Sunday, March 15, 2015

كيف تكون القراءة ذكية ؟؟




"الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك والصديق الذي لا يغريك يطيل امتاعك ويشحذ طباعك"

الجاحظ


القراءة شئ مهم جدا في حياة كل واحد فينا وفي عشرات لاكتب اللي بتنزل عن القراءة الذكية زي مثلا "كيف تقرأ كتابا" لمورتمر ادلر  ولكن من افضلهم كتاب "القراءة الذكية" للكاتب ساجد العبدلي .

الكتاب بيبدا بمعلومة هامة جدا توريك اهمية القراءة وازاي الحكومات بتبتص للموضوع ده علي انه من الاساسيات وليس من الرفاهيات..:

"احدي الدراسات الحديثة في 2003 اشارت الي ان 50 في المائة من الجمهور الفرنسي بدأ يعزف عن شراء الكتب وتحول الي الانترنت كمصدر للمعلومات .
ولذلك اعلن وزير الثقافة الفرنسي حالة الطارئ القصوي لانه وجد منسوب القراءة في انخفاض فنزل هو ومعه كبار الكتاب في الشوار والحدائق والمراكز الثقافية والمكتبات يقرؤون ويتحدثون مع الناس من حولهم عن القراءة والكتب في مهرجان اسموه "مهرجان جنون المطالعة" .

دي معلومة في الكتاب بتظهر لينا ازاي الدول في العالم ممكن تشعر بالخطورة لو الشعب بطل يقرا او ان القراءة قلت واستبدلوها بالانترنت فقط ومعلوماته الغير كاملة.

كمان ذكر اكاتب معلومة مهمة عن لانشر وطباعة الكتب في عالمنا العربي ومقارنته بالغرب وقال :

"يذكر تقرير لمنظمة اليونيسكو نشر في العام 1996 انه يصدر في مصر ما يقارب من 1650 كتابا سنويا بينما يصدر في بريطانيا ما يناهز 48000 كتاب في ذات الفترة وفي روسيا ما يوازي 82000 وفي الولايات المتحدة ما يوازي 85000 لكن الكارثة الاكبر ان ما تطبعه دور النشر العربية مجتمعة لا يوازي نصف ما تطبعه المطابع الاسرائيلية في ذات الوقت "

وكمان اهتم الكاتب في البداية انه يظهر لكل قارئ ان القراءة مش مجرد هواية او تقضية وقت فراغ ولكنها شئ اساسي في حياة كل واحد فينا وقال الكتاب :

"القراءة اكثر من شئ ضروري لاني اراها مظهرا من مظاهر الحياة الجوهريةوالانسان الذي حرمه الله نعمة معرفة القراءة قد حرم شيئا عظيما واوصد في وجهه باب كبيرمن ابواب الحياة هو باب العلم والمعرفة وسيبقي في ظلام دامس ما لم يفتح الله له بابا اخر"

مقولات عن القراءة من بعض الفلاسفة والعلماء :

1- عباس محمود العقاد :  "لست اهوي القراة لأكتب ولا لازدادعملا في تقدير الحساب انما اهوي القراءة لان لي في هذه الدنيا حياة واحدة وحياة واحدة لا تكفيني ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة..القراءة وحدها هي التي تعطي الانسان الواحد اكثر من حياة واحدة لانها تزيد هذه الحياة عمقا "

2-عالم الطبيعيات جلبرت وايت : "ليس هناك كتب او اكوام من الاوراق الميتة علي الأرفف بل هي عقول حية يخرج من كل منها صوت ..عندما تتناول احد هذه الكتب وتفتحه يمكنك استدعاء مجموعة من اصوات البشر البعيدة في الزمان والفضاء السحيق "

3- الشاعر الامريكي عزرا باوند : " يجب ان نقرأ لنزيد من قوتنا ..الانسان الذي يقرأ هو انسان مفعم بالحياة والكتاب ما هو الا وعاء من نور يقبع بين يدي من يقرأ "


وتحدث الكتاب ايضا عن الاسلام والقراءة وسر كلمة "إقرأ" في القرأن الكريم وقال :

" يقول المفكر الاسلامي جودت سعيد : "كون "اقرأ" اول كلمة في اخر رسالة اشارة الي عهد جديد في النبوة وفي اسلوب جديد في التلقي عن الله انها ايات الله في الافاق وفي الانفس التي ستظهر للناس الحق وهذه الايات انما تحفظ دلالاتها بالعلم والقراءة ..فبالقراءة يحصل الانسان علم الاولين جميعا وبالقراءة يرقي الانسان الدرجات العلا"

ثم يناقش الكتاب موضوع كيف تنمي ملكة القراءة عندك ويقول :

"لكي يتمكن اي شخص من ان يجعل القراءة جزءا من جدول حياته اليومي عليه ان ينمي هذه الملكة حتي تصبح عنده شيئا اعتياديا ونظاما دائما في حياته كالأكل والشرب"
تقول احدي الاحصائيات ان ثمانين بالمائة ممن لا يقرؤون كتابا في الشهر يتذرعون بانه ليس لديهم وقت لذلك وهذا امر غريب لأنه مثلما يجد المرء وقتا للطعام والشراب ومثلما يجد الوقت للتسوق والتلفاز يمكنه لو اراد ان يجد وقتا للقراءة ايضا.

يروي ان العالم الشهير نيوتن كان لا ينام لساعات ممتدة متواصلة وانما كان ينام بشكل متقطع ينام لساعتين ثم يستيفظ ليقرأ ويعمل ثم ينام ساعتين متي نال منه التعب ثم يستيقظ ليقرأ ويعمل وهكذا يقضي يومه"

ويقول كونفوشيوس " مهما بلغت درجة انشغالك فلابد ان تجد وقتا للقراءة وان لم تفعل فقد اسلمت نفسك للجهل بمحض ارادتك"

يتحدث الكتاب بعد ذلك في فصوله عن "خماسية فن القراءة" وهي  "ماذا أقرأ ولماذا اقرأ و أين أقرأ و متي و كيف نقرأ "

ثم يناقش اساليب القراءة ويقول ان من اشهر تلك الاساليب هي قراءة الاستطلاع والقراءة العابرة والقراءة الدراسية والقراءة السريعة وكل اسلوب منهم يناقشه الكتاب بالتفصيل ويحدد متي يستخدم وكيف يستخدم.

فمثلا قراءة الاستطلاع تستخدم حينما يريد القارئ ان يحصل علي الصورة العامة لكتاب.

بينما القراءة العابرة تستخدم عندما يريد القارئ ان يبحث عن معلومة بعينها او اجابة محددة لسؤال ما كمثل القاموس او المعجم او الموسوعة.

والقراءة الدراسية التحليلية تستخدم عندما يريد القارئ ان يقرأ لاجل ان يستوعب كل مكنون الكتاب والنفاذ الي معرفة ابعاده ومعانيه  مثل الدارسون استعدادا للاختبار .

ثم يناقش الكتاب قضية "القراءة السريعة ولماذا نحتاج ان نقرأ بسرعة ويقول اننا نحتاج لتلك السرعة بسبب :

1- يصدر خمسون الف كتاب في الولايات المتحدة سنويا.

2- تصدر اكثر من عشرة الاف مجلة في امريكا.

3- يكتب في كل دقيقة 300 مقالة علمية.

4- تصدر سبعة الاف دراسة علمية يوميا في العالم.

5 -صدرت في الخمسين سنة الماضية كمية من المعلومات تفوق ما صدر في الخمسة الاف سنة الماضية .

ثم يذكر ان سرعة القراءة السائدة بين الناس هي ما بين 200 الي 300 كلمة في الدقيقة اي بحدود خمسة عشر صفحة من القطع المتوسط لكل عشر دقائق لذا فالمعدل الذي يقل عن 200 كلمة في الدقيقة يعتير معدلا بطيئا واما ما يكون فوق 300 يعتبر مقبولا لكن ما بين 700 و 800 يعتبر جيدا.

ثم يناقش العوامل التي تقلل من سرعة القراءة ومنها قراءة كل كلمة علي حدة والقراءة بصوت مرتفع والقراءة بالتحريك الخاطئ للعين وضعف التركيز

ثم ستحدث في نهاية الكتاب عن كيفية القراءة الذكية واساليبها ...الكتاب متميز جدا وانصحكم ان تقتنوه وتقرأوه كاملا ليستفيد الجميع مما يقرأ .

Sunday, March 1, 2015

لوحـــات علي رصيف الوداع ...قصة قصيرة





أقف الان أمام قبره..هل عرف الأن المعني الحقيقي للفراق ؟ هل اكتملت الان لوحته بفعل القدر؟ لا اعرف ...رحل الجميع الأن وبقيت وحدي أفكر في كلمات اضعها فوق قبره ..وفكرت ان اكتب جملة واحدة بخط صغير جدا ..

وبدأت في كتابتها وهي  "قبر العاشق المجهول"  !

تبدا الحكاية منذ سنوات طويلة في احد الجلسات الثقافية في مقهي في الحسين حيث بدأ "سامر" صديقي في جداله المعتاد معي حول دور الفن وخصوصا حول القصص والروايات :

سامر: يا اخي طيب ما احنا لازم برضه ننقل الواقع للناس

أنا:  ممكن برضه بالخيال وما تنكرش ان الروايات الخيالية اجمل من الواقعية وفيها ابداع اكبر

سامر: طيب خد مثالك من الحياة ..اللي انت شايفه قدامك هو الواقع ..كل الجمال ده هو الواقع بينما الخيال ما نقدرش لسه نحكم عليه

أنا: ارسطو اما اتكلم عن نظرية التطهير بالفن كان المهم الفن في ذاته مش هيشترط عليك ان الفن يكون واقعي او خيالي..وبعدين اكيد اللي لسه مشوفتهوش اجمل وده دليل علي دور الخيال ده حتي ربنا وعدنا بالجنة اللي هي

محدش يقدر يتخيلها اصلا ..يعني الجنة نفسها وهي المتعة الكاملة مش واقع بل لهفة ومتعة انتظار .

سامر: لكن الجنة بتيجي في الأخرة وانا بتكلم عن جمال الدنيا ..الجمال واقع وملموس

أنا: الجمال خيال لكن محسوس

سامر: طيب ودور الكتاب اللي بيحاولوا يحلوا قضايا المجتمع ؟

أنا: مافيش مانع من الاعمال الواقعية اللي بتطرح قضايا ومشاكل المجتمع مع الاعمال الابداعية الخيالية وممكن مزج الاتنين مع بعض لطرح قضية

سامر: شوف احنا بقالنا سنين بنكتب وكتبنا قصص خيالية وواقعية لكن انا بحب الواقعية اكتر ..المجتمع مليان بالقصص اللي ممكن يعجز عنها الخيال

أنا: مستحيل..الخيال هو اللي مليان بالقصص اللي مش هيوصلها المجتمع بخياله

سامر: انزل اي مكان ..دور بين الناس ..شوف في قهاوي ومحطات قطر وسكك سفر قصص الناس وهتعرف ان كلامي صح وان الواقع اقوي من الخيال.

أنا: طيب عشان خاطرك هانزل من بكرة وهاوريك ان الواقع كل قصصه مملة وان القصص والروايات المبنية علي الخيال اقوي الف مرة .


بعد هذا التحدي مع صديقي "سامر" هرعت كما قال الي محطة قطارات وجلست علي احدي الدكك لعلي استلهم فكرة قصة من ارض الواقع ..فلنري ما سيحن علينا الواقع به يا سامر !
وجدت في محطة القطارات قصص صداقة وفراق وحب ومشاعر بين الإخوة والأهل وحتي صوت ضحكات الاطفال الذي كان يجلجل في جوانب المحطة..حتي وجدته امامي فجاة ..رسام في عمر الخمسينات يقف في محطة القطار ويعرض علي الناس رسم صورتهم مجانا ..شكله يوحي بانه ليس من الكادحين الذين يقفون بالساعات في المحطة لعل القدر ينجيهم مما هم فيه ويخرجهم من دائرة الاهوال والمشكلات الحياتية ..عرض علي ان يرسمني فلم اهتم ثم وقف يكمل لوحته وسط شجار دار فجاة بينه وبين احد الشبان في المحطة
وقال له وهو يصرخ ودموعه توحي بضعفه :  انت ايه يا اخي مش قولتلك مش عايز برضه بترسمني ..انت ما بتفهمش

الرسام: صدقني انا مش عايز منك فلوس انا برسم بس وبستمتع بالرسم

قال"وهو يمسح دموعه من اثر مشهد فراق" : مش عايز اللوحة بتاعتك ومش هاخدها

الرسام: طيب ممكن احتفظ بيها انا ..؟

قال: انت اكيد مجنون ..ايوه مجنون فعلا

غادر الرجل وهو حزين وانهي الرسام لوحته ووضعها بجوار لوحات اخري ومازال الصندوق الذي اتي به ليضع فيه الناس المال فارغ تماما..انه هنا منذ الصباح ولم يحصل علي قرش واحد مقابل ما رسمه من لوحات  ..قلت لنفسي هذا الرجل سر كبير ..قصة لابد ان أبدأ في فك شفرتها ولغز لابد من حله.

انتهي اليوم وجلست في اليوم الثاني علي التوالي في المحطة ..لم يأتي الرسام اليوم جلست انتظر ساعات وساعات ولم يأت..وحينما ذهبت في اليوم الثالث وجدته اخيرا ..لقد حضر وبدا فورا في الرسم دون حتي ان يعرض علي احدهم ان يرسمه ..نظرت الي لوحته فوجدته يرسم شابة حسناء ذات جبهة هلالية وقسمات وجه تبعث في نفسك السعادة والحبور رغم دموعها الساقطة علي وجهها كان الملائكة في حفلة تزحلق علي جليد ضرب عالمها فجأة.

بدأ يرسم بسرعة وبجنون وكأنه في حفلة موسيقية والاوركسترا تزيد سرعتها تدريجيا حتي وصل لذروة سرعته وانهي اللوحة وكتب عليها "15" انه يضع الارقام فوق لوحاته كلها ثم يضعها بجواره الي ان اتي أحد امناء الشرطة الي المحطة وقال له : انت يا عم انت وقوفك هنا ممنوع ..

الرسام: طيب مسوحلي اقف فين؟

امين الشرطة: واللهي انت وشطارتك

فهم الرسام ما يلمح له امين الشرطة من انه يريد رسوم نظير وقوفه هنا فأخرج من جيبه "مائة جنيه" واعطاها له مما اثار تعجب امين الشرطة وذهوله فهي اكبر "رشوة" او كما يسميها "اكرامية" تلقاها منذ فترة طويلة وخرج من المشهد وهو يحاول ان يداري ذهوله من المبلغ ومن الرجل .

في هذه اللحظة قررت ان اراقب هذا الرجل لابد ان اعرف كل قصته اليوم ..خرجت وراءه خلسة وهو لا يدري وبدأت اترصده وضربتني عاصفة الدهشة حينما رأيته دخل الي احدي حمامات المحطة ليخرج منها ببدلة فخمة وساعة توحي بانها من اغلي الماركات ويركب سيارته ومعه لوحاته ويغادر ..كان ينظر حوله بعناية ليري انه بعيدا عن الاعين ..ولبس نظارته السوداء وغادر المكان بسرعة ..
من هو هذا الرجل ؟؟
سيظل الناس نقوشا غامضة فوق جدران الحياة ..ومتي اكتملت نقوشهم اكتملت اسرارهم..فهم في حياتهم سرا لم يكتمل وفي رحيلهم سرا أتم غموضه ..وفي الحالتين تظل حقيقتهم حبيسة صدورهم..!

عرفت انه استاذ في جامعة القاهرة ..راقبته عدة ايام وعرفت بيته وعرفت انه يعيش وحيدا ولا يخرج الا لعمله في الجامعة ثم يخرج في ايام بعينها الي محطة القطار ..ولكن في اليوم الرابع زادت دهشتي حينما رأيته يذهب الي ميناء جوي ويعطي "المناديل" لمن يبكون في لحظات الوداع ..انه صديق كل مشاهد الوداع ..خلع بدلته القيمة وارتدي ثياب عادية جدا وكلما رأي احدهم يبكي بعد رحيل اهله او اقاربه او أحبائه ذهب واعطاهم منديلا يبكون فيه ويفجرون فيه شحنات حزنهم الجهنمية .

أصبحت أسير ورائه كما ظله حتي استوقفته في يوم ما امام بوابة الجامعة ..عرفني لانه قابلني مرة في محطة القطار ..شعر بالخجل ..قلت له : ممكن ترسمني؟

قال وهو ينكر في البداية: ارسمك؟؟ انا ..انا معرفكش وبعدين انا ما بعرفش ارسم انا استاذ في الجامعة .

قلت: مافيش داعي تنكر نفسك انا مراقبك بقالي ايام وشوفتك في المطار ومحطة القطر

قال: انت بتراقبني بقي دي مكانتش صدفة في المحطة؟

قلت: انا مش براقبك لكن بعد اول مرة بدات اراقبك..ممكن تكلم مع بعض شوية

قال "وهو يسرع" : اناما بتكلمش مع حد ..انا ماعرفكش ارجوك انا مش فاضي

قلت: ارجوك ..ولو نشرب مع بعض فنجان قهوة


بعد ان اقنعته جلسنا في احد المقاهي بجوار الجامعة وبدأ يحكي لي كل قصته وقال لي : الحكاية بدات من سنين طويلة من يوم فراقي مع "مي" ..من بعد اليوم ده حياتي اصبحت مختلفة تماما ..بقيت بدور في وشوش الناس عنها وكل حلم ليا بيبدأ بيها وبينتهي بيها ..الفراق حالة حصار كاملة..حصار ذكرياتك وحبك لحياتك كلها ..
من بعد اليوم ده قابلت تلميذ عندي في الجامعة وكان حزين علي قصة حب ما اكتملتش وساعتها طلعت دفتري بسرعة ورسمته ..وتعجبت جدا لاني عمري ما رسمت قبل كده..ازاي الصورة ممكن تطلع بالجمال ده ؟
بعدها اصبح الموضوع ادمان وكترت اللوحات في حياتي لناس ودموعهم وقصص حبهم..بقيت بنزل بنفسي ادور علي مشاهد وداع وارسمها وارسم شخصياتها ..بقيت بلاقي في ده راحة كبيرة وكأني بواسي نفسي بدموع غيري..او بحاول اقنع نفسي اني مجرد قصة وسط الاف القصص ..يمكن يكون في ده خلاصي من الحزن.

قلت : ولقيت خلاصك فعلا ؟

قال: شوف ..الفراق ده زي موت بتيجي بعده الحياة

قلت: ازاي؟

قال: احنا بندفن اللي بنودعه لكن في قلوبنا ..انت بتفتكر وانت بتودعه انك بتدفن حياتك معاه او ذكرياتك بتدفنها في قبر الفراق لكن اللي بيحصل العكس..بنلاقي نفسنا بندفن كل ده جوانا وده بيزيد قوة الحب من تاني وترجع تاني الحياة جوة كل حاجة دفناها ...بتحاول تهرب من نفسك من شئ جواك لكن مافيش فايدة..لو انت نفسك المقبرة..روحك نفسها المقبرة ازاي هتهرب من شئ بيحيا تاني فيها ..مستحيل..!
يزيد الورد حوالين قبر الذكريات وترجع تاني الحياة مع كل زهرة بتكبر وبينتشر شذاها..

قلت: طيب والرسومات دي كلها بتلاقي راحتك فيها ؟

قال: بحاول اهرب بين قصص فراق جديدة بحاول اتقمص شخصيات تانية عشان اهرب من شخصيتي وقصتي انا ..ابكي معاهم واحس باوجاعهم ..لأن الفراق بقي كانه توأمي زي ما قال المتنبي مرة في شعره :
أمّا الفِراقُ فإنّهُ ما أعْهَدُ    
هُوَ تَوْأمي لوْ أنّ بَيْناً يُولَدُ

عارف..كان في قصة تضحية جميلة قوي عن زوجة ماتت ودفنها زوجها في حديقته عشان ما تبعدش عنها حتي في مماتها..وشك البوليس فيه وافتكروه قتلها لكن اتضح انها قصة وفاء بين الزوجين وعرفوا الحقيقة ..انا بقي بحس ان اللوحات دي فيها من ريحة مي ..فيها شئ من الحب يقدر يصبرني علي الفراق ..عشان كده سايبهم دايما حواليا وكل يوم بقعد معاهم واشكيلهم همي
ورغم وجع الفراق لكن اللي بعمله ده شئ من جمال الفراق زي ما قالت غادة السمان "مباهج الفراق" .

قلت"بحزن" : انت قصتك غريبة قوي ..اغرب من الخيال..الواقع اغرب من الخيال ..سامر كان عنده حق ..

قال: سامر مين ؟ صاحبك؟

قلت: ايوه ده صاحبي وكان بيتحداني ان الواقع فيه قصص اغرب من الخيال وممكن يهزم الخيال

قال: صاحبك بيتكلم صح..الواقع اقسي من الخيال


بعد فترة قابلت سامر وقال لي : شفت...انا قولتلك..لو دورت وسط الناس هتلاقي قصص اغرب من الخيال ..

قلت: صدقت يا سامر ..معاك حق بدأت اقتنع بكلامك ..المهم القصة اهي سلمتهالك في وقتها .


ذهبت مرة اخري الي محطة القطار مرتديا زي مهلهل وممسكا بأكياس المناديل ..أتأمل في وجوه المسافرين والمودعين والمفارقين لأحبائهم..بعد ان سلمت لسامر القصة التي امتزج فيها الواقع والخيال ..لم يكن هناك استاذ جامعي ولا لوحات فانا لا اجيد الرسم..ولم يعرف سامر حتي الأن انها قصتي انا..
ومازال يسألني عن هذا الرسام ..
ومازالت ابتسم كلما سألني عنه !!!