هل تري هذه الصورة بالأعلي..لقد وجدتها في احدي صفحات الكتب وسأروي لكم حكايتها :
في إحدي الأيام رحت أقلب في إحدي صفحات الكتب وكان كتاب بعنوان "ما لاتعلمون" لأنيس منصور..وفي إحدي الصفحات وجدت ما ترونه في الصورة بالاعلي وهي مصورة من الصفحة التي وجدتها بها..
بضعة سطور تقول أن أتصل بصاحب الرقم ..وأحيانا تشدنا الصدف وتجذبنا كالبحر العميق..بعضنا يؤمن بها وبعضنا لا يؤمن ولكن لا احد ينكر جاذبية الصدفة وتطلعنا اليها ..
جلست أيام أفكر في صاحب هذا الرقم..هل هو رجل عجوز ؟ هل مات؟ هل هي إمرأة ؟ من ياتري ؟ وماذا سأقول له ؟ ان قلت اني وجدت رقمه في كتاب فربما يقول عني مجنون أو أدعي ما أقوله لكي أقوم بمعاكسة تليفونية..وهل الرقم مازال موجودا أصلا أم تم تغييره بعد كل هذه السنوات التي كتب فيها صاحب الرقم رقمه ؟ لا أعرف..
ملايين الاسئلة والشكوك تنتابني من كل حدب وصوب كأنني عثرت علي خريطة ولا اعرف هل تقودني الي كنز ربما ام الي تهلكة ؟
بعد عدة أيام قررت أن أتصل بالرقم وبدأت أمسك السماعة في تردد وبدأت أسمع أصوات غريبة..ربما كالفحيح..ربما كصوت الخوار ..ورغم بعد الصوتين الي اني اشعر انهما الصوتان ممتزجان معا في خلطة سرية شيطانية عجيبة ومفزعة الي ان رد أحدهم في صوت إمرأة وقالت : أهلا يا فلان !
قلت في دهشة : لهذه الدرجة حالة التقمص والتأثر بالكتاب ؟
قالت : أي كتاب ؟
قلت وأنا في حالة قلق بالغ : الكتاب...انتي تعلمين ما اتحدث عنه..الكتاب..لماذا قلتي اهلا يا فلان ؟ انها كلمات مكتوبة في الكتاب ..
قالت : نعم كل شئ مكتوب في الكتاب ..أقدارنا وعشقنا وموتنا في الكتاب..ولكن ليس لنا حق الاطلاع علي الكتاب..
قلت في حدة : لا تلعبي بي أرجوكي ..أنتي تعرفين ما أقصد..الكتاب الذي كتبتي فيه ان اتصل بمن يجد الرقم..كتاب أنيس منصور وأنا اتصلت ويالها من مصادفة عجيبة وأظنها ليست جيدة..
قالت : نعم نعم لا تغضب الان تذكرت..أنت "زبون" جديد..و"صفقة" جديدة..نعم نعم
قلت في عصبية بالغة : زبون ؟؟ بعض الاحترام من فضلك فأنا اشعر منذ بداية المكالمة أني أتحدث مع ساحرة مجنونة وبليدة الاحساس .
قالت : لا تغضب فالغضب من نار..وكذلك أنا..وانا لست من عشاق انيس منصور ولكني من عشاق "توفيق الحكيم"
قلت : وأنا ايضا من اكبر عشاق توفيق الحكيم هذا العبقري الفذ من اعظم من كتب المسرحيات والقصص..
قالت : هل تعرف اكثر من تحدث عنه في قصصه ومسرحياته ؟
قلت : بالطبع.."الشيطان"..دائما ما يتحدث عنه في كثير مما كتب ..
قالت : هل تعرف "فاوست" ؟
قلت : الشئ بالشئ يذكر..لقد تحدث عنه توفيق الحكيم في "نحو حياة أفضل" وهي ايضا احد اهم اعمال "جوتة" وايضا تحدث عنه "علي احمد باكثير" والكثير من الكتاب والأدباء.
قالت : عظيم جدا..سنصل لاتفاق سريعا..لو كنت مكان فاوست..هل تريد تغيير العقد ؟
قلت وأنا اضحك : أنا لا أتحمل أن اكون مكانه..ربما انزلق الي ملا لايحمد عقباه..وربما يغريني الشيطان ..اذا كان يعقد اتفاقات أصلا ..
قالت وهي تغير صوتها بشكل غريب الي صوت رجل عجوز : ربما ..كل شئ يبدأ بكلمة "ربما" حتي أنا !
قلت في فزع : ألو..ألو..هل تداخلت الخطوط..أين أنتي يا...ما إسمك أصلا ؟..من أنت ايها الرجل الذي دخل علي الخط ؟
قال في صوت طفل : أنا هي وهو يا عمو ..
قلت : دعك من حيلة تغيير الاصوات التافهة هذه مالذي حدث فجاة..
قال : امازلت لم تفهمني ؟ ..ألم تعرف من أنا ..أنا "هو" بشحمه ولحمة..أو تستطيع ان تقول..بناره ودخانه ها ها ها..
قلت مفزوعا وانا اغلق الخط : أعوذ بالله..أعوذ بالله منك..
قال : لتسمع عرضي أولا ..فالكثير من قبلك وافقوا علي عروضي..
قلت : لا عروض منك ايها الجبان الخائن صاحب ابشع الصفات..ايها المغضوب عليك الملعون الي يوم الدين..
قال : حاولت ان اتوب..
قلت : هيهات ..هذا فقط في خيال توفيق الحكيم..اما الحقيقة انك لا تتوب ابدا..ومازالت تحاول ايقاع الناس بالعقود والاتفاقات والحيل القذرة والألاعيب الدنسة..
قال :هدئ من روعك ولتسمع ما أقوله لك.."قلبك"
قلت : ماذا تريد من قلبي الذي لم يتلوث أيها المأفون النجس ؟
قال : ألم تنتهي قصة حبك القديمة..ربما لا تستخدمه الأن..لماذا لا تتركه لمن يستغله ؟
قلت في حدة : ومايدريك انت بلغة القلوب يا معدوم الرحمة..وهل هناك قصة حب تنتهي ايها الأحمق..وان انتهت يبقي القلب علي الذكري وان انتهت الذكري يبقي القلب ليعشق الحياة وليحيا بالامل..
قال : دعك من هذه الشعارات وأعطني أياه عشرة سنوات فقط وأعطيك مال قارون ثم أرده اليك في نهاية الامر..وهذا هو عقدي
قلت وقد بدأت وسوسته تغريني : وما يدريني بتنفيذ اتفاقك ربما تخون..
قال : جربني..كل من جربوني وجدوني انفذ شروط العقد ولكن هم من يخالفون دائما..
قلت : والله لم اكن لاوافق علي شئ كهذا الا فقط انه مجرد عشر سنوات ولو كانت اكثر لما كنت وافقت ابدا..ولكن كيف سأحيا بدونه ؟
قال : ستحيا ستحيا..انا لن انزعه.سأنزع منه الرحمة والشفقة وبعض صفات اخري
قلت : وسلكن ستبقي هذه الاشياء في تفكيري وعقلي..
قال : دعك من هذا انه عملي أنا المهم ان توافق..
قلت : وافقت ..لعنك الله وأين المال ؟
وفجأة أجد سقف الغرفة قد فتح والسماء كأنها تمطر ذهب وحقائب مليئة بالنقود لا حصر لها ..ولم يبقي مكان اتنفس فيه حتي من الزحام المفاجئ..
هرولت مسرعا الي الخارج ارقص واغني وافكر بما سأفعل بكل هذا المال ..أفتح التلفاز أجد بعض الاعلانات لحالات انسانية تريد التبرعات..أضحك وأقهقه عاليا وحقائب المال حولي..
نزعت الرحمة والانسانية والشفقة..أجد شحاذ في الشارع يمشي خلفي..أخرج بضعة نقود وأحرقها امامه في كل قسوة ودناءة نفس..أشعر اني اريد الذل للجميع..الويل للجميع..الموت للجميع بدون قلبي !
وبعد سنوات..وفي اخر ايام الاتفاق..لم يبقي غير يوم واحد ويرد لي هذا النذل قلبي مرة أخري :
إمرأة : أفق..أفق ..العالم مقلوب من حولك وانت لا تبارح الكأس أيها الملعون..
قلت: من أنتي..
قالت : زوجتك التي تعبت من تصرفاتك وشرك المتطاير في الدنيا بأسرها..هل فعلا قتلته؟؟ قتلته وجأتني تشرب وانا لم اراك منذ شهور كأني احدي العاهرات التي تسهر عندها كل ليلة ؟
قلت وانا في حالة فزع..وكأني لك اكن أدري ماذا افعل : من قتلت ؟ من قتلت ؟
قالت : الكل يقول انك انت القاتل ودبرت لأحد التجار مكيدة ووقع فيها وقتلته محروقا ايها الملعون..
قلت : اين النتيجة..اين النتيجة..اه لم يبقي الا يوم واحد صبرا يا إمرأة..لا أعرف هل ستبقين زوجتي ام لا بعد هذا اليوم
قالت : هل تريد ان تطلقني ايضا حتي انا لن اسلم من شرك وجبروتك..؟
قلت : انتي لا تفهمين..بقي يوم واحد..يوم واحد..او ساعات معدودة ..دعيني اهرب الان..وبعد ساعات ربما اعود انسانا مرة اخري..لقد نزع قلبي مني..
قالت: اه اذا صحيح ما يقولونه عنك..جننت وتصيح باستمرار وتقول .."نزع قلبي وسأسترده" ..من الذي نزع قلبك ايها السكير..
قلت : اخرسي انا لست سكيرا..انا فقط مسلوب الارادة..لم اكن لاشرب هذا الشئ ولكني بدأت افيق..خذ مالي كله ايها الملعون ورد لي قلبي..
وبدأت اصيح في كل شارع : خذ مالي كله ايها الملعون ورد لي قلبي
وبعد ساعات :
هو : أهلا بك مرة أخري..مضت السنوات كلها والأن حقك في ان تسترد قلبك الذي لم استعمله ابدا..لان الحياة بلا قلب افضل..
قلت في يأس: أفضل ؟ أي حياة تلك بلا قلب..أن قلبي ورحمتي هم كل حياتي..أنا الان اعيش حياتك البائسة..الان عرفت لماذا انت شيطان واي حياة تعيش..
قال : انت لا تعرف كيف اعيش فلا تحكم علي..
قلت في تحدي: وهل لي ان اعرف يا هذا ؟ لقد ذقت فقط جرعة من سنين عمرك وها انا الان يائس محطم..انك حقا يرثي لك..يرثي لك
قال وهو يحاول ان يغير الموضوع : والان دعنا من هذا ..أين المال؟
قلت : هل سكرت انت ايضا ؟ أي مال ؟
قال : إقرأ عقدك جيدا..الشرط ان ترد لي المال بالأرباح..أرد لك قلبك..
قلت في غضب : بالأرباح ؟؟ شغل شياطين اذا..ولكنك لم تذكر هذا ابدا
قال وهو يضحك : وهذا هو المكر الشيطاني لقد وقعت علي العقد في لهفة لشوقك الي المال ولكن لم تكن تعرف بنود العقد..
صحت في زوجتي: اين المال؟ اين المال ؟
قالت : اي مال ؟ ومع من كنت تتحدث في الغرفة ؟ هل جننت ؟
قلت : اريد مالي كله
قالت : مالك ؟ احمد الله اني اعيش معك الان..انت مفلس منذ ثلاث سنوات بل ومديون أيضا..هل تريد شيئا أخر بعد ان بعت ذهبي وكل ما أملك ايضا ؟ لعنك الله..
قال هو مرة أخري : وداعا يا هذا أكمل حياتك واذا ما اعطيتني مالي اعطيك قلبك مرة اخري..
واختفي ولم يظهر أبدا ثانية..واتهموني بالقتل..وفي احدي عنابر السجن :
عسكري : زيارة..زيارة
قلت : لي أنا زيارة ؟
العسكري: نعم لك..شخص غريب الاطوار بالخارج يريدك..
خرجت لألاقيه مرة أخري ..وكان رجل في سن الثلاثين تقريبا مجعد البشرة كثيف الحاجب كان وجهه محترق قليلا
قلت : من انت ؟ هل تعرفني ؟
قال : أحمل اليك قلبك
قلت في فرح عارم : قلبي ؟؟ أحقا ما تقول ؟؟ قلبي أنا ؟
قال : جمعت الالوف من قلوب البشر حولي وبرمت الالوف من العقود..واخذت من كل منهم صفة واحدة..فغلبت رحمتهم علي قسوتي..فالأن ارد القلوب الي اصحابها ..
قلت : الحمد لله..توبة حميدة يا هذا..اعطني قلبي الان كم اشتقت اليه..وهل سأخرج من هذا المكان ؟
قال :نعم ستعود ليوم الهاتف مرة اخري..يوم المحادثة..مع المرأة ..واياك ان تقع في الشرك مرة اخري..كن قوي الارادة
قلت : نعم نعم طبعا..
وهكذا البشر وهكذا الشيطان..وزع الشيطان كل القلوب مرة اخري فلم يبق حوله ولا قلب واحد فعاد شيطانا ..
وعاد البشر بقلوبهم الي يوم العرض علي الهاتف مرة اخري..فزاغب قلوبهم مرة ثانية وكرة ثانية..
وبقي الصراع بين الخير والشر..
وكانت اخر مكالمة :
إمرأة : أهلا يا فلان..! هل تعرف فاوست ؟
1 comment:
الله عليك مبدع مبدع ..رائع اخي الكريم اسلوبك جميل جدا وشيق ومدونتك انا مداوم علي قرائتها دائما ومتابع كل كتاباتك القيمة وفقك الله دائما
Post a Comment