Saturday, February 14, 2015

هيتشكوك يقف علي قصري الرملي....قصة قصيرة





كان مولعا بالمسرح ..يقرأ قديمه وحديثه ..تراجيديته وساخره ..يعتبر المسرح كما قال عنه توفيق الحكيم أكثر تنظيما من فنون أخري..ويعشق الافلام الاجنبية وجميع اعمال هيتشكوك ..وبرغم عمله في احدي الكافيهات ذات المستوي الضعيف الا انه كان يقول لنفسه الجملة الشهيرة " حب ما تعمل حتي تعمل ما تحب" واستمر في عمله بكل اخلاص وتفان حتي جائت اللحظة التي اقتحمت حياته "سالي حامد" ..لحظة قد يتوقف عندها التاريخ ويشير اليها التقويم العشقي بلحظة "الصفر" ..لحظة الألف..ألف البداية والنهاية ..ألف القلب وبذرة العاطفة الأولي في قلبه الذي اعتبره سابقا "أرض بوار" .

سالي كانت خريجة كلية تربية ولم تجد العمل المناسب لها كحال اغلب الشباب والفتيات في هذا العصر فاضطرت الي هذا العمل مؤقتا ..كان اليوم هو اول يوم لها في " كافيه اداجيو"  علي اسم رواية لابراهيم عبد المجيد ..كان أول يوم لها وأول يوم لنبضه التائه بين ضلوعه ..شعر كأنها احدي ابيات ارثر رامبو الغريبة ..لم يتمالك الا ان ينظر الا اصابعها ..نعم كانت نظرته الأولي لأصابعها ليري ان كان هناك خاتما ملعونا ام لا ..لم يجد..عرف من يومها ان أصابعها ستخترق بسهولة قلبي الهش كما يخترق الاطفال القصر الرملي أمام بحر ..بحر لديه اصرار علي قتل الأحلام في قصرها ..والأمال في مهدها !

قالت له في اول يوم بابتسامة تحرك عالمه ومجراته : اهلا استاذ أدهم ..

مدير العمل: استلم بقي يا سيدي دي سالي زميلتك الجديدة عايزك تعلمها كل حاجة في الكافيه ..ادهم من اكفأ الموظفين عندنا اتطمني انتي في ايد امينة.

قال ادهم في انكسارة : اهلا نورتي...

وكان يقول لنفسه .."نورتي كل حاجة فيا" ..!

أدهم كان يتيما منذ الصغر يفتقر الي الحنان والعطف حتي من اقرب الناس له ..لم يحصل ولو علي قدر ضئيل من العاطفة والحب من خالته التي اهملته وكانت تهتم بأبنائها فقط وحتي حبه الاول سرقه منه ابن خالته الأكبر ..نعم لقد سرق حبه الأول وترك بعدها البيت مهموما حزينا حتي قرر ان يهرب ويعيش وحيدا ويعتمد علي نفسه بعد التخرج ويخرج عن عالم خالته الظالم القاسي .

كل شئ أحبه اخذوه منه..مسرحياته , رواياته, حتي البنت التي احبها ..انهم لم يرحموه يوما وأصبحت حياته نفقا مظلما يشتاق لنور العطف في نهايته .

يشعر بالضعف ويشعر بالحرمان الي من يحبه حقا من قلبه ..في غرفته الخاصة كتب عبارة بخط عريض "من يشتري مملكتي بحصان ؟"  وهي الجملة الشهيرة في مسرحية شكسبير ..كان يستخدم هذه الجملة خارج اطار المسرحية للتعبير عن انه مستعدا لبيع عالمه بالكامل من اجل الحب ..الحب الحقيقي المحروم منه.

انغمست سالي في العمل وبدات تتعلم منه كل شئ تقريبا وهو كان دائم الخجل وينظر لها نظرة كأنها استاذته حتي انها كانت تتعجب من خجله الشديد وقالت له : انت ليه مكسوف مني استاذ أدهم ده احنا بقينا عشرة دلوقتي في الشغل .

جن جنونه من تلك العبارة..هل تريد ان تتقرب منه؟؟ هل تحبه؟؟ ..البعض يأخذ مقاصد الغير حسب توجهاته بل ويثبتها لنفسه علي انها حقيقة ثم يتعامل مع الحقيقة علي انها مسلمات !!

رغم انها لم تقل شئ تقريبا الا انه اعتبر انها اول اشارة.."اتبعوا الاشارات" نعم نعم هكذا قالوا..سأتبع الاشارات ...اعرف انك معجبة بي يا سالي وأنا ايضا صدقيني ..صدقيني يا "حبيبتي الأبدية" !

عرفت ولعه بالمسرح..انه لا يفارق كتب المسرح في اوقات الاستراحة من العمل ..وفي احد الايام انقض كالمجنون علي احد الزبائن بعد ان غازل سالي ببعض العبارات السخيفة..كاد ان يفتك به ..وكاد ان يفقد عمله لولا كفائته التي شفعت له عند مديره ..

خرج من المشاجرة منفعلا بنظرة نارية تعجبت منها سالي وقال وهو يزفر بجنون : المجنون..هو فاكر ايه..ده انا اقتله ..والله اقتله !!!

بدات سالي من الاقتراب منه ..ولكي تقترب من شخص تبحث اولا عن اهتماماته ثم تتغلغل كاحداها ..تحدثوا عن المسرح قليلا ولكنه ظل يتكلم عنه لساعات..ساعات لا يسكت ولا يمل وهو ينظر الي عينيها لاول مرة ..عينيها التي غاص فيها كما قصيدة نزار "نحو الأعمق" ! وما ان تصل للاعمق فلن ينقذك أي احد...الحب كما العالم السفلي..ان دخلته فلن تخرج منه الا بجنونك وندمك !

أعتبرها من ممتلكاته..أعتبرها حديقته الخاصة الفواحة..اعتبرها نهره الذي سيغزوه بالنوارس والسفن..لم يتخيل يوما ان تكون لغيره رغم انها في الاساس ليست له ولكنه خلق في عيناها عالمه الخاص ..واصبح سيد عالمه ..عالمه الخاص المشبع بالغموض .

ظهر في الأفق "مجدي الرائد" انها تعرفه منذ زمن ..من ايام الجامعة..قالت في اول يوم تلتقيه في الكافيه : مجدي؟؟ ازيك ايه الصدفة دي؟ اخبارك ايه؟

مجدي في ابتسامة يحييها: سالي..مش ممكن ..مشوفتكيش من زمان قوي انتي بتشتغلي هنا ؟ ده انا حظي حلو والله اني قابلتك .

لا لا ..لن تكون..لن تكون هو مرة اخري.."قال لنفسه" ..كان يتحدث عن ابنة خالته صائد الأحلام..قاتل الفرحة والأمل..لن تكون انت من جديد ..لن تأخذها مني .

في عالمه الخاص اصبحت هي له ومن يحاول غزو هذا العالم عليه ان يلعب بقوانينه ..عليه ان يلعب بقوانينه ..قالها بصوت فاضح في النهاية حتي سمعه البعض : "بقوانين أدهم" .

حاول ان يكسبهم معا ..انه لا يستطيع بضعفه ان يعترف لها بحبه الذي يتغلغل علي اطراف اصابعه كالسفاح ويغزو مدائنه كل مساء..سار علي المثل القائل " اذا كنت لا تستطيع ان تهزمهم..انضم لهم" ..
قال لها : سالي ممكن تساعديني في حاجة؟؟

سالي: طبعا يا ادهم انت زي اخويا .

"اخويا" ؟؟ نزلت الكلمة كالصاعقة..ارتعشت حتي تفاصيله واصبح كالجرذ الهارب بين شقوق الوحدة مرة اخري.."اخويا" ؟؟ اذا لقد صدقت التنبؤات..مجدي لم يظهر صدفة ؟؟ مجدي هو من جديد..انه صائد الأحلام !

قال لها: انا عايزك تكتبي معايا مسرحية وتساعديني انتي واستاذ مجدي..انا شايفه بيتردد كتير ع المكان ..ياريت لو تفضولي يومين بس نكتب فصول مسرحية تراجيديا.

سالي: من عنيا يا ادهم ده اول طلب تطلبه مني وانا مش هاتأخر عنك ابدا.


قال لنفسه : "من عينيك؟؟ ولماذا لم تقطفي لي تفاحة الجنة من عينيك..لماذا يقضمها هو وأقف انا موقف الحاقد العاشق ..لماذا اختارني العالم للعب دور العاشق السري ..لماذا وجدت ضعيفا ؟؟ لماذا ؟؟؟..
"العشق كالخنجر في صدر العاشق اذا اعلنه أخرجه..واذا كتمه عاش كالغمد له".

بدأوا في كتابة المسرحية ..لقد تاكد تمام من نظرات اعينهم ان الكافيه كان جنتهم الموعودة وانه عاد بعد سنوات ليلتقي سالي بالصدفة التي تحولت لحب جارف مع الايام والذكريات واللقاءات المتواصلة..نعم شب نار الحب ولظاه في قلب مجدي..

قال ادهم: احنا هنعمل مسرحية رائعة جدا ..فيها غيرة وحب ودراما قوية جدا .


وبعد فترة في مقر احد الاقسام :

الظابط: يا استاذ مجدي مافيش داعي للانكار ..الموضوع واضح ومافيش فيه لبس والبصمات في كل مكان

مجدي: ده جنون..والله ما عملت حاجة ده قتل عمري وحياتي المجنون..عملها المجنون

الظابط: يا استاذ مجدي الجوابات فيها كل التفاصيل..ده انت كنت كاتب جوابات حب الجملة وفي الاخر قلبت بتهديد تحب اقرالك منها؟ ولا هتنكر ان ده خطك ؟

مجدي "منهارا" : صدقني دي مسرحية ..قالنا انه بيعمل مسرحية ..إسألوه..إسألوه

الظابط: مسرحية اه ..كلام معقول برضه ..تنكر انك كنت بتقابلها كل يوم بليل في الكافيه في الفترة الاخيرة

مجدي: ايوه ده حصل لكن لاني كنت بحبها

الظابط: ما انا عارف وده دليل ادانتك..ما هي الجوابات كلها حب ودافع القتل الغيرة في النهاية..دي جملة من اخر جواب وبخط ايدك " مهما كانت علاقتك بيه مش هيهمني..انتي ملكي..ملكي حتي لو اضطريت اني اقتلك..اكلك أكل واشرب من دمك"

مجدي: ...........

الظابط: مش هترد يعني ..؟ خدوه دلوقتي


وفي الاسكندرية امام شاطئ البحر ..جلس أدهم بعد نهاية التحقيقات واثبات برائته يسترجع ما حدث ..

في ليلة من ليالي كتابة المسرحية قال لهم ادهم: اكتب اكتب انت في الحوار بتاعك "مهما كانت علاقتك بيه مش هيهمني..انتي ملكي..ملكي حتي لو اضطريت اني اقتلك..اكلك أكل واشرب من دمك"

سالي: يا ساتر ايه المسرحية دي يا ادهم ده حوار صعب ودموي قوي

ادهم: معلش يا سالي ارجوكي ساعديني دي املي ونفسي اخلصها وانا عارف اني تعبتكم معايا ولو عايزين تبطلوا خلاص يا جماعة والله ما هاضغط عليكم

سالي" بنبرة عطف" : خلاص يا ادهم ما تزعلش ولا يهمك انا بس كنت بعلق علي الحوار انما طبعا هنساعدك صح يا مجدي؟

مجدي ناظرا بحب لسالي: طبعا يا سالي انا تحت امرك انتي وزميلك.


كانت الخطابات تتعدي العشرين ..في صندوق خشبي صغير بجوار الجثة..تركها ادهم ورحل..كان الموعد في الثانية صباحا ..الكافيه مغلق ولكن كانت العلاقة قد توطدت بين ادهم ومجدي ..واثناء جلوسهم في احدي الكازينوهات :

ادهم: ده اخر يوم يا مجدي ولازم سالي تيجي دلوقتي تسلمني الورق اللي معاها ..ورق المسرحية انا مطلوبة مني بكرة لعرضها علي اللجنة وكده مستقبلي هيضيع

مجدي: ده معاد صعب قوي يا ادهم..

ادهم: معلش هي ربع ساعة في الكافيه انا المدير سايبلي نسخة من المفتاح من زمان هتسلمني هي الورق وهاجيب باقي الورق بتاعي من هناك وتمشي علطول

ارسل ادهم رسالة بهذا المعني من هاتف مجدي الي سالي ان تحضر فورا في الكافيه وحكي لها كل شئ في الرسالة ..جائت سالي بالأوراق الخاصة بالمسرحية وفتحوا الكافيه المغلق ووضعوا عليع من الخارج علامة "مغلق".

سالي: طيب بما انك سهرتنا يا عم ادهم كده وانا جيت عشان خطرك تشربوا حاجة بقي قبل ما نمشي.

ادهم: اكيد اكيد لازم نشرب حاجة ثانية واحدة يا مجدي هاحضر مع سالي حاجة في المطبخ وجاي علطول

وبعد دقائق : خد يا مجدي اشرب الكوكتيل ده هيعجبك ده سالي اللي عملته قبل ما تمشي .

مجدي: مشيت ؟؟

ادهم: اه هي قالت انها اتاخرت قوي وادتني الورق علي العموم .

مجدي: انت لابس جوانتي كمان انت بالغ قوي يا ادهم هي سقعة قوي بس مش للدرجة دي.

ادهم: انا بردان مووووت يا مجدي خليك دقيقتين هنا وجايلك هأمن بس ع المطبخ جوة اشرب انت العصير.


كل شئ معد له ..بلاغ للشرطة ..هجوم علي الكافيه ..مجدي متلبسا ..يشرب "الكوكتيل" الذي عرفوا تفاصيل محتوياته في مكالمة "فاعل خير" وتأكدوا انها تحتوي علي دماء سالي..نعم لقد كان يشرب كوكتيل من الفواكه والدماء..وتأكدوا من هذا بعد تحليله..

الخطابات الدموية في كل مكان..لم تكن علي شكل حوار مسرحي كما طلب منهم ادهم كانت علي شكل خطابات ..بخط يد سالي ومجدي بين الحب والوعيد والتهديد بالقتل..والجثة في المطبخ خير برهان !

قال ادهم لنفسه امام البحر : " لن يأخذ مني احدا شيئا حي ..وخصوصا الحب..اذا اردت الانتصار فالعب بقوانيني..وقوانيني الحب والموت" .

جلس يقرأ في احدي كتب الاساطير للمرة الثالثة عن انتقام هيرا من عشيقة زوجها بان جعلتها تاكل اولادها .
وامسك احدي سطور الكتاب المقدس التي علم بين سطورها وفهمها بطريقته الخاصة وبمغزاه الخاص في عالمه الخاص جدا :

 "ثم قال لها الملك ما لك فقالت ان هذه المراة قد قالت لي هاتي ابنك فناكله اليوم ثم ناكل ابني غدا"   سفر الملوك الثاني   .

تذكر اول قصر رملي بناه وهدمه اقاربه وضحكوا عليه ووضعوا رأسه فيه وسكبوا عليه الماء..لقد قال لهم "اسمع اصوات تناديني من البحر"   قالوا عنه "مجنون" .

تنهد تنهيدة ونام امام شاطئ البحر بعد ان بني بيت من الرمال ..لن تعبث به اصابع سالي ..لقد اختار ان يعبث البحر بقصره الرملي في النهاية .

Monday, February 9, 2015

عشقـــت ريتا في قـــرطبة....قصة قصيرة





لا اعرف لماذا قابلتك يا هادمة النظريات..هدمتي نظريتي في خلود الحب الأول وأصبحتي حبي الاخير..أحببتك في "خمس ثانية" كما تحدثت تلك الدراسة عن حدوث الحب..قد يحدث الحب في خمس ثانية.لقد حطمت كل الدراسات وأحببتك في خمس "الفيمتو " نظرة !!

تقابلنا وتحدثنا كثيرا ..وكلما تسللت نظراتك الي شغاف قلبي كنت اخاف..وأقول لنفسي "من شب علي عشق شاب عليه" ..ولكن لم تفلح المحاولة ..أصبحت "سيزيف" يا سيدتي من جبهتك الي اخمص قدميك..

أصبحت أقول كالمسيح " مملكتي ليست في هذا العالم"  ولكني أزيد  "مملكتي في عينيك"..
أصبحتي كجليسة اطفال نبضاتي وأفكاري وخيالي..

كيف سأهرب منك يا "رباعيتي" الأجمل التي أحاطتني من كل الاتجاهات..
ويا "ثلاثيتي" التي لا تكتمل الا بقسمي الثلاثي اني متيما بك ..
ويا "ثنائية" شخصيتي وجنونها وازدواجها..
ويا "أحاديتي" وتفردي وهيامي وصبابتي .

هكذا بدات القصة ..انه "مراد" ...شاب ثلاثيني وحيد واسع الجبهة غريب العينين وغائرها أشبه بعين حصان مفزوع ..أفطس الانف ..هكذا وصف حبه الثاني مع "ريتا" ..ذكره الاسم ب ريتا حبيبة محمود درويش وقصته الكبري وقصيدته الاجمل ..لقد حافظ مراد لسنوات علي عهده وحبه الأول ولكن قلبه خانه ..انها الخيانة الجميلة ان كانت هناك خيانة جميلة ..وكأنما لعب مع قلبه "روليت روسي" وتراهنا علي انه لن يعشق ثانية ولكن الرصاصة اصابت مراد في قلبه وبيد قلبه !!

بصرف النظر عن مراد ساتدخل كعادتي في القصة "أنا الكاتب" وأقول لكم : عذرا يا مراد ..سيداتي انساتي ان هذه القصة سيريالية مجنونة ..فان كنت تريدون البحث عن قصص واقعية فابحثوا عن قصة اخري ..لأني وبكل صراحة لا اري في الحب سوي سريالية ..

مراد: انت مرة اخري ؟

الكاتب: اعذرني يا مراد

مراد: ولكنك وعدت ان تحكي قصتي كاملة ..

الكاتب: انها ليست قصتك يا مراد ارجك افهم انها قصتي

مراد: حسنا أي كان هذا ولكن هيا قص عليهم فورا


في وسط القاهرة وفي احدي المقاهي القديمة الطراز ..جلس مراد وسط ضجيج لعبة الدومينو وهدوء الشطرنج ..جلس في منضدة وسطي غير منتظمة التفاصيل وبدأ في اخراج "هاتفه" وقرأ رسالة "ريتا" له بعد ان تعارفا لفترة قصيرة ولكنه أحبها في فترة اقصر..والحب لا يرتبط بوقت لانه كما كان يقول "وقت الارتباط لا يرتبط بوقت" !!

بعد أن قرأ رسالتها قال في صوت أنثوي النبرة : لو سمحت

تعجب النادل من اين يخرج هذا الصوت تحديدا وقال في تعجب : مييييين؟

مراد: انا ..انت مش شايفني ولا ايه ؟

النادل: سلام قولا من رب رحيم  ده صوتك ده يا استاذ ؟؟

مراد: ماله صوتي مش فاهم ؟ هاتلي واحد قهوة مظبوط بسرعة

بدأ مراد في العبث في شعره بطريقة انثوية فجة اثارت حفيظة من حوله وهو ينظر الي احدي "المرايا" في القهوة ويعبث بشفتيه كأنه يضع مكياج وسط استغراب الجميع حتي صاح احدهم :اهي اشكال الواحد بيشوفها وياعالم دول يطلعوا ايه ..شكلوا كده حاجة من اللي بنسمع عنهم يا حفيظ يارب

ضحك مراد ضحكة مائعة بصوت انثوي وسط مغادرة البعض مشمئزين من هذا الشخص الذي لم يعرفوا له جنس معين حتي كرهوا الجلوس بجواره فرغم ملامحه الذكورية الحادة الا ان كل تصرفاته تصرفات انثوية.

وفجأة هاجمت "شرطة الحب" المكان وهرب الزبائن ولم يبقي غير مراد ..وقالت شرطة الحب في الميكروفون :مراد اخرج لنا فورا معانا امر باعتقالك مافيش داعي للمقاومة..

مراد بصوت انثوي حزين : لكن ليه ..ارجوكم ادوني حريتي ..انا حاسة بيه

الظابط: حاسة؟؟ انت ايه بالظبط؟؟

مراد: انا روح حاسة بمحبوبها..ارجوكم ما تحبسونيش تاني

ولما وجدوا منه كل هذا الضعف هجموا عليه بسرعة واحتجزوه داخل احد اقسام شرطة الحب..

مراد: انت مين ؟

ايروس: انا رئيس شرطة الحب ايه مش عارفني؟

مراد: ايروس ابن افروديت ؟؟؟؟

ايروس: اقعد يا استاذ مراد عايزين نتكلم مع بعض

مراد: انا عملت ايه بس ؟

ايروس: انت مش عارف ان الحب اللي جواك يقوم "ثورة عشقية" ويهدد سلام عرش الحب والأحلام ؟

مراد: لكن انا مش هانتزع سلطان الحب انا بس عايز اكون تحت جناحه

ايروس: للاسف انت اصبحت تهديد خطير علي حالة "العشق العام" وبتهدد بسحب بساط الحب كله من تحت اقدام الأولمب

مراد: لكن

ايروس: ارجوك كلمني بلهجة رجولية شوية انت بتتكلم كده ليه؟

مراد: مش عارفة بجد

ايروس: مش عارفة؟؟ انت جنسك ايه بالظبط؟؟ مراد ولا اسمك ايه؟؟ خدوه من هنا ع السجن


وفي داخل السجن :

الخيال: استاذ مراد

مراد: مين؟؟ حد بيتكلم ؟؟انا سامع صوتك من الجدار؟؟

الخيال: انا ممكن اساعدك تخرج من هنا

مراد: انت مين؟

الخيال: انا الهامك اول جزء من حبك وتخيلاتك كلها

مراد: انا اصلا حاسس اني في عالم خيالي ..انا حاسة...

قاطعه الخيال: حاسس وبعدين حاسة؟؟ انت جنسك ايه بالظبط؟؟

مراد: مش عارفة..ارجوك ساعدني

الخيال : شوف انت اصلا شخصيتك فيها من ال
Fantasy prone personality

مراد: يعني ايه؟؟

الخيال: انت بتحلم احلام يقظة كتير ويمكن ده من ساعة ما حبيت وممكن تكون دلوقتي في حلم منهم وانا هاساعدك تخرج

مراد: ارجوك خرجني من هنا..اكيد ريتا هي السبب انا بعشقها

الخيال :  انت حاسس بيا وسامعني

مراد: انا حاسس بيك لدرجة ان الصوت كأنه من جوايا

الخيال: زعق معايا وقول ايكوبراكسيا

مراد : ايكوبراكسيااااااااااا

لخيال: بصوت اعلي

مراد: ايكوبراكسياااااااااااااااااا


ومرة اخري علي القهوة افاق مراد من ما حدث له ووجد نفسه محاط بنظرات كل من حوله وهو فاغرين الفاه حتي قال احدهم : حمد الله ع السلامة يا استاذ؟؟ سلامتك..تحب نكلملك حد ؟

مراد: لا متشكر قوي ليكم

الزبون: ده صوته اتعدل كمان الله اكبر..الحمد لله اللي تمم شفاك

لملم مراد أشيائه من علي المنضدة ووضعها في حقيبته وخرج من القهوة وهو دامع العينين وعلي شاشة هاتفه
notification
رسالة جديدة من ريتا تقول فيها  "صدقني يا مراد مش هينفع نتقابل ..انا في البيت مش راضيين يخرجوني حابسيني"



قال له طبيبه النفسي ذات مرة : انت حالتك بقت خطيرة يا مراد انت بتحبها لدرجة انك بقيت بتقلد تصرفاتها وحتي صوتها ...دي اشبه بحالة الايكوبراكسيا لكن مش هي..انت حالتك محتاجة عناية يا مراد ..ولازم تهتم وتواظب معايا علي العلاج

لقد عاش مراد كل اوهامه في احد احلام اليقظة علي القهوة..لقد رأي رسالة ريتا عن الحبس في منزلها فتخيل كل ما حدث..تخيل شرطة الحب وسجن في زنزانة الحب وساعده خياله في العودة مرة اخري للواقع ولكنه مازال لم يستطع الخروج من صوتها ولا حركات ريتا ..سيطرة كاملة ليست فقط بشخصيتها وجمالها ولكن حتي بالصوت واحيانا محاولة نسخ الصورة..


وفي زمن قديم في قرطبة:

رجل: هل رأيت هذا الرجل يا ابن حزم ؟

ابن حزم: نعم ان حالته والله مريبة غريبة..انه عاشق حد الثمالة حتي اري في حركاته تشبها بمحبوبته وصوته كصوتها او ارق ..انه الحب ولوعته .

رجل: فهل كتبت فيه ؟

ابن حزم: ليس بعد

وهرع ابن حزم الي منزله يكتب في احدي الفصول :   "ومن آياته مراعاة المحب لمحبوبه، وحفظه لكل ما يقع منه، وبحثه عن أخباره حتى لا تسقط عنه دقيقة ولا جليلة، وتتبعه لحركاته. ولعمري لقد ترى البليد يصير في هذه الحالة ذكياً، والغافل فطناً"


وقال ابن حزم لنفسه : غريب هذا الرجل المسمي مراد..انه حالة في الحب لم اسمع عنها وكانه اتي من زمن غير زماننا هذا والله !!