لم يكن الاستاذ سامح سوي مدرس بسيط في مدرسة صغيرة نسبيا لا يصبره فيها الا حب مجموعة الطلبة التي تحيط به وتعتبره قدوة ومثل..
كانت ظروف الحياة اصعب واقوي من 120 جنيها يتقاضاها الاستاذ سامح شهريا بعد تعب ومجهود شهر كامل بدون اي دروس خصوصية لانها ضد مبادئه ويراها استغلالا للفقراء..
كان اغرب حدث يوميا في صاة الفيديو جيم هو اجتماع الطلبة والمدرس سويا داخل الصالة للعب العاب الفيديو العنيفة القتالية يوميا..كانت بالنسبة للاطفال متعة وتمضية وقت بينما كانت للاستاذ سامح قصاصا واخراج جرعات الغضب المكتوم والانين .
العامل في الصالة : كوين جديد يا استاذ سامح ؟؟
سامح : ايوه يا مدحت هات كمان واحد ويبقي عليا ليك 2 جنيه
كان مدحت عامل الصالة هو الوحيد الذي يشعر بحالة الاستاذ سامح وانه لا يلعب للمتعة بل للظروف القهرية التي تحيط به من غلاء الاسعار وعلاج امه الفقيرة وبيته المنتكس وحالته الصعبة حتي ان استاذ سامح يصرف معظم مرتبه الهزيل في صالة الفيديو ونصحه مدحت اكثر من مرة بان لا يصرف الاموال في الصالة بلا جدوي حيث كان يراها الاستاذ سامح تنفيثا له واخراجا لهمومه اليومية.
مدحت : تلعب لعبة ايه النهاردة يا استاذ سامح ؟
سامح : هاتلي اعنف لعبة عندك..وهاقفلها
مدحت: محدش قدر يقفلها قبل كده
سامح ينظر اليه ساخرا : جربني يا سيدي
كانت كل قبضة وكل لكمة يوجهها الاستاذ سامح في اللعبة لم تكن لهذه الاشخاص الكرتونية الوهمية بل كانت تتمثل دائما امام عينيه باشخاص معينة ربما شخص "القهر" ربما شخص "المرض" ربما شخص "الحكومة" وافعالها الدنيئة التي عيشت الناس حياة غير ادمية علي الاطلاق.
كان الاستاذ سامح لا يسمع حوله سوي كلمة "براحة علي الزراير" لانه كان يلعب بغضب عارم وعنف شديد واثناء اللعب ظل الاستاذ سامح سارحا قليلا ويسند راسه الي الجدار المجاور وهو يلعب
يتذكر يومياته في المنزل :
الام : متنساش يا سامح الدوا وانت جاي والنبي يا ابني ربنا يكرمك
سامح: حاضر يا امه انا هاعمل اللي في وسعي واجيبهولك انا داخل جمعية مع الشباب وهاقبض النهاردة
الام: ربنا يجازيك خير يا ابني انا تعباك معايا
سامح : متقوليش كده يا امه ده انتي الخير والبركة
ويزداد ضغط الاستاذ سامح علي الازرار ويصل لمرحلة متقدمة جدا في اللعبة لم يصلها احد من قبل في الصالة تقريبا ببراعة فائقة وسط دهشة الجميع من اسوب لعب سامح
ويتذكر الاستاذ سامح مشهدا اخر من حياته اثناء اللعب :
جار من الجيران : يا سامح هنعمل ايه يا ابني في موضوع البيت..البيت هيتنكس ولا ايه مصيره ؟
سامح : يا عم طلعت ان شاء الله كل حاجة هتبقي تمام بس ادعيلنا نخلص الشكوي دي ويردوا علينا
الجار: ربنا يسهل يا ابني لو البيت جراله حاجة مش عارفين هنروح فين
سامح : الحال من بعضه يا عم طلعت ربنا يسترها
يزداد الضغط لاستاذ سامح علي الجهاز ويكاد ذراع اللعب ينخلع في يده وهو يضرب كل الشخصيات في اللعبة ويصل لمراحل اكثر تعقيدي وسط صيحات التلاميذ "سااامح ساااامح "
تشجيع حار لطلبة الاستاذ سامح الذين يعشقونه جدا ويرونه واحدا منهم بل ويشاركهم العابهم ايضا
كان التليفزيون الوحيد داخل صالة الالعاب مكتوم الصوت وكان اليوم هو 25 يناير وفجاة صاح "سامح " :علي شوية الصوت يا مدحت معلش
مدحت : بس كده مش هتعرف تلعب
سامح: مش مهم عايزين نشوف ايه ده بالظبط
مدحت: انت مجبتش الجرايد انلهاردة ولا ايه ؟ في مظاهرة بيقولوا كبيرة قوي في مصر
سامح: مظاهرة ؟ طب علي شوية
ظل سامح يلعب اللعبة ويضغظ علي الازرار وهو يسمع باذنيه ما يقال في نشرة الاخبار عن المظاهرة التي تحولت الي ثورة ويسمع اصوات ويري في لفتة عين للشاشة كل فترة صورة المياه التي تسقط فوق المتظاهرين في عنف واضح ويتذكر المياه التي كانت تسقط فوق وجهه كل يوم من سقف البيت المشقوق من الفقر والجوع
الام : مش هنصلح السقف ده يا سامح ؟
سامح: ربنا يسهل يا امه بس مافيش فلوس نجيب واحد يصلحه
الام: يا ابني بيع حتة الدهب حتي ونصلحه بدل ما تصحي كل يوم الصبح علي مية بتقع عليك انا همي رضاك يا ابني وراحتك
سامح: لا يا امه دهبك عمره ما هيتباع
ثم يري سامح مشهد ضرب المتظاهرين بالعصا الغليظة من الامن المركزي فيتذكر مشهد تعرض له سابقا حينما شهد في قضية ضد ناس مسنودة :
البوليس : افتح يا روح امك
سامح: في ايه يا باشا انا امي تعبانة
البوليس: امك ؟؟ انا ماليش دعوة اتفضل معايا يا حبيبي
سامح: ليه بس يا باشا ؟
البوليس : ليه ؟؟ انت مش عارف انت شهدت علي مين يا روح امك ؟ هاتوا الكلب ده
وتعرض سامح في القسم لكافة انواع التعذي ليغير شهادته امام النيابة..
ضغط سامح الازرار بعنف واضح في اخر مرحلة من اللعبة وكاد ان يصل الي المرحلة النهائية او "الوحش" الاخير لنهاية اللعبة وفجاة يعلو صوت الاخبار لناس تشتكي في الشارع "بيعذبونا ويضربونا..المن المركزي بيضربنا ويسحلنا في الشوارع حراااام يرضي مين ده يرضي مين ده ؟ "
وفي اخر المرحلة وفي نهاية اللعبة يكاد سامح يحقق انجازا غير مسبوق في صالةالالعاب بتقفيل اللعبة الصعبة جدا ويترك فجاة الصالة ويجري بطريقة غريبة ويسأله مدحت : علي فين يا استاذ سامح؟؟مش هتقفل اللعبة ؟؟ ده انت فاضلك الوحش الاخير
سامح: معلش يا مدحت انا رايح فعلا للوحش الاخير !
وجري سامح بعرض الشارع وطوله للوصول للمظاهرات والانضمام للمتظاهرين متذكرا كل ايام الفقر والحرمان التي عاشها في ظل جبروت تلك الحكومة الفاسدة
وكان اغرب ما في المشهد هو جيبه الملئ بالكوينز للعبة والتي ظلت تتساقط طوال فترة هرولته في الشارع الي ان وصل لمكان المظاهرات ليشتبك مع الامن المركزي وفي نفس الوقت كان في الصالة طالب من المدرسة اكمل ما فعله الاستاذ سامح وهزم الوحش الذي وصل اليه الاستاذ سامح بينما كان الاستاذ سامح يهزم الوحش الحقيقي..الوحش الذي اكل البلد ومضغها بين انيابه..
طالب : هو الاستاذ سام جري علي فين يا عم مدحت ؟
مدحت : راح يهزم الوحش الحقيقي يا حبيبي وسابلك الوحش ده تهزمه انت بمعرفتك .
وان كانت مسرحية ..وان كان سينزل الستار الان ..فربما يمثل مدحت دور "الظروف" والكوينز "تصبيرة علي الحياة" ..والوحش "نظام فاسد" ..وسامح "كل مواطن مصري "..!
No comments:
Post a Comment