Tuesday, February 7, 2012

سلمية مظلومة يا بلد.. قصة قصيرة







كانت "سلمية" فتاة عشرينية تعيش حياة عادية جدا بل أقل من العادية رغم أنها إبنة لأب شديد الثراء يعيش حياة رغدة مترفة وكان الكثيرون من أهل القرية يتعجبون من تلك الفتاة الجميلة الرقيقة المهذبة كيف تتحمل هذا الجحيم والحياة الصعبة مع أبيها "العمدة" رغم انه يعاملها أسوأ معاملة ويريها كل أصناف العذاب علي يديه وكان ابعد ما يكون عن الأبوة.

كانت كل ما تملكه "سلمية" في حياتها هي مجموعة الكتب التي تركتها لها والدتها التي رحلت منذ سنوات وقطع من الذهب في "شكمجية" وكان كل ما يطمع فيه الاب الشرس وزوجته الجديدة هو ان يجرد ابنته حتي من تلك الشكمجية الثمينة ويلقيها خارج أرضه وملكوته بصلف وشراسة لا يحسد عليها.
وفي يوم من الأيام ذهبت اليه وقالت له :
سلمية : انت ليه يا بابا بتعاملني كده انا زعلتك في حاجة ؟
العمدة : هي دي مقدرتي ومالكيش ولا مليم عندي
سلمية : انا مش بتكلم ع الفلوس ولكن انا بتكلم علي علاقتنا كبنت وأبوها
العمدة: انتي هتعلميني اعامل الناس ازاي يا مفعوصة انتي ؟ ؟
زوجته الشريرة: دي بنت مش محترمة مينفعش معاها الا بلطج
ثم صاح العمدة بنبرة غليظة أيقظت الحرس : يا بلطج..انت يا بلطجججج

حضر "بلطج" مسرعا يلبي نداء سيده وكان خادمه المطيع منذ سنوات منذ ان اتي به من السجون لانه كان اشد اهل القرية عنفا وعدوانا وسجل اعماله الاجرامية مليئة بكل ما يفزع ويرهب الصغير والكبير..

كانت ملامح "بلطج" وحدها قادرة علي إرعاد كل خلية في جسد سلمية ورعشة كل شريان في قلبها الطاهر البرئ .
وبدأ بلطج في تعذيب سلمية كالعادة وسط ضحك هستيري من أبيها المريض الذي يعتبر القسوة والدناءة نوعه المفضل من العلكة ويعتبر الخطيئة ردائه لحفلة الجنون المسائي كل يوم .

وبعد ليلة دامية كما كل ليلة خرجت "سلمية" بين نار التعذيب ونار نظرات التشفي من قبل زوجة الاب الشريرة التي طالما حلمت بتلك الشكمجية وارادت التخلص من سلمية وطردها خارج البيت نهائيا بل انها فكرت مرات عديدة في قتلها.

وفي تلك الليلة وفي يوم 25 كانت سلمية شريدة في شوارع القرية ويسير ورائها خيط رفيع من الدماء التي زينت كل مكان في وجهها شرفا وعزة وليس انكسارا وحسرة ..كانت الدماء كأنما تسير ورائها كما ظلها وكأنها تجر وراء ظهرها قهر سنين طويلة ..اخذت معها الشرف والكرامةوتركت في بيت العمدة فقط الشكمجية ..

وفي تلك الليلة تحديدا لم يزداد صمت القرية وخرج أحد المواطنين صائحا : ايه يا بلد ؟؟ ايه الي حصلكم؟ كلنا عارفين سلمية واخلاقها ازاي يحصل فيها كده وانتوا خلاص بتشربوا من كاس الذل زي كل ليلة خايفين من العمدة ومن بلطج ؟ مش هتتحركوا كالعادة ؟ انا بقي المرة دي هاتحرك ومستعد اضحي بحياتي عشان سلمية بنت بلدنا متتعذبش وتتهان تاني

وقف الجميع في حيرة شديدة من كلمات المواطن ولم يمضي الكثير من الوقت حتي بدأ العديد ينضمون اليه ووصلوا الي دار العمدة ونظروا في تحدي شديد ومعلن الي "بلطج" الذي خرج لهم مع افراد عصابته ولكنهم نجحوا في قهر العديد من جنوده ولكن قوة بطشهم جعلت الموقف في غاية التعقيد واستمرت المناوشات طويلا حتي اتي المنقذ "عسكر" ..

كان "عسكر" ابن القرية وكان الجميع يعرف انه عاشق لسلمية ..وكانت سلمية ايضا تكن له المشاعر ولكن ما تكرهه في عسكر انه ابن "عسكور" رجل فاسد له ملفات في جميع المجالات وله علاقة بالعمدة والدها التي تعرف مدي كره القرية له .
ولكن في تلك الليلة ظهر "عسكر" بمظهر البطل وكأنه يتطهر من سنين التبعية والهوان للعمدة وكانه يريد ان يخرج من هذه العباءة التي ظل بها سنوات طويلة وحان الوقت لتوبته ونصرة سلمية واعلان نفسه بطلا شعبيا امام القرية بالكامل.

خرج عسكر مع العديد من عساكره وقهر بلطج وعصابته واوقعهم في الاسر وصاح اهل القرية بالكامل "يحيا عسكر..عمدة بلدنا الجديد.." .
نظرت اليه سلمية نظرة خجولة والدماء تجري علي وجنتيها وهو يمسح خدها الوردي الجميل ويرفع رأسها المحنية المنكسرة أمام هيبة المشهد ويقول لها "مش هتتذلي بعد كده تاني" .
صاح الجميع امام المشهد "يحيا عسكر.عسكر لسلمية وسلمية لعسكر"

وفي ليلة الفرح الذي حضره جميع ابناء القرية حاول بلطج ان يرسل اتباعه لنسف الليلة بالكامل ولكن عسكر تصدي له بقوة وحزم ولكن بدأت سلمية في القلق وقالت لعسكر : انت مش حبست الناس دول في القصر؟ ليه متحبسهمش في السجن افضل لأن كده هيفضل ليهم اتباع برة وهيأذوني علطول وهيبهدلوا البلد
قال لها عسكر : متقلقيش يا حبيبتي انا مجهز كل حاجة

ولكن كانت نظرة "المعازيم" في الفرح لم تكن مطمئنة وعرفت سلمية ان العديد من اهالي القرية قد هاجمهم بلطج ورجالته وبدأوا في قتل حيواناتهم وحرق أراضيهم ولكنهم لم يحكوا تلك القصص لسلمية لكي لا يقلقوها في يوم الفرح ويقتلوا فرحتها التي انتظرتها سنينا .

وبعد عدة أيام :

سلمية :ايه يا عسكر انت ليه معملتش حاجة في البلد هتسيب بلطج يعمل اللي هو عايزه ؟ أبويا ومراته بدأوا ينهشوا في عرض بنات البلد وبدأ يطلعلهم صوت تاني وبدأ ناس تنادي بأنهم يرجعوا..اعمل حاجة يا اخي انا اول مرة اشوفك ضعيف زي ابوك

ولأول مرة صفعها عسكر وقال لها في حدة وهو يمسك بأطراف قميصها : اخرررسي اوعي تجيبي سيرة ابويا علي لسانك ده اشرف منك

لم تصدق سلمية نفسها ولم تصدق ان دمائا سالت علي شفتيها من تلك الصفعة القوية لاول مرة من حبيبها عسكر او بطل القرية الشعبي ولم تصدق دفاعه عن ابيه الفاسد والذي يعرف كل اهالي القرية فساده ولكنهم ارادوا اتمام الزيجة لانهم ظنوا ان الابن ليس كما ابيه وانه فعلا يريد ان يتطهر .

خرجت سلمية مرة اخري الي الشارع تستنجد بأهالي القرية بلا مجيب..تصرخ "مالكم يا بلد" بلا مجيب ..
الكل ضعيف وهزيل يجلس جنب ماشيته الميتة او ارضه المحروقة او ابنته وزوجته اللتان عصف بهم بلطج واتباعه من خلف اسوار قصر العمدة القديم..

صدمت سلمية من هول الموقف وجرت مسرعة والدماء علي قدميها الي قصر ابيها القديم وياليتها ما ذهبت..كان المشهد امام عينيها كانه الجحيم مجسدا..رأت بلطج وحاشيته وابيها مكرمين وليسوا مسجونين كما اوحي لهم عسكر بل ورأت زوجة ابيها الفاسدة العاهرة تصفف شعرها وبجوارها طقم وصيفات..كان المشهد ملكي والبلاط فاسد..كان المشهد عز وجاه لبشر اذاقوا قريتها الذل والمهانة..

خرجت تجري الي اهل القرية وقالت بعنف : مالكم يا بلد
وصاح البعض في خزي وضعف :ارجعي لجوزك يا سلمية احنا مش هنعملك حاجة دلوقتي يعني كمان جوزك هتتقلبي عليه ؟

صدمت سلمية وبدأت الدموع تتلألأ في عينيها من حسرة وضعف اهل القرية وظلت تسير الي ان خرج لها بلطج وحاشيته بالكلاب البوليسية وبدأت الكلاب تنهش في فستانها امام اهل القرية بلا رجل ولا كلمة حق..الكل يقول :هي اللي عملت في نفسها كده وسابت جوزها في وقت مش مناسب ..
بدأت تصرخ : عسكر ضحك عليا يا بلد صدقوني..صدقوووني
قالت لها إمرأة من القرية : طيب كنتي البسي حاجة تحت الفستان مش تتعري كده قدام الرجالة .

كانت الجملة ضعيفة ومتهالكة وحزينة كما الموقف ..لم تصدق سلمية ان كل هم تلك السيدة هو تعريها وكأنها قاصدة ان تتعري امام القرية .
ظلت سلمية تنظر الي طين الأرض لعلها تستنشق فيه طهارة لم تجدها في الكثير من أهل قريتها وتجد فيه أمل لسنبلة جديدة تعوضها عن يأسها من هوان الناس.
الي ان اتي عسكر مرة أخري وخلصها من بلطج وقال لها : سامحيني يا سلمية ارجعي معايا البيت المرة دي انا هاخلصك من بلطج ورجالته مش هاسيبهم احرار

وصدقته سلمية هذه المرة وعادت معه ولكنها عادت لتطلب الطلاق لانها الحقيقة تعرت تماما في مشهد تعريها امام اهل القرية وظهرت حقيقة تعاون عسكر مع بلطج.
وقال لها عسكر : احنا مش هنتطلق بس انا هاديكي فرصة وهاسيبلك البيت اربع خمس ايام تفكري تاني وتراجعي نفسك

وبعد مرور يومين كان جرس البيت عند سلمية ينبأ بأخبار جديدة وفتحت الباب لتجد "محضر" ومعه اوراق ففرحت سلمية وظنت انها ورقة الطلاق ولكن ياللحسرة انه طلب لسلمية في "بيت الطاعة" .

كأن القدر سخر كل سيناريو القهر لشخصية سلمية المحورية في قصته التراجيدية..
أذاقها عسكر من الوان العذاب والهوان في بيت الطاعة لكي يحاول ان يعلمها كيف تحترمه وظن ان هذا الاسلوب الامثل لاحترامه ولم يتعلم من سيده العمدة.

خرجت سلمية مسرعة تقذف البيت بالطوب والاحجار بكل عنف ولم تلقي اي تعاطف من كل المار بل قالوا عليها : سلمية اتجننت.
وبدا اطفال القرية يصيحون : المجنونة اهي المجنونة اهي..

وبدأت تفقد كل تعاطف رغم انها تستحق كل التعاطف ولكن المشهد الظالم قد اعطي كل تعاطفه للظالم وقصف قلم المظلوم..
كل الناس تريد ان تبعد عن بلطج وعصابته حتي ولو علي حساب كرامة سلمية..
المشهد لبلد تبيع الحقيقة في اسواق النخاسة وتشتري الستر والعافية !
المشهد لبلد لا تميز بين القاتل والقتيل وبين السفاح والضحية.

لماذا اتهمتم سلمية وتركتم كل الظروف التي ادت لجنونها وضعفها !
لماذا اغلقتم شباك الحقيقة لكل يتسلل لكم النور الخافت وترضوا به ولو قليلا !

نفس الموقف يحدث الان..وبعض الناس عشقوا الضعف كأهل القرية ..وبعض الناس مازالوا يتعاطفون مع قضية سلمية..
ومازال بيت الطاعة هو بيت الاستسلام..
ومازال يريد عسكر خروجا هادئا امنا من بيت الطاعة بدلا من حصار سلمية بالحجارة امام البيت وحصار اهل القرية لسلمية واتهامها بالجنون..
ومازال المشهد دراميا جدا الي ان تعود الحقيقة سيدة الموقف ..
وتعود لسلمية كرامتها المفقودة..
ويعود لبعض اهل القرية رشدهم وصوابهم ..


وكان المشهد الاخير قبل ان يرفع الستار : عسكر يضحك ويتقاسم مع العمدة الشكمجية في النهاية

No comments: