الكل يلام..الكل مخطئ في حق مصر ..والكل يعتبر نفسه ضحية ولا يعرف من هو الجاني ولكن ما اعرفه جيدا هو اننا كلنا ضحية نظام مبارك االقمعي .
حركات اسلامية تريد المشهد السياسي كاملا وحركات ليبرالية ترفض ان تعطي لهم المساحة وناشطين يعتبرون ان اي حركة او اي تدخل من الداخلية صار جريمة نكراء دون معرفة سبب التدخل ولكن دائما الكل يفترض الداخلية هي الجاني وهي دائما مرتع الأمراض النفسية والفساد فقط والباقي ملائكة .
شاهدنا المؤشرات الخطيرة من جمعة أمس وكما تحدث عبد الله السناوي الكاتب الشهير عن ملامح مشهد جزائري وربما انقلاب عسكري وشيك وتحدث ايضا عن ان البعض يريد لمصر مصير قندهار ورغم نبرة التشاؤم في صوت السناوي الا ان قرائته للمشهد السياسي في مصر شاهدها العديد من الكتاب ورؤساء الاحزاب في مصر أمس وخصوصا مع هتافات تقول "لا مدنية ولا غربية" أي ان حتي حلم الدولة المدنية يتلاشي تدريجيا بعدما تلاشت المطالب الرئيسية مثل "عيش حرية عدالة" واصبحنا لا نملك منهم أي شئ الان .
وكما تحدث الكاتب نبيل عمر واساتذة القانون عن ان الدستور في اي مكان في العالم هو "توافق" وليس أغلبية يري البعض ان يحتكم للصناديق ولكن لابد ان يعرفوا من خلال خبراء القانون ان الدساتير في كل العالم توافقية وكما شاهدنا الدعوة في تركيا لكل الاحزاب لعمل دستور توافقي وغيرها من البلاد والتجارب الا عندنا في مصر نريد دائما ان نستمع للاغلبية او صوت الصناديق في اشياء ليست خاضعة الا للتوافق لانه دستور يمهد لحياة ديمقراطية جديدة وليس لفئة معينة تحصد الاصوات وتحشد الحشود.
صرنا منقسمين اكثر فأكثر مع مرور الوقت بل ان البعض افتي بعدم جواز التصويت للعلمانيين او الليبراليين بينما سمعنا صوت العقل من هذا الاتجاه من الشيخ محمد حسان حينما قال ان التصويت يكون للأفضل دائما وكما قرأنا في مقالة ابراهيم عيسي "النبي ينتخب الأكفأ " ووضح فيها ضرورة اختيار الأكفأ وليس الأكثر تدينا فقط وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يختار الأكفأ في الادارة حتي ان كان هناك من هو اكثر تدينا منه وضرب امثلة بعمرو بن العاص وغيره من الاداريين الذين اثبتوا كفاءة في الادارة .
صارت موجة التكفير تضرب كل مكان ومن الطرف الاخر الاتهام لبعض التيارت بانهم يريدون عودتنا لعصر ولي وانتهي ..بعد ان كنا صفا واحدا في ثورة يناير الخالدة والتي تحدث عنها العالم اجمع الان انقسمنا الي اسلامي وغير اسلامي وكأن من خارج الاحزاب الاسلامية كافر او خائن لدينه !!
وصارت ازمة الوعي الديني كما هو اسم كتاب الكاتب الكبير فهمي هويدي هي المعضلة الاساسية ويتحدث في فصل من فصول الكتاب عن مقولة الغزالي في كتاب "مشكلات في طريق الحياة الاسلامية" حين يقول الغزالي :
"ان تخلف العالم الاسلامي يهدد كلمة التوحيد فيه وان الاستبداد السياسي يتحمل مسئولية اكيدة عن هذا التخلف ولا يعفي من ها المتحدثون في الدين الذين شغلوا انفسهم بالبحوث الكلامية الغيبية والفروع الفقهية الوهمية والكراسات التي حفلت بحشو لا اخر له ثم عدت ذلك كله العلم الذي لا علم معه "
احيانا حينما يتحدث البعض باسم الدين يكون مقتنعا ان الحوار منتهيا وانه العالم بالدين والطرف الاخر لا يجوز له ان يناقش لانه يتحدث باسم الدين او انه لسان السماء علي الارض مثلا ونري مثلا بسيطا في رواد جراحات القلب قديما "فيفيان توماس" الذي هو يعد من اكبر قصص الكفاح في العالم والوصول لهدفه بعد ان حصل فقط علي الشهادة الثانوية ولكن عبقريته جعلته شريكا مع الطبيب "الفريد باليلوك" الذي شجعه علي الاستمرار رغم لونه الاسمر والاضطهاد له دائما هذه القصة لها علاقة بما نتحدث فيه لان الهجوم عليهم كان قاسيا جدا باسم الدين وانهم يريدون التجرا علي جراحة القلب وهو المكان الذي قال الله ان لا نمسه !! ولكن بالطبع كان هذا مفهوم البعض او بعض رجال الدين ولكن الله لم يقل ان لا نمس القلب بعلاجه .
اي ان القصد من القصة ان البعض يظن انه يتحدث باسم الدين وهو لا يتحدث الا باسم فهمه للدين وهناك اختلاف كامل بين الجملتين .
وارجو من بعض الذين يتحدثون عن الطرف الاخر باضطهاد او هجوم بصيغة مثلا "وانت تفهم ايه انت في الدين يا منحل" او "ده كلام ربنا اعترض بقي علي كلام ربنا يا فاسق" ان تنتهي هذه النبرة لاسباب عديدة وخصوصا في هذه المرحلة فاذا اعتبر هذا الطرف في النقاش ان الثقافة هي في قراءة كتب ابن القيم الجوزية فربما الطرف الاخر ينعته بالجهل ايضا لانه لم يقرأ لشارلوت برونتي او اميلي برونتي او ايفان تورجنيف او يري افلام مايكل مور او يقرأ كتب ناعوم تشاموسكي او يري لوحات وكتب جبران خليل جبران .
فما اقصده ان مفهوم الثقافة مختلف كثيرا عند اي طرفين في الحوار فلا يجب ان نضع انفسنا موضع احراج سواء الطرف العلماني او الطرف الاسلامي فلا ينعت احدهم الاخر بالجهل لان الثقافة عند كل منهم يراها بمنظوره فالقارئ الاسلامي قد يتهم العلماني بالجهل لانه لم يقرأ كتاب البخاري كاملا ويقول له "لا تتحدث في الدين ارجوك" والطرف الليبرالي قد يتهم الطرف الاسلامي بالجهل لانه لم يقرأ كتب الفلسفات السياسية الغربية او الحكومة المدنية مثلا لجون لوك ويقول له "لا تتحدث في السياسية ارجوك" اذن فنحن امام مشكلة حقيقية في الحوار بين الطرفين دائما ما تنتهي بسذاجة معتادة وهي الصوت العالي وجملة "انت مبتفهمش" "انت جاهل" او "ايه اخر كتب قريتهم" ونفس نوعية الجمل التي ينتهي بها الحوار عندما يصل احد الطرفين بالاخر لخانة اليك ..فالطرف الاقوي المفترض ان تجد دائما معه الحجة ولا ينتعت الاخر بالجهل او يهجم عليه لانه وصل معه لطريق مسدود ولم يعرف كيف يقنعه بحقائق ملموسة .
ولكن لا اتعجب ابدا من نوعية الحوار بين الاطراف سياسيا ومجتمعيا اذا كان قدوتنا مثلا في الحوار بين المثقفين هو برنامج "الاتجاه المعاكس" الذي تري فيه فضائح الحوار ونوعيته بين الاطراف السياسية واحيانا السياسية والدينية معا وتري الانحطاط في الحوار في بعض الحلقات والهجوم حتي بالكراسي في بعض البرامج !
واصبحت للاسف ساحات الحوار ساحة حروب وتجد الطرف الاسلامي يقول "انا بتكلم بسم الدين خلص الكلام" والتاني يقول "انا بتكلم باسم الحرية والمدنية خلص الكلام " ولا تجد منهم الا متحدث باسم نفسه وباسم مصلحته ولمعة مشهد الكرسي في عينيه !
وتجد الطرفين دائما لا يلتزموا بحرف واحد بكتاب مثل "ادب الحوار في الاسلام" ومتطلبات الحوار الراقي الاسلامي الحضاري ولكن العنف يكون سيد الموقف والهجوم ثم الهجوم ثم الهجوم .
ويتحدث البعض عن الشيخ الذي سيحرر مصر من دولة الكفر بينما يتحدث العلماني عن مرشح اخر سيحرر مصر من عقول القرون الماضية والجهل !!
أي سفه هذا من الطرفين !!
عن اي كفر تتحدثون ونحن مصر بلد الازهر ولماذا دائما ما يهاجم العلمانيين الاسلاميين علي انهم عقلية قرون وسطي !!!
ولا اوافق علي ان تسمي العلماني "كافر" ولا ان تسمي جمعة الاسلاميين "جمعة قندهار" .
وصارت العنصرية والاضطهاد في التصريحات من الطرفين الاسلامي والعلماني وتزداد حدتها يوما بعد يوما وتزداد لغة الهجوم في الخطاب يوما بعد يوم دون ان نري حوارات حقيقية ولغة تغلب فيها مصلحة الوطن علي الجميع..الكل يريد مصلحته الشخصية الكل يريد ان يحكم ويأمر ويعيد مبارك في شخصه من جديد فان تولي الاسلاميين فالظاهرات حرام وان تولي العلمانيين فسيحاولون التضييق جدا علي الاسلاميين ولا تصدقوا احدا من الطرفين ..فالبعض يهاجم الاسلاميين بشدة والبعض يهاجم العلمانيين والليبراليين بشدة وانا اهاجم الاثنين معا كواحد من الغيورين علي مصر واقول ان مبارك فاسد ولكني اري من هو أفسد قادم لمصر وارجو ان يكون ظني خطأ.
اشعر بسيناريو روسي قادم لمصر مثلما بين ميدفيديف وبوتين حينما ينصح الحاكم بتولية الاخر لانه اكثر شعبية منه في لعبة سياسية ذكية من الطرفين ..!
فهل سيفعلها الرئيس القادم لمصر وهل سيترك لنا المجلس العسكري حتي اختيارات محدودة في النهاية !
وفي نفس الوقت اهاجم طرفا ثالث وهو الناشطين السياسيين الذين يظنون ان مصر هي فرنسا او انجلترا فجاة ! نعم كلنا يريد الحرية ولكن بعض الناشطين تراهم يتحججون احيانا للداخلية باي حجة للهجوم عليهم وكانها صارت مسألة ثأر شخصي وليست لمصلحة مصر .
نسي بعض الناشطون ان العنف من الامن لا يحدث فقط في مصر بل حتي في جميع دول العالم ورأينا ما حدث في اليونان وقنابل الامن وعصاه الغليظة وايضا ما حدث من الامن الامريكي والهجوم العنيف علي حركمة "احتلوا وول ستريت" واعتقال العشرات منهم وما رايناه من عنف ضد المحتجين في اسبانيا حتي وهم يفترشوا الطرقات وما حدث في انجلترا سابقا بهجوم الامن بالخيول علي متظاهرين وفي كندا بعد حادثة المباراة الشهيرة التي كان بها العديد من المصابين في شوارع كندا اليست هذه امثلتكم التي تلجأون اليها وتقولوا "في دول العالم كله مبيحصلش كده " !!
أليست هذه النماذج التي تستشتهدون بها دائما ام هي الان لا تعرفونها !!
نعم الامن يخطئ ولكنه يخطئ ويصيب والامن في العالم كله يكون له خطوط حمراء ونقاط معينة اذا تجاوزها المتظاهرون فانه يتدخل في اي مكان بالعالم .
ان كان الامن المصري مرتع للامراض النفسية كما تظنون فانظروا ايضا ما يحدث في صفوف الجيش الامريكي مثلا من امريكي يقطع اصبع مواطن افغاني ليحتفظ به تذكار !!اي ان الجنون والمرض في كل مكان .
والأمن مخطأ بالطبع لانه لا يستطيع ان يقهر ظاهرة البلطجة في جميع المحافظات ويتراخي دائما في القيام بعمله ثم فقط يقوم بعمله ضد من يتظاهر في التحرير وكأن كل عمله اصبح التحرير.
الأمن المصري صار في عناد مع الثورة والثوار بمنطق واحد وهو "خلي الثورة تنفعكوا" ! وكأن الثورة قامت فقط ضد الداخلية وليس ضد نظام كامل وكأن الثأر سيستمر طويلا من الشعب المصري كله !
ثم ايها السادة الناشطون المثقفون قبل ان تحتجوا اعرفوا اساليب الاحتجاج اولا وكيف يحتجون بالخارج دون تعطيل لحركة المرور او قطع الطرقات وحتي اذا تم قطع الطرقات فلابد ان نعلم جميعا ان هنا تكون لحظة تدخل الامن لان قطع الطريق في اي مكان كارثة تهدد البلد .
وكيف يكون الاضراب في الخارج بنصف قوة العمل اي ما لا يعيق العمل بالكامل عكس ما يحدث عندنا في مصر .
فاذا اردت ان يصل صوتك فاوصله بالسلمية فقط والتزم السلمية الحقيقية ولا تتخذ من الشرطة دائما ذريعة للرد بعنف وحرق سيارات الامن التي هي من جيب كل مصري وكلنا يعلم هذا .
نجلس في الوقت الخطأ ونعتصم في الوقت الخطأ ثم يتدخل الامن لفض اعتصام خطأ فيتحدث الجميع فجأة عن الامن كأنه ارتكب اكبر مذبحة في تاريخ الانسانية ويلجأ لمنظمات حقوق الانسان التي تحتفي بمثل هذه الحوادث تقريبا للادانة والظهور علي شاشات التليفزيون دون معرفة اي تقارير اقتصادية كارثية اخيرة لمصر وما يوشك اقتصاد مصر عليه.
وكأن مصر الان صارت بالفعل فرنسا في جميع النواحي ولم يتبقي الا نقطة المعاملة الادمية فقط اما الانتاج وغيره فنحن سادة العالم كما يظنون !!
وما حدث في دمياط خسرت مصر فيه ارقام فلكية حتي وان كان معهم الحق فانتبهوا لاهمية التوقيت لانها نقطة حساسة جدا .
لا اعرف ايها السادة الناشطون كيف لا نعلم الناس اساليب الاحتجاج السلمي وكيف يصل صوتنا دون ان نضر باقتصاد الدولة .
لماذا لا تعلمون الناس كيف تصل اصوتهم دون كوارث ومشاهد بشعة علي الشاشات تدمر السياحة تدميرا حقيقيا.
لماذا لا تعلمون الناس كيف اذا طلب منا الامن الانصراف من مكان ما ان ننصرف ثم نعود لاحقا اذا اردنا ولكن دون الرد بالطوب وحرق السيارات ثم نقول "سلمية" !!
أيها التيارات الاسلامية ..أيها العلمانيون..أيها الليبراليون..أيها الناشطون..ستجعلون البعض يندم علي سقوط الطاغية..
ستجعلون البعض يتمني عودة طاغية جديد..
جعلتوا معظم الشعب يربط ما يحدث بالثورة ويبدأ في كره الثورة ..
ايها السادة رفقا بمصر ..
رفقا بشعب مصر..
1 comment:
تحليل ممتاز ومدونة فوق الرائعة
Post a Comment