Tuesday, September 8, 2015

عرفت الغرام في بانجلا روود..قصة قصيرة






الحساء الجبراني اليوم يختمر في معدتي..لا أحب أبدا ان أبدأ يومي بهذه النظرة للعالم..أخاف ان اعشق..اعرف ان في هذه الايام التي استقبلها بهذه النظرة المستبشرة اني ساكون مهيئا للحب..وأنا اكثر ما يخيفني ان اقع فيه من جديد.

"بيير" هذه الفتاة هي ما كان ينقصني لأسمع شهقة العالم واشعرها خلف قفصي الصدري ..لكم عشقكم ولي عشق..فانا اعشق كما يعشق الرجلين منكم..انا لا أكذب ولكن هذه هي الحقيقة الوحيدة التي ادركها جيدا عن نفسي..عن ظهر عشق !

"بانجلا روود" شارع الرذيلة في تايلند..وللكتاب هو شارع الحكايات ..وللعشاق هو شارع القلوب المزهرة..تقف الفتيات في صفوف في انتظار من يدفع ويكرم ويبحر في سفن العسل..تنادي وتغمز وتصرخ وتعرض بضاعتها بشكل جائر احيانا حتي للراغبين في المتعة..كيف اقتحمتي عالمي يا "بيير" وسط هذا الجنون ؟ كيف استطعتي ان تهزي ايماني بالحب الأول ..كيف استطعتي ان تغيري الكثير من نظرياتي عن الحياة والحب بنظرتك الأسيوية القاسية؟

أحاطت بي خمسة فتيات في السوق المتفرع من الشارع..تقول لي أحداهن "تعال لتشاهد ما عندي..هل تريد ان تستمتع الليلة؟" !!  لا أعرف حقا هل اريد ان استمتع ام أحب..أنا في وضع "العشق" الأن..كما لو كنت احدي الهواتف وتركوني في "وضع العشق" !!

قلت في نظرة باسمة : كم الثمن؟
قالت وهي تتغنج : كم تريدني؟ ساعة؟ 2؟ 3؟
-أريد إمرأة لأتذكرها عمرا كاملا
- لست انا من هذا النوع..فلتبحث عنها..انا لليلة فقط..ابحث عن عمرك في مكان اخر..وليس في بانجلا روود.

اشاحت بيدها لزبون اخر ..انها تبحث عن المتعة الليلية وانا ابحث عن لذة العمر..لن نلتقي ابدا..مهما قالوا لك صدقني هناك اشياء واشخاص لا يمكن ان يلتقوا ابدا في وسط الطريق .

خرجت من الشارع بيأس وكره للغة الارقام..انا اريد لغة الحب وهم يتحدثون بعملتهن ..انا اريد متعة الذكري..اريد إمرأة اتذكرها لسنوات قادمة..اريد امرإة اعاهدها ولو علي وهم..اريد إمرأة ارسل لها رسالة بأني مهتم بها واني افقتدها الان في وحشة الليل والمطر ..لا أعرف كيف اجدها في بلدة مثل "تايلند" ..انها بلد للعشق المدفوع !!

مئات من المحلات للمساج والمتعة اللحظية..يجذبونك جذبا الي الداخل..ينادون ويصفقون ويتاجرون بلغة الأعين والأكتاف التي لا تلقي بالا للقلوب ولكن للنظرات الجائعة..ينادي الرجل خلفي ويقول بالانجليزية :
حفلة القمر الكامل؟
قلت: بكم التذكرة؟
-هل انت وحدك؟
أثارني السؤال وقلت في حيرة : لا أعلم بعد..لا أظن ان الوحدة ستطول يا سيدي..اشعر باقتراب نذير..حساب عشق قريب سيطرق بابي الأن

ابتعد عني الرجل وهو يحدث نفسه ويهمس بالتايلاندية..اظنه يسبني ويقول اني مجنون ..وهذا ما يظهر من نظرته.

الوقت يمر ..الساعة الأن الرابعة عصرا..مازلت اسير في الطرقات والشمس تغيب احيانا وتظهر احيانا من خلف سحاب رقيق وكأنه يبتسم..اشكل السحاب حسب رغبتي كما يلهو الاطفال فأقول "ها هو الأن علي شكل قلب.او علي شكل إمرأة.." ولكني اراه الأن يبتسم.

اشعر باقترابه..اشعر بأبيات شعر طاغور حين يقول :

إن المعلوم، في هذا الكون
يلعب مع المجهول لعبة التخفِّي.

والمعلوم حولي هو بنات الليل بينما المجهول هو حب منتظر ..حب اريد ان اخلقه بيدي لو لم يأتي طواعية.

لا جديد حولي ..عدت الي مكان اقامتي لأنتظر حلول فجرا اخر جديد..عدت وحيدا انظر من شباكي الي زبائن يقطفون يرقات شباب نساء وقفت في طابور عرض لاهب وعاصف بالرغبة وأقول لنفسي "انتظر الحب".

في اليوم التالي خرجت هائما علي وجهي ووقف الرجل الذي قابلته بالأمس يقول مرة اهري بصوت اعلي : صدقني ستحب حفلة القمر الكامل.

تجاهلته وسرت عدة كيلومترات بدون ان اشعر..هائما علي قلبي..حتي وجدت إمراة تبتسم لي من بعيد..ثم تلتفت الي الجانب الاخر ..انها لم تطلب مني شيئا..لقد ابتسمت ابتسامة صادقة ..سحرتني عيناها من اول نظرة..نعم اريد ان اخلق الحب..ان القلوب تصدأ كما المعادن ..فحافظوا علي قلوبكم بالحب ولو مؤقت ..بالاعجاب ولو سيزول..بالعاطفة ولو كاذبة.

دخلت الي المكان وقابلتني امراة طاعنة في السن اظن انها صاحبة المكان..قالت لي : اهلا بك في "سالا" هل اعجبتك احداهن بالخارج؟؟ هل تريد من تريح لك ظهرك؟
-نعم ..ولكن لا اعرف اين هي لقد رأيتها في الخارج واختفت
-ابحث عنها خلف هذه الستارة

فتحت الستارة بيدي لأجد النساء صفا صفا وكل حسب رقمه وعلي ان اختار اين اجد راحتي..عرض جمال يقسم قلوب الرجال ويصعقهم ويبرقهم ويرعدهم ..شعرت بأن هذا البيت الشعري ينطبق علي "شيبتني شيبت حتي صبايا" !!

تجولت في العيون والأبصار..صادمت الف نظرة وانا لا احيد عن طريقي ابحث عنها..تلك البوذية الرقيقة..أغلبيتهن من البوذيات ..وقلبي الأن محاصرا بالتعاليم والفضائل الأبدية وسأصل معها الي النيرفانا .

رأيتها تحمل رقما هناك في الخلف..اشرت اليها ..اتت الي مبتسمة وتنظر مباشرة الي عيناي بلهفة..اشعر ان هناك ثمة اعجاب متبادل..ربما ملامحها الاسيوية قد لاقت هوي ملامحي الشرقية العربية واندمجنا في عولمة قلب واحد !

دخلنا خلف ستار منقوش يفصل كل زبون عن الأخر..قالت لي في رقة : هل تريد ان تشرب شيئا ؟
-القليل من الماء

خرجت مسرعة واتت بالقليل من الماء وجلست بين يداي تنظر الي الارض ويديها تشير الي علامة الطاعة الاسيوية وكانها تتعبد لي ..كم هو جميل احساس ان تجلس بين يديك إمرأة بهذا الشكل ..تنتظرك حتي تنتهي من الماء وهي منحنية امامك ..انها ليست عبودية ولكنها طاعة انثوية رقيقة وحنونة.

بدأت تضرب بيديها علي ظهري وتقول : هل تشعر بالراحة الأن ؟
-اشعر براحة لك منذ رأيتك في الخارج.
- وانا ايضا صدقني ولا اعرف لماذا..هل تريد الصعود لأعلي لنأخذ راحتنا اكثر؟ لن تدفع اكثر كما هي العادة ولكني ارتحت لك.
-دعينا نكمل حديثنا هنا يا عزيزتي..

ربت علي شعرها ووضعتها بين احضاني وهي تنظر الي ملامحي وكأنها تقول لنفسها : من اين اتيت ايها الشرقي لتغير عالمي ؟
قلت لها : هل تعرفين اني معجب بك.؟
-هل لديك اسرة؟
-لا لست متزوجا
-هل تأتي الي هذه البلد للمتعة؟
-لا أتيت بحثا عن العشق ..عن شهوة قلبي لا جسدي.

حضتنتي اكثر حتي اعتصرتني وهي تقبل رأسي وكأنها تشعر نفس ما اشعره..انها تريد ان تعشق وتعشق ولو قليلا..تريد ان تخرج من دائرة الجسد الي دائرة الغرام..لقد اثارها كلامي بشكل واضح ...كان الوقت يمر..مرت اول ساعة

وقالت صاحبة المكان : لقد انتهي الوقت هيا..ام تريد ساعة اخري؟؟

قلت لها اني اريد ساعة اخري وسأدفع تكلفتها..مرت الساعات ..بدا الحديث حولنا من خلف كل ستارة والهمس حول عدد الساعات التي نقضيها معا وهي تترجم لي وتقول : ان زميلاتي يتحدثن عنك وعن عدد الساعات التي قضيتها بين احضاني وهن متعجبات لماذا لم نصعد الي الاعلي مباشرة توفيرا للمال.

ابتسمت وضممتها الي صدري وانا اقول : انا الأن بدون الصعود الي اعلي ..في اعلي مكان في العالم ..انا علي قمة العالم يا صديقتي وانا انظر الي عينيك واشعر بحاجتك لمشاعر صادقة .

اشعر بنشوة المكان والزمان والقلب الوحيد..مرت سبع ساعات كاملة..قالت لي وهي تضحك : انه رقم قياسي في هذا المكان منذ افتتاحه هكذا تقول المديرة..7 ساعات وانت بين احضاني ولا نمارس الجنس في الاعلي..انها متعجبة.

شدت صديقتها احدي الستائر فجاة ونظرت الي وقالت : لماذا لا تصعدوا الي الغرفة العلوية..انا اري انها تعجبك بشدة.

قلت لها: لأننا سنخرج بعد قليل .

تعجب الجميع من ردي وسألت حبيبتي المؤقتة بجواري : سنخرج؟؟ حقا؟؟ هذه لم تحدث من قبل..هل سنخرج الي الفندق تقصد؟
-لا ..سنخرج معا الي الشاطئ..الي القمر الكامل.

كان الهمس يزداد في المكان حتي المديرة لا تصدق اني سأدفع ايضا ثمن خروج فتاتهن لنتجول فقط في الخارج لعدة ساعات ..كانت متاكدة اننا سنمارس الجنس..من المستحيل ان افعل كل هذا وانا لا اريد الجنس.

حينما خرجنا من خلف الستارة الحمراء شعرنا بحمرة خجل لذيذ حينما صفق باقي الفتيات لنا..كان المكان كله يصفق علي هذا الرقم القياسي في المكان ..7 ساعات متتالية من الحب المؤقت..!

خرجنا من المكان كانت تحضر حقيبتها بلهفة وتضع القليل من "المكياج" ..كانت لا تصدق اننا في موعد حقيقي خارج مكان العمل..خرجنا الي الشاطئ واخذنا دراجة بخارية للتجول في الشوارع وقابلت الرجل مرة اخري وهو يقول :اظنك تريد الأن تذكرة الي القمر الكامل أليس كذلك؟

حجزت تذكرتين وذهبنا الي الحفلة الليلية حينما اكتمل القمر علي شاطئ البحر وسط رقص هيستيري من الجميع حولنا علي انغام موسيقي "تيستو" و "ارمن فان " وغيرهم من الموسيقيين العالميين.

كانت تحتضنني بشدة وتقول لي "لا تذهب..سيمر الوقت وستذهب..ارجوك لا تذهب..انا احتاج وجودك في حياتي"
قلت لها دامع العينين : وانا احتاجك ليكتمل وجودي.

ظلت تداعبني بانفها الدقيق وتقبلني وتمسح دمعتي بيديها وانا امسح دمعتها..هي تحتاجني لتخرج من روتينها وانعدام العشق في مكان العمل وانا احتاجها لأتوحد بها مع العالم خارج اطار وحدتي وحزني.
رقصنا حتي الصباح وعدت بها الي مكان عملها وسط ابتسامات وهمس المكان ..قالت لي المديرة : هل اعجبتك الليلة يا عزيزي؟
ابتسمت لها وانا اودع صديقتي "بي" ..اسمها الذي قالته لي بعد ساعات من حديث الشجن..لقد نسيت في البداية ان اسالها حتي قالته لي فجأة.. "اسمي بي"

عادت مرة اخري الي يونيفورم المكان..كانت حزينة وهي تخلع ملابس الخروج التي حررتها قليلا من حياتها المعتادة..لقد خرجت مع رجل الي العالم..رجل تعجبه ويعجبها..ولا يعرف احداهما ما السر وراء كل هذا..كيف اقتحم كيوبيد هذا المكان الملئ بضجة الجنس وطحن العظام الملتهبة من الرغبة ؟

قبلت يديها امامهن جميعا وقلت لها "سأراك مرة اخري..صدقيني بيننا حكايات لم تكتمل..ولا اعرف حتي كيف ستكون نهايتها..ولكن ما اعرفه الأن انك من اجمل حكاياتي يا "بي" وستبقين كذلك ولن انساك "

لم تتمالك دموعها ..بكت ..لأول مرة يري الجميع من زميلاتها دموعها العزيزة..احتضتتني امامهن ولم تبال..قبلتني قبلة اخيرة وقالت "سأفتقدك كل يوم..وكل لحظة..يا عمري الأجمل..وحياتي القادمة"

حينما عدت الي الفندق وكنت اجمع متعلقاتي كنت اشعر اني الملم طريقي الي الحزن والوحدة مرة اخري..كتا اريد البقاء..اريد ان اهرب بين ضلوعها مرة اخري..اريد ان الجأ بصدرها واهاجر الي حياتها واهجر حياتي..لا اعرف ما الذي حدث لي..ارسلت لي علي برنامج "الشات" انها تفتقدني من الأن..وستفتقدني حتي اعود بعد شهور..كنت اشعر بالوحدة ..انها تزلزل روحي بمقياس 30 ريختر العشقي.

صالة المغادرة في المطار..في اليوم التالي..جلست انظر الي "جواز السفر" ولا اعلم اين سأسافر..هل سأسافر الي بلدي ام اني اهجر عالم العشق؟؟..كان الرجل الذي يبيع لي تذكرة القمر الكامل في المطار..ما هذه الصدفة..اقسم اني رأيته ثم لم اجده خلفي..هل كنت اتخيل هذا الرجل؟؟

حينما عدت الي بلادي وجدت استقبال الناس لذويهم وسمعت جملة جد يقول لحفيدته "زي القمر ما شاء الله"

تذكرت بكلمته "القمر الكامل" ..حفلة القمر الكامل ..رقصتها ونشوتها وحبها لي وحنانها ودموعها ونظرتها التي تلومني احيانا ومداعبتها بأنفها ببراءة ..ومنذ هذا اليوم وانا انظر الي القمر كل مساء ..انتظر العودة..انتظر العودة الي "بي" مرة اخري..واريد ان يقابلني ولو صدفة من خلف ظهري الرجل الذي قال ذات يوم" هل تريد تذكرة؟؟"

نعم اريد تذكرة الي جنتي يا "بي" ..فلا تبخلي بها علي ..يا صديقتي الأبدية..يا صاحبة ال 7 ساعات ..سأعود ذات يوم..وسنتقاسم القمر الكامل..لا اعرف متي ولكني حتما سأعود..لأن حياتي اصبحت هناك..خلف معبد عينيها..!