التوقيت : الثانية عشرة في منتصف الليل في يوم من الايام التحريرية العظيمة
المشهد : داخلي ليل في المنزل وبقية المشهد أزهار وجنة خلد لصديقي الشهيد
الحدث : قالوا "قتل مع سبق الاصرار والترصد" .. قلت " استشهاد وحرية"
قالوا "استنشاق للغاز" قلت "استنشاق لرياح الحرية وربيع الفردوس"
"سقط" شهيدا..لم يسقط ..الشهيد لا يسقط كما يقال في الخبر ..الشهيد يعلو ويسمو..فأقول "تسامي شهيدا"..
كان كل حلمهم "الشروع في وطن" ..وكان كل حلم القتلة "الشروع في قتل" !
كان كل حلمهم "ان تصل مصر" وكان كل حلم القتلة "ان تصلي لهم مصر" ..
"أحمد فاروق" صديقي العزيز..أكتب اليك وهي المرة الأولي التي أراسل فيها شهيدا ولا اعرف كيف ستصل رسالتي الي عنان السماء..
لا اعرف كيف اشكر ملاكا علي حمله الرسالة اليك في أكرم جوار..
أخبرني كيف تري العالم عندك بدون حرس السلطان القاتل وبدون الظلم ودون قنابل ورصاص الغدر !
أخبرني كيف تري السماء وكيف ترانا علي الخريطة من مشهد أعلي مجرد "بقعة دم" حمراء في جسد الدنيا..
أخبرني كيف هو شكل العالم عندك ..عالم بدون فساد ولا أحلام تجهض ولا وطن يمزقه العسكر..!
وأتوسل اليك أن تخبرني يا صديقي "كيف إستقبلتك السماء وصف لي فرحة الملائكة بشهداء التحرير وصانعي الحرية والمجد ..
لقد افتقدنا "شقاوتك" و "طيبتك" و "عنادك" و "قلبك الطيب" ..
افتقدنا روحك الحرة الممتلئة بالحياة والمفعمة بالشباب ..
افتقدتك صديقا ولكن لن افتقدك شهيدا ..
مقتول علي الورق..شهيد هي الصفة..خالد في قلوبنا هي الحقيقة..
أجمل شئ يا صديقي انك أصبحت قرينا لذكري ام الدنيا مصر..
كلما تحدثنا عن الحرية نتذكرك..كلما نتحدث عن الشهادة نتذكرك..كلما تحدثنا عن حلم الوطن نتذكرك..
فكم هو جميلا أن تخرج شهيدا من أرض مصر لتعيش حلما في قلب ونبض مصر ..
عزيزي "احمد فاروق" ..حزين جدا لأني لم اعانقك عناقا اخيرا ولم أري وجه الشهيد قبل ان يستشهد..
دموع الاصدقاء لرحيلك يا عزيزي هي تقديرا للمواقف ..وكم سقطت من دموع يوم رحيلك لتثبت أنك صديق المواقف والشهامة والطيبة..
كلما سمعت صوت "فيروز" تذكرتك وتذكرت اغانيك القديمة التي كنت تحبها حتي اصبحت انت تعيش داخلنا اغنية وشجن..
اصبحت تعيش في قلوبنا نشيدا وجلجلة حياة وهمهمة ملائكة ..
ستبقي شهيدا لمصر ونبقي شهودا علي قتلة الشباب..
لم يأخذوا منك ربيع العمر بل هم أعطوك بغدرهم عمر الربيع ..
لم يأخذوا منك عمر الزهور بل هم أعطوك بظلمهم وقتلهم زهور العمر ..
سنصلي لك وندعو ..وادعو لنا عندك وادعو لنا بجوارك في الخلد..
قد يرحل البشر وتبقي منهم صداقة وصدقا وموقف واخلاص..
وقد تبقي منك كل ذلك فأظنك تتجسد امامنا بشرا سويا وتبقي لحن خلود وارتجال سماء ..
بشر مثلك لا يرحلون ولكنهم يرتحلون..
ترتحل في كل خلايانا وذاكرتنا وأيامنا ورائحة الحرية فينا ..
انتفض كثيرا حين أري صورك وذكراك ثم ابتسم واتذكر طيب مقامك الأن وحسن خاتمتك..
انتفض كثيرا حين اري صور ابنك الصغير وهو يفتقد حنية أب وصديق مثلك..
ولكنا حين انظر جيدا في الصورة اراك تتحدث وتقول لنا "لا تقلقوا فأنا هنا لست أعيش الواقع بل انا أحيا الحلم كاملا والحرية المطلقة" فيطمئن قلبي..
أرك تقول من السماء"اشتقت لاهلي واصدقائي ولكني اشتقت لوطن حر أكثر"..
تنطق حروف اسمك يا صديقي بكل ما فيك من قوة الحرية وحرية القوة
الألف في إسمك حرف الاخاء
والحاء حرف الحرية
والميم حرف المودة
والدال انت كتبتها بشهادتك..حرف ل "دولة الامل والحلم والوجود" .
الموت يا صديقي هو اكبر تجارب الحرية ..
نخرج من صندوق خشبي ضيق الي افق واسع وفضاء رحب ليريك الله طعم الحرية الحقيقية ورائحة الحياة التي نحلم بها ..
الموت يا صديقي هو تجربة حياة ..
فنحن ناخذ من الحياة دروس مستفادة ولكن موتنا في النهاية هو أكبر درس لمن يحيا..
الموت يا صديقي هو البداية..
بداية حياة جديدة لمن يحبوك ويعيشون لك ويدعون لك سنين العمر وبداية حياة أجمل وأرقي وأسمي لك..
يريد العسكر ان يجعلوا من الموت "إمتهان" فأبي الشهداء الا ان يجعلوه "مهنة"
يريد القتلة ان يجعلوا من الموت "انهيار دولة" فأبي الشهداء الا ان يجعلوه "انهار جنة"..
أري في وجهك يا صديقي ثلاثية الموت والحياة والحب ..
وأري في موتك رباعية قدر كأن استشهادك هو احدي رباعيات صلاح جاهين او رباعيات الخيام ..
لن اقول وداعا ..نملك قلبا واحدا للفراق وخمسة اصابع للوداع..ولكني سأظل أقدرك بقلبي الواحد ولن نودعك بأصابع الوداع..
ستظل معنا رسالة وطن وحرية ..
ستظل رسالة الي السماء كتبت عليها الملائكة "لمن يهمه الأمر" ..
ستظل إنتصارا وإفتخارا وقدرا
ستظل صديقنا الطيب الكريم "أحمد فاروق"..
قتلوك "ضعفاء" ولكنك قتلتهم بشهادتك..
قتلوك "مواطنا" وقتلتهم "وطن"..
قتلوك "قهرا" وقتلتهم "حرية"..
قتلوك "مصرين" وقتلتهم "مصر"..
قتلوك "قنبلة" وأهدتنا انت "سنبلة"..
الي جنة الخلد صديقي..
الي جنة الشهداء..
رسالة من صديقك / معتز
مرسلة مع / ملاك في السماء