عن التسامح وقبول الأخر اتحدث..قبول الأخر والتسامح معه لكي نعبر مفترق الطرق لا ان نفترق..
قبول الأخر الذي أصبح مفقودا في كل مكان وفي كل حوار وفي كل مناقشة تجد طرف يحاول الهيمنة علي الطرف الأخر وكأنه محتكر للحقيقة..
في برامج التليفزيون وفي حوارات حياتنا اليومية تجد الكل يشعر انه يملك شئ لا يستطيع ان يملكه الأخر وهو غير صحيح..
وكلنا نري في اي برنامج حواري كيف تدرو المناقشة الغير متسامحة واللأخلاقية في نفس الوقت ويقول أحد الأطراف "انا حر في التعبير عن رأي الشخصي"
هذا صحيح لكن كيف تعبر وكيف تعبر عن رأيك بتسامح وبإحترام وليس بحرية مطلقة لا تحترم الطرف الأخر في الحوار .
يقول لوك "ان كل البشر يمتلكون الحق في الحرية الطبيعية لكن هذه الحرية الطبيعية ليست اجازة تمكن صاحبها من ان يفعل ما يحلو له بل علي العس من ذلك هي حرية مشروطة بالأخلاق او كما يقول "القانون الطبيعي "
اي ان حريتك هي شئ مقبول ومفهوم ولكن لابد ان لا تتناقض مع الأخلاق..
تناقش بحرية كاملة ولكن تناقش بأسلوب حضاري ومهذب وهادئ ومقنع وليس بإسلوب برنامج "الاتجاه المعاكس" وركل المنضدة علي الطرف الأخر وضربه أحيانا !
ويقول نيشتة عن قيمة الإختلاف :
“You have your way. I have my way. As for the right way, the correct way, and the only way, it does not exist.”
بينما يقول جيرالد جامبولسكي عن التسامح الذي نتحدث عنه في عنوان كتابه :
Forgiveness the greatest healer of all
ويتحدث في كتابه عن سيدة من سويسرا تبرعت بكامل ثروتها الي الجمعيات الخيرية وهي في الثالثة والتسعين من عمرها وكان لديها لوحات من القرن الثالث عشر قررت ان تهديها للمؤلف وكانت هذه السيدة صعبة المراس الي ان اعطاها صديق كتاب "الحب يبدد الخوف" وسرعان ما بدأت تسامح كل الذين شعرت انهم اذوها في حياتها وسامحت نفسها عن السلوك الذي شعرت انه تسب في انه يشعر الاخرين بالألم وغيرت اسمها الي "هابي" .
ووجد وصفة سحرية للتسامح وقبول الأخر وقال "لكي اصبح سعيدا فما علي الا ان اتخلي عن اصدار الاحكام"
وذكر الكاتب ان الإستعداد للتسامح هو ان ننسي الماضي الأليم بكامل ارادتنا انه القرار الا نعاني اكثر من ذلك وان تعالج قلبك وروحك انه الاختيار الا تجد قيمة للكره او الغضب وانه التخلي عن الرغبة في ايذاء الأخرين بسبب شئ قد حدث في الماضي انه الرغبة ان نفتح اعيننا علي مزايا الأخرين بدلا ان نحاكمهم او ندينهم وهو الطريق نحو الشعور بالسلام الداخلي
وقال أن "الأنا" تؤمن بانه يجب ان ندافع عن انفسنا باستمرار فالعقل الذي لا يسامح يكون نتاج الأنا التي تقنعنا بان الطريقة الجيدة لحماية انفسنا هي ان نعاقب الشخص الأخر بغضبنا وكرهنا له .
بل ان الكاتب تحدث عن اثار جانبية عنيفة للأفكار غير المتسامحة واضرار عدم التسامح وقال ان هذه الأثار هي :
الصداع والام الظهر والرقبة والمعدة والاكتئاب والأرق والخوف والقلق والتعاسة.
وذكر ان "الأنا" لديها عشرون سببا لكي لا نتسامح وتحاول ان تقول لنا وتقنعنا بان لا نتسامح وتقول لنا علي سبيل المثال :
اذا سامحته فانت ضعيف
اذا سامحته فانت وافقته علي فعله
اذا سامحته فسيكرر فعلته.
اي ان عند التسامح قد ينبع من داخلك كنوع من العناد او الغرور فتحاول ان تقهر الطرف الاخر كي لا تصبح ضعيف امام نفسك .
ومن اشهر من تحدث عن التسامح هو جون لوك في كتاب "رسالة في التسامح " وكان يتحدث عن السلطة الكنسية وقال :
"الدين الحق لم يتاسس من اجل سلطة كنسية ولكن من اجل تنظيم حياة البشر استنادا الي الفضيلة والتقوي فكل انسان يحمل هذا الدين لابد ان يشن حربا علي رزائله وان يكون سلوكك طاهرا ورقيقا ومتواضعا
واذا زعم اي انسان انه ينبغي استخدام السيف والنار لاجبار الناس علي اعتناق عقائد معينة والانتماء الي طقوس معينة فمثل هذا الانسان ينشد تجمعا ضخما يشاركه نفس العقيدة "
بل ان جون لوك اتهم عدم المتسامح بأنه أعمي وقال :
"انه لأمر غريب عند الناس ان يكون المرء أعمي للدرجة التي لا يري فيها ضرورة التسامح ومزاياه "
وعن دور الحاكم وعلاقته بالتسامح قال لوك :
"ان رعاية النفوس ليست من شئون الحاكم المدني لانه يحكم بمقتضي سلطة برانية بينما الدين الحق الذي ينشد خلاص النفوس ينشد اقتناع العقل اقتناعا جوانيا.
ليس كافيا ان يمتنع رجال الكنيسة بالعنف والاضطهاد فمن يزعم انه مكلف بالتعليم فانه ملزم بتذكير مستمعيه بالسلام والارادة الخيرة اتجاه البشر"
ومن اكثر المتأثرين بأفكار لوك هو سيمون بوليفار وتحريره للعديد من الدول حول العالم .
وفي كل الديانات والمذاهب والعقائد ستجد الدعوة للتسامح فالمسيحية مثلا تجد في الكتاب المقدس :
"من ضرب خدّك الأيمن فحوّل إليه الخد الأيسر ومن أخذ رداءك فأعطه ازارك "
وفي الإسلام تجد العديد من قصص التسامح مثل مقولة الرسول الشهيرة "اذهبوا فأنتم الطلقاء" في فتح مكة حين قال صلى الله عليه وسلم لقريش (ما تظنون أني فاعل بكم) قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم ، قال( اذهبوا فأنتم الطلقاء).
فكان الرسول الكريم دائم الصفح عن من اساء له وكان رسالة في التسامح للعالم أجمع في أغلب مواقفه حتي في الحروب ومعاملة الأسري .
حتي البوذية تدعو للتسامح فقال الامبراطور "أشوكا" :
"The faiths of others all deserve to be honored for one reason or another. By honoring them, one exalts one's own faith and at the same time performs a
service to the faith of others
ومن اهمية التسامح خصصت له الامم المتحدة يوما عالميا للاحتفال به وتذكير الناس بضرورة التسامح .
في عام 1996 دعت الجمعية العامة الدول الأعضاء إلى الاحتفال باليوم الدولي للتسامح في 16 تشرين الثاني/نوفمبر ، من خلال القيام بأنشطة ملائمة توجه نحو كل من المؤسسات التعليمية وعامة الجمهور وكان التقرير النهائي عن الامم المتحدة الخاص بالتسامح يشمل العديد من الاتفاقيات الخاصة بالتسامح مثل :
**الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع اشكال التمييز العنصري
**الاتفاقية الخاصة لمنع جريمة ابادة الجنس والمعاقبة عليها
**القضاء علي جميع اشكال التمييز ضد المرأة
**مناهضة التعذيب وضروب المعاملة والعقوبة القاسية او المهينة
**القضاء علي كافة اشكال التعصب والتمييز القائمين علي اساس الدين او المعتقد
حقوق الاشخاص المنتمين الي اقلية
وقالت الامم المتحدة في معني التسامح :
يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمان ولاشكال التعبير وللصفات الانسانية لدينا ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد انه الوئام في سياق الاختلاف وهو لا يعني التنازل والتساهل بل هو اتخاذ موقف ايجابي فيه اقرار بحق الاخرين في التمتع بحقوق الانسان
وفي دور الدولة :
ان التسامح علي مستوي الدولة يقتضي ضمان العدل وعدم التحيز في التشريعات وفي انفاذ القوانين والاجراءات القضائية والادارية .
وفي التعليم :
ان التعليم هو انجع الوسائل لمنع اللاتسامح واول خطوة للتعليم في مجال التسامح هي تعليم الماس الحقوق والحريات التي يتشاركون فيها مع الاخرين .
أما في كتاب الدكتور محمد عابد الجابري قال في احد فصوله :
"دافع ابن رشد عن علوم الغير واراء ومعتقداتا لاخرين وقال "سواء كان ذلك الغير كشاركا لنا في الملة او غير مشارك واعني بغير المشارك من نظر في هذه الاشياء من القدماء قبل الاسلام "
ويلوم ابن رشد الغزالي لكل تسامح ويقول انه لا يحاول ان يفهم موقف الخصم بل يحكم بفساده دون النظر الي المقدمات.
ويقول ابن رشد "من العدل كما يقول الحكيم ارسطو ان ياتي الرجل بالحجج لخصومه كما ياتي لنفسه او ين يجهد نفسه في طلب الحجج لهم كما يجهد نفسه في طلب الحجج لمذهبه ".
وفي كتاب التسامح بين الشرق والغرب "دراسات في التعايش والقبول بالأخر" :
يقول المترجم في مقدمة الكتاب "ان التسامح هو العمود الفقري لليبرالية بوصف هذه الاخيرة فلسفة عامة للجماعة البشرية كما بوصفها شعورا يحس تجاه الجماعات الاخري"
وايضا من الشائع استخدام لفظ "سماحة" كأسلوب لمخاطبة الشخص الذي يمثل قمة الهرمية الدينية في الاسلام مثل "سماحة المفتي" تعبيرا عن التبجيل "
ويقول الفريد ج أيير "ان اللاتسامح الديني هو ما سبب الكثير من الأذي"
بينما يقول الكاتب بيتر نيكلسون في الكتاب "حين يوافق المرء ان يكون متسامحا فانه لا يقيد حريته فالحكومة التي تضع القوانين او التنظيمات المتسامحة وهؤلاء الذين يقبلون بتلك الحكومة واعمالها واولئك الذين يتقبلون عدالة القوانين والتنظيمات كل هؤلاء يفرضون علي انفسهم قيودا مناسبة تحد من ممارستهم للسلطة "
وفي فصل التسامح والمسئولية الفكرية يقول الكاتب "انه من الجودة بمكان ان يقول المرء "قد اكون علي خطأ وقد تكون انت علي صواب" فاذا قال الطرفان معا هذا القول سيكون هذا علي الأرجح كافيا للوصول لتسامح متبادل
ويقول ان المبدأ الثاني "عبر تفاهمنا عن الامور بشكل عقلاني قد نصل الي تصحيح بعض اخطائنا وقد ندنو معا الي الحقيقة"
لابد فعلا ان يكون الهدف الأسمي هو دائما الوصول للحقيقة وليس الاختلاف الذي لا نصل معه لأي شئ .
العالم كله يدعو الي التسامح وقبول الاخر بأي طريقة حتي و كنت تضغط علي نفسك.
ومن اهم الأمثلة عن التسامح أيضا شخصيات عظيمة مثل "غاندي" و "مالكوم اكس" .
لابد ان تعبر عن نفسك بحرية ولكن دون أن تتغاضي عن أهمية التسامح لنفسك أولا وللعالم كله ثانيا .
تحاور لتصل لهدفك لا ان تجادل لتثبت لنفسك انك الأقوي..اجعل هدفك الحقيقة واذهب اليها بكل حرية ولكن بكل تسامح وتوافق مع الأخرين .