية اسفرت عن وجود قطعة شطرنج في مسرح الجريمة مكتوب عليها انا الملك ..ولا يزال البحث جاريا عن الجاني "
No comments:
Post a Comment