Thursday, October 3, 2013

جمــــيلة...قصة قصـيرة






الموسيقي تشع من الأستاذ سامح اينما ذهب..سمعنا عن اليورانيوم المشع ولكن الاستاذ سامح في منطقته هو "اللحن المشع" خطواته كأنها رقصة علي لحن "بوب ديلان" او "سيناترا" ..هو عاشق للقديم وفي بعض الاحيان يستمع للجديد ..بحكم سنه يميل اكثر لجيل سيناترا و"راي تشارلز" وغيرهم من المطربين الذين عشق الطرب والاغنيات من خلال اغانيهم ..

عمره خمس وستون عاما ..شعره يميل الي الشيب ذو انف دقيق وقامة قصيرة وعنق مكتنز .. بمناسبة عيده ميلاده الخامس والستون سيتحدث الي "جميلة" ..وجميلة هي جارته التي تقطن في المنطقة منذ حوالي عشرة سنوات ..وكانت كما يقولون "اسم علي ما يسمي" عود رشيق سامق وملامح متراقصة كعلب الليل وعيون تشيع البهجة وكانها مرشوشة بماء القديسين في دير الحسن ..
كان الاستاذ سامح يحدث صديقه ويقول ان جميلة هي مثيلة "اندروماك" في الجمال حسبما تقول الاسطورة..او هي "ليدي هاملتون" الذين احتار الرسامين في محاولة رسمها حتي صنع رسام شهير اجمل لوحاته ..

الأستاذ سامح يختلس النظر احيانا الي جارته في الدور السابع ولا يري الا وجه ربيعي نضر ينظر اليه في خجل احيانا ..لم يتحدث اليها من قبل ولكنه اكتفي بالنظرات ..وهو يمسك الدفتر الأزرق..ودفتره الازرق هو روحه وعمره وشريانه لا يفارقه ابدا ولا يعرف احد السر ..تري ما هو سر الدفتر الأزرق الذي ينام في حضنه ليلا ويجلس معه علي القهوة صباحا ؟؟

وفي منزل جاره :

حسين : اهلا اهلا سامح بيه نورتنا واللهي

سامح: اهلا يا حسين يارب تكون بخير انت والاسرة..

حسين: مشوفناكش من زمان يا راجل تلاقيك كنت مشغول غرقان في بحر الحانك واغانيك

سامح "يحرك اصابعه برشاقة " :  فاكر اما كنت بغني مع
fly me to the moon

حسين: ايوه والله ده انت علمت جيرانك يسمعوا اجنبي حتي الاستاذ حلمي بقي بيسمع ساعة ام كلثوم وشوية اجنبي من بتاع زمان ..

سامح : هيموا وراء الفن زي ما كان بيقول جبران ..واي الحان دي يا حسين دي الحان ملائكية

حسين: النهاردة بقي عاملين لك غدي من اللي قلبك يحبه

سامح: انا هاكلمها خلاص يا حسين

حسين "يبلع ريقه في تعجب" : هتكلمها؟؟ في الجنينة؟؟

سامح: ايوه في الجنينة هي كل يوم في الجنينة وانا باخد الدفتر واروح وراها بس بخاف اكلمها

حسين : انت عارف ان ابوها بيخاف عليها موت لو شافك معاها مش عارف رد فعله هيكون ايه يا سامح

سامح: انا عامل حسابي علي كل حاجة بس لازم اخد الخطوة دي..خطوة للحب عشر خطوات للحياة

حسن: طيب بس ابقي طمني عملت ايه ودلوقتي يلا بينا نتغدي..عملتلنا ايه ع الغدا يا ام سعيد ؟؟

زوجته: عملت كل اللي الاستاذ سامح بيحبه طبعا ده جارنا اللي بنعزه يا الف خطوة عزيزة

تنظر الزوجة باستغراب لزوجها وتهمس له : هو حتي وهو بياكل شايل الدفتر الازرق ده ؟؟؟

حسن "هامسا": هس اسكتي انتي صوتك عالي كلي وانتي ساكتة وخلينا ناكل..كلوا يا ولاد يلا

سامح: ربنا يخليهم لك الاطفال احباب الله



وبعد شهر :


ضجة حول العمارة المقابلة للاستاذ سامح حتي سمع الاصوات وخرج الي شرفته ينظر وبعض الناس تصيح : الله يلعنه اللي كان السبب..هو السبب هو اللي وصلها لكده

"جميلة" وعائلتها امام عربة كبيرة لنقل الاثاث ليخرجوا من المنطقة بلا عودة هذا ما فهمه من اشارات الناس وغمزهم ولمزهم..ينزل مسرعا الي الشارع ببيجامته دون ان يفكر حتي في تغيير ملابسه ويصيح : "جميلة؟؟

راحين علي فين؟؟ قوليلي ايه اللي حصل يا جميلة ؟؟ عملوا فيكي ايه ؟؟

جميلة "واجمة تنظر حولها باستغراب وتدمع" ثم تصيح : بابا لا..بابا لا..

يحاول الاستاذ سامح منعهم بالقوة الا ان الاب يلعنه ويهم عليه بقبضته ولكن الجيران واهل المنطقة يفضون الاشتباك فورا دون حدوث خسائر الا سيل من اللعنات علي الاستاذ سامح..وصياح من جميلة "برة برة لا لا"

بكي الاستاذ سامح لاول مرة لفرق جميلة..لم يره اهل المنطقة يبكي من قبل ولا امام اكثر الاغاني تاثيرا لانه كان يدخل في حالة تأمل..فالحزن عنده تأمل ..ولكن حزن فراقه لجميلة كان اغرب واقسي..

صعد سريعا الي شقته اغلق الباب سمع جيرانه اصوات تحطيم النوافذ والمراة وعم الصخب ارجاء الشقة وهرع اليه كما الريح استاذ حسن جاره وصديقه الوحيد صارخا : ما تعملش كده يا سامح هتأذي نفسك وحياة ولادي اللي بتحبهم يا شيخ افتح الباب..

خرج الاطفال يصيحون في خوف : عمو سامح عمو سامح

رق قلبه لضعفهم وتوسلهم وفتح الباب في حسرة وجلس علي الارض وكأنه يشرب من كأس النحيب..لم ينبس ببنت شفة ولكنه هز رأسه متعجبا لحسن وقال في النهاية : راحت..جميلة راحت !!


ومازال الدفتر الازرق بين يديه..حتي عندما نسي ملابسه ونزل الي الشارع الي جميلة لم ينسي الدفتر الازرق..حتي وهو يبكي ويحطم النوافذ كان يمسك الدفتر الازرق..

حسن "متاثرا" بحال جاره وصديقه : مالك يا سامح؟ ايه اللي حصل؟؟ هو انت قابلتها؟؟ هو ابوها عرف حاجة؟؟ هو حد شافكوا في الجنينة ؟؟

سامح "وهو يكفكف دموعه" : انا هاحكيلك علي كل حاجة يا حسن..



وبعد عدة ايام :

لا حول ولا قوة الا بالله ..وجاب المسدس منين بس ؟؟ وايه اللي وصله لكده؟؟

كان لسان حال الناس امام حادث انتحار سامح يسأل في فضول " ما السر" ..كانت الجثة ملقاة فوق الدفتر الازرق وكانه مشهد انتحار روميو وجوليت..ألهذا الحد كان يعشق الدفتر الأزرق ؟؟

كان الوحيد الذي يعرف سره وحكايته الاستاذ حسين ..حتي ان الشرطة سمحت له في حق الحصول علي الدفتر الأزرق بعد ان اتطلعوا عليه كاملا ولكنه طلب نسخة منه ليتفحصه ويعرف سره الاخر..فالاستاذ حسين كان الوحيد الذي عرف حكاية جميلة ولكن سامح لم يطلعه علي سر الدفتر ابدا..


وفي الأربعين ..كان السرادق ملئ بالفضوليين..اربعين يوما منذ الحادث ومازال اهل المنطقة يريدون معرفة السبب..وحسين وحده يملك الاجابة وحل اللغز وفك الشفرة..

جلس مع بعض الاصدقاء علي القهوة بعد ايام من الاربعين وذكري صديقه سامح وفكر ان يحكي لهم القصة وكانه يلقي حملا ثقيلا عن نفسه ويريح نفسه من هذا الثقل الجاثم..فما اعتي قوة اسرار اهل الهوي ان لم تخرج وتسري مسري الهواء الذي نتنفسه..

قال له احدهم : انت الوحيد اللي عارف واحنا قاصدينك تقولنا هو ايه اللي حصل؟؟

حسين : قبل ما اقولكم هو ليه انتحر خلوني اقرالكم جزء من دفتره الازرق اللي كلكوا عارفين انه مش بيمشي الا بيه..

احد الزبائن علي القهوة: ايوه فعلا دي حكاية عجيبة قوي ده كل حركة معاه الدفتر حتي ع القهوة بينزل بيه والناس مسمياه "سامح الأزرق" علي لون الدفتر ده..

حسين: انا لقيته تحت جثته الله يرحمه وكأنهم ما افترقوش حتي يوم موته ..روح واحدة..زي ما هو نفسه بيقول في صفحات الدفتر..

الزبون: طيب قولنا ايه قصة الدفتر الأول..

حسين : شوف يا سيدي..سامح كاتب في اول صفحة من الدفتر قبل اي حاجة جملة واحدة بتقول  :
" احيانا لا اعرف هل انا هذا الدفتر وسطوره ..ام انها تنهش جسدي لتكتب من تلقاء نفسها بحبر دمائي..هل هذا الدفتر قلبي ام ان قلبي دفترا لشجون الناس واوجاعهم وغربة حكايتهم وغرابتها ؟؟
دفتري العزيز بدأت قصتنا يوم وداعي الأول..يوم ان ودعتني الدنيا والحبيبة..يوم ان ودعتني "جميلة"..نعم..انها "جميلة سيد عبد الرحمن" التي جعلت من حواسي رهن لاشارتها ..واطلقت علي نفسي بتعبير "البوذيين" جملة "المولود مرتين"..نعم ان العاشق هو باختصار شديد "المولود مرتين"..فارقتني ولم افارقها منذ اكثر من اربعون عاما ..سأقولها لمن يقرأ هذا الدفتر الذي لن افارقه بعد موتي..نعم انه تعويض عنها..
نعم انه تجسيد جميلة..

قاطعه احد الحضور : جميلة مين ؟؟مين جميلة سيد عبد الرحمن " دي ؟؟ هو مش كان بيقولوا بيحب جميلة الرفاعي اللي ساكنة قدامه؟؟

حسين : دي حبيبته الاولي اللي ما حبش بعدها ابدا..

زبون : طيب وجميلة جارته ؟؟ هو ازاي يحب واحدة زي دي اصلا ؟؟ هو كان مجنون ولا ايه ؟؟

حسين "ينفجر غضبا" : اخرس الله يلعنك انت اللي مجنون..خدوا الراجل ده من هنا..مش مكمل الا لما يمشي..

ووسط انفجار الموقف والضجيج خرج الرجل منسحبا امام الجمع الذي يريد ان يسمع بقية القصة ..

حسين : جميلة دي اشرف وانضف انسانة في المنطقة وسامح زين الرجالة واعقل من الف واحد زي ده

زبون اخر: خلاص اهدي يا استاذ وكمل هو مشي خلاص

حسين : انا هاكملكم من الدفتر تفاصيل اللقاء مع جميلة في الجنينة اللي خلي اهلها يعزلوا من المنطقة خوفا من الفضيحة وكلام الناس..
شوف سامح قال ايه في صفحة مكتوب عليها "جميلة تبعث من جديد" :

جميلة تعود من جديد؟؟ اسمها جميلة؟؟هذا ما عرفته اليوم..اري فيها نفس الشجن القديم..نفس الهالة الصوفية الفاصلة بيم روحي وجسدي..هل جميلة بعثت من جديد في جسد فتاة عشرينية صغيرة السن ؟؟

تري لماذا تتحرك بهذه الغرابة؟؟ لماذا يجلس معها اهلها دائما وكأنها طفلة في الثامنة ؟؟ ما السر ورائك يا جميلة؟؟ ..يالها من جيرة الهناء والسرور..سأقولها للزمان مرة واحدة وقول واحد :
ان من يقول لك ان الزمن كفيل بجراحك لم يشعر بجرح او بالغ في تقدير الزمن..
ومن يقول لك ان ديمومة الحب الأول وهم لم يشعر بالحب الحق او لم يدم له عزيز..
ومن يقول لك
لا تضيع حياتك هباءا بعد الفراق لم يعرف ان هناك حياة قد تبدأ بعد الفراق وإسألوا اهل الجنة لو رأيتموهم !!"

جميلة تبعث من جديد؟؟ تخرج كل يوم الي نفس الحديقة..تخرج معها المربية وتجلس معها ساعة او ساعتين..منذ ان تابعت مواعيدها وعرفت ان اسمها جميلة وشعرت بنفس روح جميلة ترفرف حولي..عرفت كل برنامج حياتها متي تخرج ومع من تجلس ومتي تخرج الي الشرفة..سهل جدا ان تتابع انسان ولكن الاهم ان تستطيع الوصول الي وجدانه فالبصر نعمة ولكن الشعور مكافأة..

حاولت لفترة طويلة ان احدثها..اعرف عنها اشياء اكثر من اسمها..ولكن دائما ما يراقبها والدها من بعيد من الشرفة لان الحديقة امام شرفة بيته مباشرة فهي دائما لا تغيب عن بصره ..فهي دائما تحت المراقبة..

في احد الايام تلصصت وعرفت ان الاب مسافر لفترة وان المربية فقط معها في الجنينة..اكثر من ساعة وانا احاول ان اقنع المربية ان تجعلني اتحدث عنها ولن اؤذيها ..بلا جدوي..حاولت في اليوم الثاني والثالث والرابع..وفي النهاية اقتنعت وقالت اني طيب القلب ولن اؤذي جميلة ابدا..خصوصا اني قلت لها اني احب جميلة ..

صرخت المربية وقالت : بتحبها ؟؟؟ازاي؟؟؟


يقاطع زبون : وهو صحيح كان بيحبها ازاي ؟؟

حسين: استني هاكملك الحكاية هو مكانش بيحبها ولكن كان شايف فيها تجسيد لجميلة حبيبته القديمة ووجد في تشابه الاسم والروح شئ يجذبه اليها ولكن اعترف انه مكانش بيحبها وانما كان بيناديها وكانها "جميلة سيد عبد الرحمن" حبيبته القديمة..

اسمع بقي من غير ما تقاطع باقي اللي هو كاتبه :

جلست بعد اقناع المربية حولها سألتها : إسمك ؟

نظرت حولها في حيرة وقطفت زهرة واهدتها الي  وقالت :جميلة..جميلة..جميلة

سألت في تعجب : جميلة فعلا

ظلت تمعن في تفاصيلي وسألتني : الحياة ؟؟

قلت :هي الحب

قالت: و الحب ؟؟

قلت: هو الحياة والنور

قالت : الحياة هي الحب والحب هو الحياة والنور؟؟ هل الحب يحتوي نفسه اذا ؟؟

كان سؤالا فلسفيا منها وقلت : مقياس ويقاس عليه ويقاس به

قالت : وهل هذا ممكن ؟

قلت :مثل عينيك فهي مقياس لسرعة الضوء الملائكي..وتقاس عليها جمال الدنيا

قالت : تتفلسف  ؟؟

قلت : تفلسفتي أولا بلسانك وبرمشك السابح في دمائي

قالت : ألا تخاف من الناس ؟؟

قلت : أحتويهم في دفتر..

قالت : لتشعر بقربهم ؟؟

قلت: لأشعر بغدرهم

قالت : ستحبني للأبد ؟

قلت : حسبك..أنا الأبدية

قالت "تبتسم": يا لغرورك ..وأنا اذا الأبجدية

قلت: أعرف وأري حروفك تكتبني كل دقيقة..

قالت: بأي لغة أكتبك؟؟

قلت: بما لم ينطقه البشر بعد..

قالت: انت منطوق ولست مقروءا ؟؟

قلت: فقط انتي من يقرأني كتابا ويغلقني في رف مكتبة بأتربة روحي العاشقة

قالت : مثالي ؟؟

قلت : المثالية في حضرة الجمال واقع

قالت : اذا واقعي ؟؟

قلت : الواقعية في حضرة لقائك عالم مسحور

قالت : من انت اذا ؟؟ وما انت؟؟ ولماذا انت ؟؟

قلت : من انا ..تحدديه
ما انا..خلقتيه
لماذا انا..حقا..لماذا انا ؟؟

قالت "في خجل انثوي لطيف" : إسأل كيوبيد

قلت : رحماك ربي من رقة النساء..


انتهي لقائنا الأول..وكان لقائنا الثاني بعد فترة وسأرويه بالتفصيل..


قال الناس عل القهوة : ازاي الكلام ده ؟؟ بالعقل كده ازاي؟؟ جميلة ؟؟ بتحبه وكلمته؟؟ ده جنان ايه ده يا ناس ؟؟

زبون اخر: الراجل ده بيهرج ؟؟ الحكاية دي ما حصلتش..جميلة مش ممكن تعمل كده ولا تحب واحد قد جدها ولا هي عارفاه اساسا..

حسين في غضب : يا نااااااااااس اسمعوا بقي وبلاش مقاطعة الحكاية مخلصتش...هتعرفوا كل حاجة..الدفتر شارح نفسه

زبون: طيب قول يا سيدي ده كلام ولا الشعر الراجل ده كان بيكتب بقي طول اليوم واحنا مش داريين بيه

حسبن: ايوه سامح الله يرحمه كان بيحب الكتابة..واسمعوا بقية اللي قاله :

في اللقاء الثاني تأتي دائما اللهفة..فاللهفة صديقة اللقاء الثاني أكثر من اللقاء الأول..فالحيرة هي صديقة اللقاء الأول..حيرة الاكتشاف والخوف..بينما في اللقاء الثاني تكون لهفة العاشق هي القوة الوحيدة الدافعة..لهفة لمزيد

من الحب لينهل من فيض عطاء الحب وديمومة سقياه..

أمسكت يدها ومعي زهرة وقلت : لك

قالت : لي؟؟

قلت: زهرة لزهرة في حديقة يالها من صورة

قالت: صدمة

قلت: لماذا؟؟

قالت: فراق

قلت: موتي..

قالت: ليس بيدي

قلت : وداع جميل منمق

قالت: لا تصدقني

قلت: لا اصدق لحظات الهجر فهي دائما كاذبة بشكل ما

قالت: واين الصدق فيها؟؟

قلت: لحظة الحضن الأخير

قالت: اعطني الصدق اذا في خضم هذا العذاب والكذب وترقيع الواقع ..اعطني لحظة حقيقة اواجه بها اشباح كياني المفارق وخبيئتي الغارقة.


حضنتها وقبلتها وبكينا ..أكثر من سبب للوداع دائما دون ان تعرف السبب الحقيقي ولكنك تودع كما المجبر..
كنت كما طير"مالك الحزين" اعزف اجمل الحاني في لحظة الألم..وياله من ألم..

وجدت الناس حولي وسمعت اصواتا تصيح وفضيحة مدوية في وسط الحديقة..وهربت جميلة..وكانت اخر كلماتها " ماما..حبيبي يا ماما..حبي يا ماما"

وخرجت من المنطقة بلا عودة ولم اجد اثر لجميلة اخري..فاخترت النهاية الجميلة..فوق دفتري الجميل..


زبون علي القهوة : الله عليك ..ده ولا افلام السيما..بس برضه ما فهمتش الحتة الاخيرة..جميلة اكيد ما اتكلمتش خالص

حسين: يا جماعة ما انتوا عارفين حالة جميلة..

زبون: لا مؤاخذة عندها لطف ؟؟

حسين "مستهزءا" : في مجتمعنا المختل ممكن تقول عليه لطف..انما دي حالة اسمها "توحد"

زبون : توحد ؟؟

حسين: جميلة ما كلمتوش ولا كلمة في الجنينة كل ده من صنع خياله..هو كان بيكلمها وبيرد علي نفسه في الدفتر وبيتخيلها جميلة حبيبته القديمة

زبون: يا دين النبي

حسين: انما الناس اتلموا فعلا ساعة ما حضنها وحاول يبوسها وهي مستغربة والدادة كانت بتزعق والاب شافهم وكانت مشكلة كبيرة يوم ما عزلوا من المنطقة

زبون: طيب وباقي الدفتر يا استاذ ؟؟

خرج حسين من القهوة سارحا ولم يجب علي السؤال الأخير..فعلا ماذا يوجد في بقية الدفتر العملاق ؟؟ ان حكاية جميلة بضعة صفحات ولكن ماذا يحتوي بقية الدفتر ؟؟

دخل الي بيته ووجد زوجته في انتظاره وقالت له نفس السؤال : وبقية الدفتر كان فيه ايه يا حسين ؟؟

دمعت عيناه وقال لها : كانت حكاياته مع اكتر من "جميلة" في كل مكان..في كل بلد..في كل زمن..جميلة مختلفة بشكلها وباسمها ولكن بيتخيلها هو بعينه "جميلة سيد عبد الرحمن" ومش بيشوف غيرها..اكتر من الف

حكاية..في حديقة في سفينة في بيت في حارة في شارع في كل مكان وزمان ..دفتر ازرق بيلخص رحلة بحثه عن جميلة بعد الفراق

زوجته: عشان كده كان بيتكلم عن الفراق في اللقاء الثاني هو كان يقصد جميلة اول حب ليه مش جميلة جارتنا

حسين : جميلة اتعلقت بيه فعلا ده اللي عرفتوا من ابوها..ودي مشكلة تانية

زوجته : جميلة بتاعتنا ؟؟ ازاي؟؟

حسين: بدأت تسأل عليه وتخرج من حالتها ..وكانها في حالة سحر..حتي الدكاترة مش لاقيين تفسير..شئ غريب وكأنه ميتافيزيقا مش علاج حالة ..

زوجته: سألت علي المرحوم سامح ؟؟

حسين: ابوها جالي وعرف الخبر وبكي كتير لان البنت في حالة صعبة وكل يوم بتسأل عليه وبتخبط علي الارض بعصبية وبتقول سامح حبيبي..لحد ما بدأت تشفي تدريجيا بما يشبه المعجزة

زوجته : فعلا بقالها عايشة قدامنا سنين قولنا حالتها مالهاش حل

حسين : انا داخل اوضة المكتب


وأمسك ورقة في نهاية الدفتر مزقها ووضعها في مكان بعيدا عن الدفتر..كان مكتوب فيها " لا اعرف كيف حدث بعد الف جميلة وجميلة..ان شعرت وكذبت نفسي ..اني احب "جميلة الرفاعي" كما احببت "جميلة سيد عبد الرحمن"


قال لنفسه : مكتوب عليك الفراق دائما يا صديقي..يالها من معجزة"  !!

No comments: