Saturday, March 23, 2013

انتحـار زهـرة في يد فيلـسوف






" تصبح العيون يتيمة حين يموت علي ضفاف رموشها الأب الروحي لها وهو الجمال أو التعمق في فلسفته"




أغلقت كتاب ووضعته علي المنضدة ثم قلت لها : غريبة هي الكلمات حين تكون عيوننا مجرد عابر سبيل وحبيبة هي الكلمات حين نقرأها بعيون دامعة وقلب شاعر ..

قالت : اذا فأنا غريبة وحبيبة..
غريبة حين أقرأ في عينيك نظرة لإمرأة أخري فحينها أكون كعابرة سبيل وأحاول أن أهرب من تلك اللحظة..
وحبيبة حين أقرأ في عينيك أبجديات لهفتك فحينها يتملكني الخجل وأكون كما يقولون "في نص رموشي" !!

قلت : سأروي لكي قصة غريبة

قالت : أنت قصتي الأغرب

قلت : ألف ليلة وليلة ؟

قالت : رغم روعتها الا انك لن تكون ابدا ألف ليلة وليلة ..
فأنت في قلبي "ألف نهار ونهار"

قلت : ولماذا تظلمين الليل مع انه شاهد الحب الأول  ..كانت فدوي طوقان تتحدث عنه وتقول :

هو الليل يا قلب ، فانشر شراعك ، و اعبر خضّم الظلام العميق
وجدف بأوهامك الراعشات في زورق ما به من رفيق

قالت : كل قصائد الليل حزينة وأنت لن تكون ليلي فالبداية نهار والجمال في النهار والأمل في النهار وأنت نهاري وفجر عمري

قلت : النهار في عيني مجرد ساعات ذكري لروعة حلم في ليل سابق
مجرد ساعات تنفيذ لأمل ظهرت بوادره تحت ضوء القمر
الليل هجرة خيال في غياهب العالم والنهار وطن
وما أجمل ساعات هجرة الخيال في دياجير الظلام ..
فالقمر يغني للعشاق والشمس ساعات انتظار لأغنية قادمة ..فأنتي ليلي الحالم وأمنية كساها القمر ..

قالت : وهل ستحكي قصتك عن ليل أم نهار ؟

قلت : بل عن زهرة وحيدة..

قالت : تعشق حكايات الازهار

قلت : كما يقولون "من عاشر القوم"
وانا أعشق إمرأة تتمني الأزهار لو كانت قطرة ندي تقبل جذورها كل صباح ..

قالت : كلي نبضات صاغية فاروي لي قصتك ..

قلت : كان يا ما كان يا عشق يا اكرام :

عندما خلقت الزهور وحيدة في هذا العالم لم ترهبها الوحدة..فالزهور تعرف دائما ما يخفي لها القدر..وقد عرفت من سيؤنس وحدتها ولو بعد حين..
فقد نادت الزهور بعد سنوات من الوحدة علي فيلسوف وعاشق ورسام وقالت : من سأري الصدق في عينيه سأدعه يقطفني فأنا أول زهرة مسحورة خلقها الله علي الأرض..

قال الفيلسوف : ولكن الله خلق كل لكل شئ سحره ولم أعلم قط أن السحر له أول من أخر..

الزهرة : ولماذا لم تسألني كيف يكون قطفي وموتي مكافأة لصدقكم..كيف يكون الموت مكافأة للصدق..

الفيلسوف : في هذا العالم لم أتعود أن أسأل بل أن أتأمل ..وكيف أتعجب في عالم يعيش علي كرة تتأرجح في مجرة وعلي كتفي الأيمن ملاك وعلي الأيسر أخر ..وأمامي زهرة تعدني بقطفها
وكيف أتعجب وأسأل وانا قد رأيت كثيرا الموت كمكافأة للصدق ..فكم من زوجات خائنات مات أزواجهن كمدا برغم انهم لم يمنحوهن الا الصدق والحب..
وكم من صديق خان صديقه رغم أن الصداقة عهد أبدي وليست عقد أبدي فالعهود أصدق أحيانا من ألف عقد..
وكم من إبن خرج من صلب أمه لتحني له عودها وتمهد له الطريق وحين يكبر ويختار تصبح حرية اختياره طوق من نار وتغرقهما معا في دوامة الحياة ..
فكيف أتعجب وأسأل فالحياة لا أجدها مجالا للأسئلة بل حيزا كبيرا للدهشة..فلو كانت الحياة رجلا فأنا أظن ان صورته ستكون علي هيئة رجل يضرب كفا بكف من عجائب البشر وطباعهم..


الزهرة : أري نبرة من الحزن في صوتك أم هو اليأس..؟

الرسام : أه حسنا..دعيني أرسم تلك النظرة علي وجهه فقد رأيت في وجهه حزن يحضن الفرح والألم كأنه لوحة الموناليزا

العاشق : كأنه الحب اذا..فالحب يجعل من قلوبنا كما لوحة الموناليزا

الزهرة : الأن الصراع يشتد بينكم..ولكن دعوني أسأل كيف يراني كل منكم ؟

الفيلسوف : أراك حس الله الجمالي الذي ابدع في كل شئ خلقه ..اظن الله قد خلق الزهور لكي نري الحكمة مجسدة في عبيرها..
كما خلق الحب لكي نري الحكمة مجسدة في مشاعرنا حين نعشق
او خلق النساء لكي نري الحكمة مجسدة في ضعفنا امام البراءة..
او خلق الانسان لكي نري الحكمة في صراع خيره وشره
انها نظرية "المنبع والمصب"..فالبعض قد يقول انظر لهذا النهر سبحان الله اتري منبعه الرائع والبعض يقول سبحان الله انظر لمصب النهر وكيف يعرف طريقه..
وان كانت العظمة في منبع الحياة فالروعة في ان نري ما ستكون عليه..

الرسام : أما انا أراك لوحة فنية خلقها الله لكي تخلد فان ضاع جسدها الفاني بقي ذكرها الخالد..
وان ضاعت ملامحها بعصف رياح بقت صورتها بعصف ألوان..
وان ضاع نبض الحياة فيها بقي المعني..
وما أجمل ان يبقي المعني وان ماتت الكلمة نفسها..


الزهرة : وما رأيك أنت ؟

العاشق : ألا تري في عيناي شئ ما ؟

الزهرة: لا اعرف ..ولكني أري فيهما رغبة في اغتيالي..

العاشق : هل كما قال الشاعر ستقبلين اليد التي تغتال ؟

الزهرة : لن أدعك تقتلني

العاشق: ألم تقولي ان هديتك لنا قطفك ؟

الزهرة : بإرادتي

العاشق : ولكنه يعني انتحار

الزهرة : انها نهاية سعيدة وانا التي اختارها بينما نهاية الانتحار ليست سعيدة

العاشق : لا اعترف بالنهايات السعيدة فالنهاية هي النهاية

الزهرة : ولماذا تريد اغتيالي ؟

العاشق : أنتقم من شخص البراءة

الزهرة : وهل أذلك ؟

العاشق :  ألا تسمعين دائما قولهم ان للعذاب ألوان

الزهرة : وكيف كان لونك أيها العاشق ؟ كيف كنت وكيف أصبحت ؟

العاشق : لوني الأبيض..حين تطل علي روحي بفاكهة من عينيها لا مقطوعة ولا ممنوعة..
لوني الأزرق..حين تعكس لحظات صفائي في نهر أنوثة يغزلني كموجة دافقة من المهد الي اللحد..
لوني الأخضر..حين تجعلني أول أمل وأخر حلم وما بينهما لحظات لا أعرف لها "اول من أخر"

الزهرة : واللون الأسود ؟

قال الفيلسوف مقاطعا : عذرا أيتها الزهرة ولكنك تتركين من يريد رسمك ومن يحسن وصفك وتذهبين لعاشق يريد قتلك
لاأري أي حياد فيما يحدث وأظنك حسمتي الأمر مسبقا ..

الزهرة : الرسام مشغول برسمي وأنت مشغول بوصفي

العاشق : وانا مشغول بمن سأقتلك من أجلها..

الفيلسوف : عاشق كنيته الحزن ورسمه الألم

العاشق : فيلسوف كنيته المبالغة ورسمه بضعة حروف

الفيلسوف : أنا مبالغ ؟ أنتم العشاق أسياد المبالغة ..تكفي كلماتكم الشهيرة التي تذهب حتي عقول الفلاسفة

العاشق : أي كلمات تحديدا تقصدها ؟

الفيلسوف : كل عاشق منكم له كلمات غريبة يصف بها إحساسه مثل :

"انا حاسس اني طاير"
"حاسس اني قابلتك قبل كده"
"حاسس ان ده يوم ميلادي"
"حاسس اني حبيتك قبل ما اتولد"

أي جنون هذا ؟؟ وتقول عني فيلسوف مبالغ ؟؟

العاشق : الحب لعبة مشاعر بينما فلسفتك لعبة حروف وترتيب أفكار
الحب قتال سلام النبضة والنبضة بينما الفلسفة صراع الفكرة بالفكرة
انا السلام وانت القتال فمن منا يستحق زهرة بالله عليك ؟؟

الزهرة : ولماذا لم ترد علي سؤاله في كلماتكم الغريبة ايها العشاق

العاشق : هي لكم كلمات غريبة بينما في قلوبنا قريبة
في لحظة الحب يعمينا كيوبيد بأجنحته فتخرج منك عفويا جملة "حاسس اني طاير"
في لحظة الحب نعود لفكرة واسطورة قديمة تقول ان البشر انشطروا نصفين ومازال كل نصف يبحث عن الأخر ومقدر له ولهذا نقول "حاسس اني قابلتك قبل كده"
في لحظة الحب لا تعرف يومك ولا اصلك ولا وطنك فتخرج منك تلقائيا جملة "حاسس ان ده يوم ميلادي"

هي لكم عبارات خيالية بينما للعاشقين الخيال أرض الواقع .


الرسام : وجهه ينضح بالصدق انتظر قليلا كي أرسم تلك اللحظة ..

الفيلسوف : اظن الرسام مشغول دائما بلوحته فالصراع سيكون بيني وبين العاشق أيتها الزهرة الخلابة

العاشق : الجمال في عقلك نظرية أيها الفيلسوف بينما الجمال في قلبي لغة
الجمال في عينيك عبارات تتشدق بها وانت تدخن غليونك بينما الجمال في عيوني تناسق دمعي مع لغة الكون
الجمال في قلبك حكمة بينما الجمال في قلبي فضيلة
هل عرفت الأن لماذا استحق الزهرة ؟

الزهرة : ومن هذه التي تمر من هناك ؟
من التي خدرتني بروعتها وروعتني بخدرها الخجول الصريح ؟

العاشق : انها هي ايتها الزهرة..انها حبيبتي ..
هل عرفتي الأن لماذا استحقك أكثر من الفيلسوف ؟
هل عرفتي الأن لماذا أستحقك ايتها الزهرة المسحورة ؟
أحتاجك لاكمل بك زينتها واجعل من السحر لحظة خيلاء وغربة للملائكة



بكت الزهرة من هول جمال حبيبته..
وصدر الحكم..
كل ما فعله العاشق لم يشفع له في ان يأخذ الزهرة ..
واختارت ان يقطفها الفيلسوف



قالت : قصة غريبة جدا ولكن ما هذه النهاية ؟؟
هل انتهت القصة عند هذا الحد ؟؟
لم أفهم كيف لم يفز العاشق رغم روعة كلماته ومرور حبيبته الساحرة امام الزهرة ؟؟
كيف فاز الفيلسوف ؟؟


قال : هل تتشوقين للنهاية ؟؟

قالت : كشوقي الي لقائك


قال : في نهاية القصة سأل العاشق وهو يبكي ويصرخ : لماذا ايتها الزهرة ؟؟ اي ظلم هذا ؟؟

قالت : وماذا قالت له الزهرة ؟

قال : قالت الزهرة وهي تضع نفسها في يد الفيلسوف : "هذا الفيلسوف يحتاجني ليكمل عالمه فهو الأحق..
بينما انت ايها العاشق نظرة واحدة من حبيبتك التي رأيتها تكمل ألف عالم للزهور والبنفسج..
كيف تطلب سحري وكمالي ايها الطماع وانت تملك ما لا عين رات ولا خطر علي قلب بشر ؟


قالت : ياللعجب هذا يعني انتصار الفيلسوف في النهاية

قلت : سأزيدك من العجب بيت وأقول لكي ان الرسام هو الذي انتصر

قالت في دهشة : ماذا تقول ؟؟ وكيف هذا ؟؟

قلت : خلدت له ثلاثة لوحات وما اروعها حيرت العالم

قالت : أي لوحات ؟؟

قلت : رسم كل لحظة مرت في القصة وذاع صيت لوحاته التي سماها :
لوحة انتحار زهرة..  ولوحة انتصار فيلسوف  ..ولوحة كمال إمرأة..ولوحة هزيمة عاشق


قالت وهي تتنهد : ولو كنت انا في تلك القصة فماذا تريدني أن اكون ؟

قلت : أظنني الرسام الذي انتصر..وأنتي أجمل وأعظم وأكمل لوحاتي..!   


No comments: