Friday, June 20, 2014

خــالق الملهمــات..قصة قصيرة






"لن اموت حتي ارتوي حتي الثمالة من جنون الحب..نعم..حتي الموت يعلم ذلك"


الويل كل الويل لك ايها الكاتب حينما يكون لك في كل مكان ملهمة جديدة وشيطان لكلمات الغرام..الويل لك حينما تتأمر عليك الأماكن والأزمنة لتبدل ما كان من ماضي لا يحضر بطيف خصب من حاضر لا يمضي..!

فتح "ياسين" دفتر مذكراته وبدأ في الكتابة بلا رحمة كعادته حينا تسمع صوت نشيجه والمه وحينا تسمع قهقهة مجنونة كانه انقلب ساحر شرير ..كتب بخط ضخم في دفتر مذكراته "حينما تقسو عليك الكلمات كن قاسيا عليها بقتلها بجريمة الحبر الازرق ..جريمة الغرام الازلية..لا تجعل الكلمات تنتصر عليك ..انزف بها قبل ان تنزفك..كن جريحا بها قبل ان تجعلك مجرد جرح احمق"

بدأت حكاية ياسين في احدي "ورش الكتابة" حينما نظرت اليه "هايدي" تلك النظرة المستكشفة له ولقلمه العابث السارح في ملكوت الاوراق..نظرة اعقبها تأمل ثم يد علي الخد الأيمن ثم ابتسامة ..الخطوات الأربعة الطبيعية لخلق "عاشق صحيح" ..

كان "ياسين" يكتب بنهم وهذا هو الوصف الصحيح "النهم والشراهة الكتابية" ..وكان ينظر اليها ولكنه لم يقصد ذلك ابدا..لقد كان غارقا في احلام يقظته ..ظنت "هايدي" الفاتنة الجميلة انها ملهمة الكاتب ولم يخلو الامر من اعجاب وهي تمسك بقلمها وتكتب هي الاخري قصتها الثالثة منذ ان حضرت الي ورشة الكتابة..كان المشهد مشهد غرامي بامتياز..وكأنهم يطارحون بعضهم الغرام علي الاوراق ..وكأنهم يرسمون بأقلامهم حرير ووسائد يتقلبون بينها في حب وولع كامل.

ويظل الحال كما هو عليه..تنتهي ورشة الكتابة ويجلس ياسين في نفس "الكافيه" ليكتب قليلا وتجلس هي في المنضدة التي امامه وتنظر اليه نظرة انثوية مدللة وكأنها تفخر امام انوثتها انها ملهمة هذا الرجل وحامية عرش قصصه . ولم يكن الامر كذلك بالنسبة لياسين ولكنها لم تعلم هذا بعد..ويشتد عود الحب ليتحول الي بدايات غرام وعشق ملتهب من ناحية "هايدي" ..وكانها تقول "اريد ان اجتاح هذا الرجل مثلما اجتحته كملهمة..اريد ان اجتاح عالمه كما اجتحت عالم قصصه واوراقه..لا يكفي لارضاء غروري الانثوي اجتياح ورقة بل اجتياح كيان "

اقتربت اليه في المرة الاخيرة وقالت في دلال يثير اللعاب : ممكن اقعد معاك ولا مشغول ؟

قال في هدوء عجيب : شوفتك كتير

قالت في ثقة مفرطة : حلم ولا علم ؟

قال: لا علم ..انما الحلم سايبه لقلمي

قالت: ومين ملهمة قلمك يا تري ممكن اعرف ؟

قال: وليه لازم يكون فيه ملهمة؟؟ مش ممكن استخدم الخيال ؟

قالت: الخيال بذرة مش هتفكر ترميها وترويها الا اما تلاقي الملهمة

قال: وانتي مين ملهمك ؟

قالت: ممكن يكون الملهم "لحظة" مش لازم يكون راجل بالنسبة الي..

قال: وانا ممكن يكون ملهمتي "زمان" مش واحدة بالنسبة الي

قالت: والملهمة ممكن تخلقلك زمان؟

قال: الزمان هو اللي بيخلقلي ملهمة..هو اللي بيختار مين هي وبيختار حتي لون شعرها ..انتي اسمك ايه بالمناسبة ؟

قالت: هايدي

قال: انا ياسين

قالت وهي تضحك بسخرية ناعمة: ما انا عارفة طبعا, بقالي شهور بحضر معاك الورشة ومش هاعرف مدمن الاوراق يعني ؟

قال: انا مش مدمن للكتابة بس هي حالة بتحضرني كده وبتعذبني والغريب اني لما بخرج منها وارجع للواقع بتضايق جدا

قالت: القتل اللذيذ يعني زي ما بيقولوا ؟

قال: فعلا تقدري تقولي كده

قالت: طيب ما الملهمة هي الواقع ..ليه بتكره الواقع ؟

قال: انا بستوطن الواقع لكن وطني ووطن حبيبتي الخيال بكل تأكيد..

قالت: طيب واللي تاخدك للخيال دلوقتي تشكرها ؟

قال: اكيد بس مين هي..


اقتربت منه في حركة مثيرة وهي تلعب في خصلة شعر عابثة متمردة ونظرت اليه نظرة رغبة عارمة خفاقة دافقة ..وقالت في تحد : هي قدامك دلوقتي ..


خرجوا من ورشة الكتابة ولم يعودوا مرة اخري الا بعد شهر ..وكان الجميع يسأل : هو ايه اللي حصل بين هايدي وياسين ؟؟

تغير الوضع بشكل ملفت للنظر وكانت هايدي تهرب من كل مكان يجلس فيه ياسين امامها علي عكس ما مضي ..وكانت القصة اغرب من الخيال..

منذ شهر مضي حينما قالت له ساذهب بك الي عالم الخيال ذهبوا معا الي منزلها وبتحرر كامل اسقطت اخر قطعة من ملابسها علي ارض طينتها الشهوة وطبقاتها لهيب بركاني عاصف..
كان ياسين مذهولا ولكنه لم يتمالك نفسه وذهب معها الي عالم الخيال حتي اخمص قدميها ..

توالت الايام عليهما في وضع غرام مرتبك علي سرير الملهمة المزعومة ..كانت تظن انها ستكون بطلة روايته القادمة..منحته نفسها في حب وثقة بانها الملهمة الاولي له وهي لطبة كل قصصه حتي قبل ان تقراها..خدعتها الثقة وما اقسي الثقة حين تخدع إمرأة ..

وفي احدي الايام حينما كان يتقلب في فراشها قامت اثناء الليل وامسكت بعض الاوراق التي لا تفارقه ابدا الا اثناء نومه ..كانت عارية الساقين وترتدي قميص "ياسين" في مشهد مثير للغاية..امسكت الاوراق وبدأت في القراءة  وقال ياسين في كلماته :

"نعم انا خالق الملهمات كما يحلو لي ان اسمي نفسي..حينما احببت قديما في ايام الجامعة كانت قصة حب قاتلة لروحي ومنقذة لها ولكن حينما خرجت حبيبتي من حياتي لم تخرج من اوراقي ولم تخرج من قلبي..لقد بقيت ملهمتي لعشرة سنين بعد ان تركتني ..ثم قلت لنفسي "لا امل في العودة" لماذا لا تحصل لنفسك علي ملهمة جديدة..تملأ بها كتاباتك واحلامك الغرامية ..

وبدات في البحث ولكن بالصدفة وقعت عيناي علي "المتمردة" نعم انها الغزال الشارد الذي عاملني بتكبر ..ولك يكن سبب تكبرها الا بسبب القدر..لقد كان الحظ يقف دائما بيني وبينها ..الحظ السئ بالطبع..كانت تلقي بالنكات ولكني لم ابتسم لاني كنت افكر في شئ اخر حينها..وكانت كلما مرت من امامي خرجت من الغرفة التي تجمعنا ..ولم ألاحظ ابدا سوء تدبير المواقف التي تجمعنا الا بعد ان رايت منها القسوة بعد اللين والقوة بعد الدلال..

نعم لقد اعجبني تمردها وقوتها ..في نظرتها وملابسها جرأة وتحدي غريب جعلني اختارها "ملهمة العام" بإمتياز..وفي سوء معاملتها ما يثير اعجاب اي رجل يعشق التحدي ..وان يخوض تخوم تلك التجربة مع تمرد إمراة او تكبر إمرأة والفارق كبير..

بدأت في تغيير معاملتي لها ..بدانا الحديث معا وكما يقولون "ما محبة الا بعد عداوة"..نعم انها ملهمتي الجديدة انها "داليا" حبيبتي الجديدة او من سأسميها حبيبتي فلا حب يعلو فوق حب حبيبتي الأولي.

تحدثنا لفترة طويلة وكتبت عنها  خمس وعشرون قصة..حتي استلهمت مني حد الالهام وبدات في البحث عن ملهمة جديدة.. وكان اسمها هادئ ليس بشراستها وعنفوانها..انها "هايدي" الجميلة ..


كانت هايدي تبكي اثناء تصفحها للاوراق حينما فهمت انها لم تكن الملهمة بل انها ستكون الملهمة القادمة..انها احدي ضحايا الورق الابيض ذو القلب الاسود..انها احدي البطلات فقط ولم تكن يوما بطلة هذا القلب وهذا القلم..بكت طويلا وانتحبت ولكنها اكملت القراءة لكلمات هذا الرجل المخادع "خالق الملهمات" :

"رأيت هايدي لأول مرة في "الكافيه" امام ورشة الكتابة ..اتت الي كالصاعقة المتوقعة..كنت اعرف انها ستاتي ..لقد ظنت حقا انها الملهمة رغم اني كنت اكتب دائما عن حبيبتي الاولي وملهمتي الثانية..ولكني قلت لنفسي "ولما لا" ولماذا لا تكون هايدي ملهمتي الجميلة..انا لن احبها ابدا ..انا مجرد خالق للملهمات..انا الذي نزلت الي المواخير وعلب الليل باحثا عن روح الكتابة وجمال العالم..انا الذي منذ فقدت حبيبتي وقفت صارخا وقلت لقلبي "انقذوا السارية..السفينة ستغرق..ان فقدتم الحبيبة لا تفقدوا القلم..احتفظوا بشئ من اثر الحب يبقيكم علي قيد الحياة حتي لو بملهمة مزيفة"

وتوالت الملهمات علي قلبي الحزين..واحدة تأتي بقصة واخري بقصيدة شعر ..ومازالت احاول ان اخلق العديد منهم من تراب الحب وماء العشق..ورفعت كأسي الوهمي وقلت لنفسي "في صحة هايدي ملهمتي الجديدة..وكتبت عنها خمسة عشر قصة وبعض قصائد" ..


صرخت هايدي وحطمت المرأة ومزقت كل اوراقه وقصصه التي كتبها فيها ..عرفت انها ملهمة مزيفة وليست حقيقة..انها مجرد مانيكان يفصل عليها القصص وكلمات الحب ..او مجرد ذكري لحب فقده وبكي عليه ..

استيقظ من نومه وقال لها :هايدي مالك؟ ايه اللي حصل؟

قالت في غضب وهي تصرخ: اطلع برة مش عايزة اشوف وشك ..ملهمتك المزيفة مش كده؟؟ اطلع برة بقولك

قال "في لهجة منكسرة" : انتي قريتي القصص ؟ ليه عملتي كده ؟

قالت: وهي دي مشكلتك دلوقتي اني قريت القصص ولا انك كنت بتحاول تخلقني ؟

قال: انا مش بخلقك انا بخلق منك ملهمة مش انتي كنتي عايزة تكوني ملهمتي في البداية ؟

قالت:  الحب مافيهوش كلمات زي "عايزة" و "ناوية" الحب ما بيتخططش ليه يا استاذ

قال في تعجب واضح : الحب ؟؟ بتقولي الحب ؟؟


لم يعرف ياسين ابدا ان هايدي كانت تحبه حبا حقيقي الا في هذه اللحظة وهو يراها ممتلئة بالدموع وهي تنطق وتردد كلمة "الحب" بارتجافة شفاه ورعشة يديها الضعيفة الرقيقة..كان يعرف انها معجبة به او ان الموضوع مجرد نزوة عابرة ولكن هل وصلت حقا الي درجة الحب ؟؟

قال لها : انا خلقت منك حبيبة بدل الملهمة ؟؟ انا أسف ..أنا بجد أسف

قال جملته الاخيرة وهو يبكي بجوارها وجلسوا علي الارض في مشهد يفيض بالدموع والحزن وهو يتحسس يديها للمرة الاخيرة ويهمس في اذنيها : انا حاسس بيكي..انا عارف كويس الاحساس ده..وانا ضعيف بما فيه الكفاية علي اني احاول اكرره تاني..الحب قتلني قبل كده..ياريت تضحي انتي المرة دي..انا مش عايزه يقتلني تاني..مش هاسمحله يقتلني تاني

خرج ياسين في تلك الليلة في حالة لم يعهدها من قبل ..ولكنه سأل نفسه في حيرة بالغة "هل هو الندم ام الذكري ام الحيرة؟ ما الذي يقتلني من هؤلاء الثلاثة ؟ هل ضعف هايدي امام الحب ذكرني بضعفي القديم امام الحب ؟ هل احببت هايدي حقا بدافع الشفقة ؟؟ ولكن اين محل داليا من الاعراب في حياتي ؟؟ لماذا تقتلني ثلاثة نساء ؟؟ ما الذي فعلته في حياتي ؟؟

وكانت نهاية ياسين في بيت إمرأة تقرأ "التاروت" ..لم يكن يؤمن بهذه الاشياء ولكن الحب وعذابه اضطره للجوء الي الخرافات ..حينما قالت له قارئة التاروت " هتحب جديد والحب ده هيعذبك اكتر بكتير جدا من اي حب عدي عليك..هتدوق عذاب الحب فعلا لانه هيكون حب من طرف واحد وده اصعب انواع الحب "

قال في غضب وهو يهز كتفيها في جنون : حب من طرف واحد حب من طرف عاشر حب من طرف كوني كلها جرايم بإسم الحب..الحب ده قاتل متوحش سفاح..ايوه سفاح

ولأن حياة ياسين لم تكن ابدا طبيعية ..فقد انتحر في بيت قارئة التاروت..القي بنفسه من الدور العاشر في مشهد درامي عابث وسط صرخات لقارئة التاروت.. وحينما تم تفتيش بيته وجدوا عشرات القصص محروقة ..لقد احرقها ياسين ندما علي ما فعله في هايدي..

وبعد عشرات السنين عندما كانت هايدي تحكي لصديقتها علي اخر مكالمة بينهما قالت هايدي في ألم : عارفة ..كانت اصعب لحظة ساعة ما بعتلي الرسالة الاخيرة قبل ما يموت..بعتلي راسلة غريبة جدا وقال فيها :

" لقد احرقت ملهماتي يا هايدي..وقلت للنار كوني بردا وسلاما علي ملهمتي الاخيرة..فأحرقت كل الاوراق..ولم تبقي ملهمة واحدة.."

مذكرات "هايدي سيد عبد الرحمن ابراهيم":

" النهاردة 25-4-2040..

في احتفالية في ورشة الكتابة ..وعازميني عليها..خايفة اروح هناك ..لان روح المكان لسه جوايا..امبارح كاني شفت ياسين..ابني جايب ورق غريب معاه وبيقولي "سمعتي عن التاروت يا ماما ؟ وكأني شفت صورة ياسين علي ضهر ورقة منهم ..ممكن اكون مجنونة..وممكن اكون عاشقة..لكن دي صورة ياسين ..متأكدة انها صورة ياسين ..

Sunday, June 8, 2014

إرتجــاع بيولوجــي..قصة قصيرة






" تصالح مع قبحك..تكن الاجمل يا صديقي"


"سليم" اختار ان يصطفي نفسه فلا أحد اختاره واصطفاه ..واطلق علي نفسه لقب "المصطفي" ..!!

قال وهو يفكر بصوت عال كالعادة " اختر لنفسك المركز الأول قبل ان يلقيك الاخرين خارج التصنيف..لا تعطهم الفرصة..فالمركز الثاني ملئ بالصراعات"

ربما ستسأل نفسك الأن عن قصة سليم او تتهم الكاتب بالجنون والدخول في صلب موضوع لم يعطي فكرة عنه اصلا..ولكني سأعطيك هذه التنهيدة الشهيرة بجميع الكتاب وابدأ في سرد قصة "سليم"..

"سليم محمود الجمل عبد الرحيم" شاب متوسط السن قمحي اللون عادي الملامح..له طريقة مميزة في المشي وخصوصا لو حصل علي زيادة في المرتب مثلا فالكل يعشق المال ولكن سليم يستنشقه..!
كان يعاني من احدي المشكلات العصبية التي لا تعطيه ثقة كاملة امام الناس..ذهب الي جميع الاطباء في جميع التخصصات دون جدوي ..حتي انه قال يوما عن الاطباء "انهم وسيلة للتحسر علي مرضك وليس علاجه" !

وفي احدي المرات سمع عن ما يسمي ب "الارتجاع البيولوجي" ربما يساهم ولو بشكل ما في علاج حالته التي يأس منها تقريبا لدرجة انه فقد الاحساس بالسعادة واللذة مهما كانت معطياتها .فكيف يشعر بالسعادة دون ان يملك حتي مستشعرات السعادة داخله ؟

وفي غرفة الانتظار في احدي العيادات :

التمرجي : اتفضل يا بيه..اسم الكريم ايه ؟

سليم: سليم محمود الجمل

التمرجي: عاشت الاسامي يا سي جمل

سليم "هامسا لنفسه" : التمرجية مرحلة انعدام الوزن قبل لكمة الطبيب..ولكنها اغبي المراحل"

التمرجي: بتقول حاجة يا اخ جمل ؟

سليم: لا يا سيدي ما بقولش حاجة وبعدين اسمي سليم

التمرجي: عاشت الاسامي يا سي سليم الجمل

سليم" كاتما غيظه" : هادخل امتي ؟

التمرجي "هامسا" : عادي ولا مستعجل؟

سليم: اه ..فهمت..مستعجل لو سمحت  "

واعطاه ورقة بخمسة عشر جنيها للدخول السريع.." بالمصطلح الشعبي "كرمشله ورقة في ايده"


دخل سليم الي غرفة الطبيب في دوره ولكن لسوء الحظ انقطع التيار الكهربائي فجاة ..فقال : وشي ده يا دكتور ولا ايه ؟

الطبيب: وشك؟؟ ماله وشك؟

سليم" في انكسار واضح" : انا مشكلتي كبيرة يا دكتور انا معدتش بحس ان مصيبتي سهلة الا لما اقعد اسمع مصايب كتير من غيري عشان اقول الحمد لله رغم ان الحمد لله في كل حال طبعا

الطبيب: بتتألم ؟

سليم: يا دكتور انا شايف اننا نتكلم اما النور ييجي ده انا حتي مش شايفك

الطبيب: لا نكمل كده افضل..اعتبرنا بندردش مع بعض

سليم: انا فاقد الثقة في نفسي تماما مهزوز مخنوق مش قادر اعيش زي غيري دايما بحسدهم علي حياتهم العادية

الطبيب: وانت حياتك مش عادية؟؟ فكر تاني كده

سليم: تقصد ايه يا دكتور ؟

الطبيب: اقصد انك اكيد برضه بتملك شئ هم يتمنوا يملكوه

سليم: يملكوه حلال عليهم اي كان ايه هو.. بس انا نفسي املك اللي عندهم

الطبيب: وايه فيهم اقيم؟؟ومين اللي بيقيم؟؟

سليم: الاتنين مع بعض قيمة

الطبيب: يعني هم فاقدين حاجة قيمة؟

سليم: لا انا اللي فاقد حاجة عادية وده الألم الحقيقي؟

الطبيب: فقدان الشئ القيم ولا فقدان الشئ الاساسي اصعب ؟

سليم: وازاي اعيش بالقيم من غير الاساسي؟

الطبيب: اشعر بالاستثنائية..حس انك غريب عن العالم ..لو اقتنعت انك غريب هتعيش عادي

سليم: وليه اعيش غريب ومتعذب بالاحساس ده ؟

الطبيب: عايزك تكون زي الطيور ..هي عارفة انها شئ مختلف وسعيدة بكده

سليم: طيب وهي فاهمة انها غريبة؟؟

الطبيب: طيب ما انت كإنسان مش بتفهمها انها غريبة ومش بتبصلها بدهشة..بالعكس انت بتبصلها باعجاب

سليم: يعني جمال الطير في تألفه مع انه غريب عن الانسان ولا ف جماله نفسه ؟

الطبيب: الاتنين..لان الطيور لو كانت حاسة انها غريبة وبس وخايفة من كده كانت استخبت علطول في الجحور مش بنت الاعشاش ع الشجر

سليم: هم دول السببين اللي بيدوا الطيور ثقة في نفسها

الطبيب: لا وفي سبب تالت مهم

سليم: ايه هو

الطبيب: احساسها انك انت اللي غريب مش هي

سليم: الانسان هو اللي غريب؟؟

الطبيب: من انانية الانسان انه فاكر نفسه هو الحقيقة الثابتة وهو موضع المقارنة

سليم: ايوه بس ربنا قال ان الانسان اتخلق في احسن تقويم

الطبيب: ايوه وربنا كمان اتكلم عن جمال العالم والتدبر في بديع صنعه يعني مش الانسان فقط انما الانسان فاكر نفسه انه هو الاصل والطيور والجبال والشجر هي اللي تتقارن بيه

سليم: دي انانية منه ولا ايمان بالرسالة؟

الطبيب: وهو انت رسالتك انك تكون الحقيقة ولا انك تدور عن الحقيقة؟

سليم: ادور عن الحقيقة بجمال مشوه ؟

الطبيب: مش احسن من انك تدور عن الجمال بحقيقة مشوهة ؟

سليم: انا عايز اتعالج ..ارجوك انا عايز اتعالج وابص للناس بشكل طبيعي

الطبيب: ولو بصيتلهم بشكل طبيعي تفتكر هم عمرهم هيبصولك بشكل طبيعي؟؟ الناس كلها امراض

سليم: افهمهما ..اتعايش معاها يا دكتور بس احط عيني في عنيهم مش ابص في الارض

الطبيب: صدقني من حسرتك وخيبة املك فيهم هتبص في الارض برضه

سليم: نخوض التجربة ..امل مزيف موافق عليه انا جربت علاج كتير ومافيش فايدة ..العيب في وشي لسه موجود

الطبيب: تعالي يا سليم اقعد علي السرير ده


بدا الطبيب في وضع مجموعة من الاسلاك حول رأس سليم وبدأ سليم في استرجاع اجزاء من حياته علي سبيل التسلية اثناء جلسة العلاج المنتظرة حينما يعود التيار الكهربائي ولنعتبرها "لقطات من حياة سليم"


اللقطة الأولي :

في احدي اماكن التصوير في مصر في مكان عمل سليم :

الريجيسير: انا اكتر واحد بيتعب هنا..اي واللهي

سليم: فعلا ربنا يكون في عونك

الريجيسير: انا موجود لخدمة الجميع ..الممثل عايزني اسليه اسليه..افسحه افسحه..اجيبله مزز اروح اجيبه مزز..ابعبصه لا مؤاخذة اقوم مبعبصه..

سليم: انت بتتعب فعلا بس في الاخر اسمك بينزل علي التتر في العمل وبتلاقي ثمرة مجهودك ده

الريجيسير: فعلا عندك حق ..ثمرة مجهودي اهم حاجة ثمرة مجهود السنين ..انا هاروح اكمل شغلي



اللقطة الثانية:

مجاميع في اللوكيشن :

سليم: انتي قايمة بدور ايه ؟

الممثلة الكومبارس: والله ما انا عارفة يا اخويا لسه هيحددوا الدور دلوقتي..

سليم: اول مرة تمثلي؟

الممثلة: فشر ده انا عملت اعلانات وغادة عادل دي ما تفرقش عني حاجة لولا هو الحظ بس..والله يا اخويا كنت زي القمر في الاعلان اللي فات واللي قبله

سليم: اسمك ايه ؟

الممثلة: سها ..محسوبتك سها ..ورقم تليفونك كمان بقي يا سي الاستاذ؟

سليم: عاشت الاسامي يا ست سها..خليها فرصة تانية..وان شاء الله تلاقي الدور اللي يناسبك واشوفك بطلة




اللقطة الثالثة:

في كواليس العمل :

المنجد: عارف حضرتك..

سليم: افندك؟

المنجد: اسمك ايه؟

سليم:  سليم

المنجد: شوف يا سي سليم..انا ابويا وانا صغير كان يسيبلي السجاير بنفسه فوق الدولاب لانه شافني مرة بشرب سجاير وقال ان من هنا ورايح لازم اشرب قدامه مش من وراه

سليم: مبدأ برضه

المنجد: شكلك بتألس عليا

سليم: لا والله مش القصد بس هي فكرة برضه علي سبيل المصارحة يعني

المنجد: اي والله الوالد ده ما يتعوضش ..كان يأكلني بايده معلقة السمنة عشان اتغذي في البلد عندنا

سليم: ونعم الناس يا سيدي



اللقطة الرابعة :


ممثلة صغيرة تشكو لمساعد المخرج من المنتج :

ممثلة: تخيل حضرتك ..تخيل اروح اقوله عايزة دور ..يقولي انا عايزك انتي شوفت الوساخة وقلة الاصل..والمصيبة انه عارفني وانا مش غريبة عنه

مساعد المخرج: فعلا الناس معادش عندها ضمير ..ايه الوساخة دي..سيبك منه انا هاشوفلك فرصة احسن ستين مرة من شكله

ممثلة: ربنا يخليك ليا انت فعلا ونعم الأخ وانسان محترم

مساعد المخرج: ما تشكرنيش ..انا بعمل الواجب بس وعشان الفن يحتاج الموهوبين اللي زيك



اللقطة الخامسة:


عم حسن: يا استاذي الفاضل البرشام بيوقع السنان

سليم: وانت عشان كده ما بتاخدش برشام يا عم حسن؟

عم حسن: والله انا عمري ما اخد الزفت ده ..بيهد الحيل ويخليك رابط في السرير..انت عارف الواد اللي جوة ده..واخد برشام ..امه العيانة بتصحيه يجيبلها لقمة بيفضل نايم للفجر لحد ما امتت امه وهو صحي

دفنها وكمل نوم ..والبرشام هد حيله ودخل المستشفي مرتين
والغريبة يا استاذ انه كان يقولك "اصل عندي داء النوم..اصل واحد عملي عمل النوم." ده كلام يعقل بالذمة؟

سليم: فعلا سكنه هباب احسن انك بعيد عنه يا عم حسن..

عم حسن: يا استاذ ده البت بتبيعه في صدرها دلوقتي وعارفة ان الظابط مش هيعرف يقفشها لا مؤاخذة ويلعب في البرشام والا هتقول عليه بيتحرش..التاجر الكبير يبعت البت من دول تجيب داغ الشباب بالبرشام..

سليم: يا ساتر يارب افظع استغلال للبنات ..ده طبعا غير انهم اكيد بيشغلوهم في الدعارة

عم حسن: اكيد يا استاذ ..دول عالم ما تعرفش ربنا..استغفر الله..الحمد لله اننا بعيد عن السكة دي





في عيادة الطبيب :

الطبيب: مالك يا استاذ سليم ..سرحت في ايه من اول الجلسة وساكت كده

سليم: انا شايف اننا نشيل الاسلاك دي يا دكتور ..ارتجاع بيولوجي ايه والعالم هو اللي عايز يرجع لنفسه من تاني

الطبيب: تصالح مع نفسك يا سليم ..تصالح حتي مع قبحك لو كنت فاكر نفسك قبيح

سليم: انا خلاص مش عايز علاج يا دكتور انا اقتنعت بكلامك

الطبيب: بس ايه اللي حصل بالظبط..انت من شوية كنت مصر علي العلاج ..ممكن افهم ايه اللي خلاك ترجع في كلامك ؟

سليم: قررت اكون زي الطيور..ومش بس كده انا هاكون الحقيقة وهم مجرد دور بهلوان بيخبي الف حقيقة وكذبة جواه في نفس الوقت



بدأ الطبيب في نزع الاسلاك دون ان يدري ما الذي غير سليم فجأة واثناع عن قراره بالعلاج ؟؟ هل اقتنع حقا ام انه تذكر شئ ما اثناء فترة شروده جعلته ينسحب ويرضي بحالته ؟


سيظل القارئ الأن متحيرا ويسأل " ما الشئ  الذي جعل سليم يقرر ان يترك العلاج؟ وما علاقة اللقطات التي تذكرها بانسحابه؟"  امممم سأقول لكم بعد قليل ..

ربما ستقولون في سركم الأن انني غريب الاطوار ..ولكني قلت لكم "بعد قليل" لأنني اتحدث الأن مع سليم شخصيا لأحاول ان اعرف منه ما الذي حدث ؟


الأن عدت اليكم..هل تريدون معرفة سبب انسحاب سليم ؟ انه قبح الأخرين..

حدث كل هذا في يوم واحد كما حكي لي سليم وقال : " لقد انسحبت من جلسة العلاج لان العالم كان قبيحا حولي لدرجة انني اقتنعت بانهه من يحتاج الي العلاج وليس وجهي..لقد اقتنعت بحديث الطبيب عن فكرة الطيور والجمال ولكني ايضا تذكرت مشهد من حياتي لا ينسي من خلال اللقطات التي تذكرتها اثناء الجلسة..حدث هذا كله في غرفة الملابس عندما دخلت علي مساعد المخرج فوجدته في وضع مخل مع الممثلة الناشئة التي كانت تشتكي من المنتج واستغلاله لها..

لقد هجرت الممثلة المنتج لكي تقع في براثن مساعد المخرج خرجت من الهاوية الي غياهب الجب..انه مسلسل السقوط الدائم ..

قال سليم في اسي بالغ ودمعت عيناه "  افتكرت الممثلة دي محترمة طلعت حقيقتها انها بتوقع مساعد المخرج..
افتكرت الريجيسير بيشتكي من التعب طلع بيشتكي ان الممثلة اللي كبرها هو بايده خانته ووقعته بعد ما كان ممثل كبير
افتكرت المنجد اللي اتكلم عن ابوه بيحبه طلع ان جسمه كله متعلم من الكرابيج اللي كان ابوه بيضربه بيها
حتي عم حسن..عرفت في الاخر انه بيضرب مراته عشان فلوس البرشام الزفت ده..
هم دول اللي عايز اتعالج عشانهم..؟؟ يا اخي ده انت لو جبت ادوية العالم كله ما يعالجش القبح اللي جواهم ..اتفووووه علي دول بشر..

مرت السنوات وظهر علاج فعلي لحالة سليم الغريبة ولكني عرفت في النهاية انه لم يعالج حتي الان ..
بل ان الحالة ازدادت سوءا ولكنه يبتسم للدنيا ويضحك بصوت قوي من داخله علي كل من فكر العلاج من اجلهم..

ومازال يتذكر الجملة التي تقول "تصالح مع قبحك.."  وقد تصالح مع قبحه كما يراه..!