Friday, November 8, 2013

الحــب ومزمـــار فيثــاغورس...قصة قصيرة






"هناك نوعان من القلوب ،قلوب شمسية تعرف ان الشمس أصل ضوء القمر، وقلوب قمرية يكشف القمر عن صوت عوائها القبيح كما الذئاب ..وأنا أفضل أن يكون قلبي لوحة شمس لا تغرب "

موسيقي الروح؟؟موسيقي الكون؟ هل سيحدث الإنسجام بينهما ؟؟ لا تتعجب يا صديقي انه مزمار فيثاغورث..نعم لقد وجدته ..كانت لفيثاغورث هذا الفيلسوف والعالم نظرية تقول بأن لحركات الأفلاك نغمات وان للنفس نغم..وهناك نظرية اخري علمية تسمي نظرية الاوتار الفائقة توضح ان المادة في حالة اهتزاز دائم ..هل نعزف الموسيقي بأجسادنا ؟؟

نعم انا اصدق فأنا قد وجدت مزمار وتعلمت طريقته ،أعزف به أجمل الألحان ليل نهار ، وسأروي لكم كيف لا تنسجم موسيقي الأرواح أحيانا في الحب مما يسبب انهيار العلاقات ..وليست كل علاقة حب فهناك علاقات زائفة وهناك علاقة قائمة علي الاعجاب فقط بينما الحب خارج اطار كلمة "علاقة" فهو "اتحاد" وان لم يخرج من طور العلاقات فهو حب لم تنضج ثماره بعد.

كنت أراقبهم دائما منذ ان تعرفت علي صديقي "سليم" نعم انا تقريبا شحاذ أحصل علي قوت يومي ببعض موسيقي المزمار الذي وجدته ولكنه كان متواضعا جدا وكان كلما عاد من الجامعة نظر الي ووقف امامي وقال :

هتعزف لنا ايه النهاردة يا بطل؟"

كان في ريعان شبابه لم يتجاوز العشرين تشعر في قسمات وجهه بالطيبة والتحدي في وقت واحد ،لم يكن قصيرا او طويلا وكان معتدل القامة لا اراه الا مبتسما ولكني اعرف انه كان مهووسا بالموسيقي ولذلك عندما وجدني كانه وجد ضالته المنشودة.

بعد اربع سنوات تقريبا وفي سنة تخرجه تغير تغيرا جذريا ..لقد وطأ الحب رمال قلبه وترك أثرا نافذا لا يخرجه الجن ولا تذريه الرياح..لكم تغيرت يا سليم !! ..
كان يحكي لي عن قصة حبه وعن صوفية الحب وكيف انهما يحبان هذا الحب الغير مشروط الحب الروحي الكامل العميق الذي تلبس له الأرواح الفساتين وتخرج في مواكبها امام نبض القلب بكل فخر ..

قال لي في نبرة يأس  " الأشياء التي تموت في الحب لا تعود الا بحب أقوي وأعتي"

قلت له " وهل هناك اشياء تموت في الحب دون ان يموت الحب؟؟"

قال سليم في نظرة واثقة متحفزة :  هناك اشياء تموت في العشاق والحب خالد لا يموت..الحب فكرة والعشاق صفة..الفكرة لا تموت بينما الصفات قد تتغير !


لم أقابله منذ سنوات لأنني كنت في رحلة مع احدي فرق المولد اعزف بالمزمار لكي اجد قوت يومي  وهو من حكي لي عن فيثاغورث وقال لي انني املك مزمار فيثاغورث وانني لا اعزف الا لكي تنسجم موسيقي الأرواح والأنفس..

وعندما عدت الي جوار منزله مرة اخري سقط مني المزمار وداسته احدي السيارات ..هل ماتت موسيقي الروح ؟؟
و سأروي لكم القصة التي حدثت أمام شرفة منزل سليم  او سيرويها لكم كل شخصياتها علي ألسنتهم وسأبدأها بالأم..والدة راندا التي احبها سليم منذ سنوات وهام بها عشقا وجنونا..


الأم :

أه يا راندا كم أحزن من أجلك يا بنتي..في كل ليلة نمشي ونسير في كل الشوارع تخرجين معي الي كل المناسبات الاجتماعية لعلك تجدي "ابن الحلال" ..

نعم اعرف انك حزينة جدا علي فراقك لسليم ولكن كل شخصية منكم كانت غريبة عن الأخري..انه كان غريب الأطوار بلا شك..يتحدث عن تعانق الارواح وموسيقاها وكيف ان نسمو بأرواحنا الي ما فوق الحياة كما قال نجيب محفوظ ..

اعرف انك تحبينه الي اقصي درجة ولكنه هجرك الأن..انه نذل جبان مهما بكيتي أمامه يا صغيرتي لن يعود..انه مجنون مهووس بالروحانيات التي لا يأكل منها الناس لقمة عيش..واعرف انه يحبك حتي العبادة ولكنه وكانه عابر سبيل يا بنيتي ولا يصلح ان يكون زوج..انه الزوج المثالي ولكن في المدينة الفاضلة فقط ..اما علي هذه الارض فهو من مجاذيب الهوي الذين يختبأون في قلوبهم من شر الدنيا ومن حقد العالم وهذا النوع لم يعد يصلح في هذا الوقت..

أه يا راندا يا بنيتي لا اعرف سبب انزعاجك الغريب من "عقب السيجارة" الملقي علي الأرض..كلما وجدتي عقب سيجارة بكيت وارتميتي في احضاني واسمع نحيبك وخفقان قلبك المتدفق..

اعرف انك لا تحبين المناسبات التي اذهب اليها وتقولين لي دائما  " ماما انا مش بضاعة هتعرضيها علي كل صحباتك انا عايزة احب واتحب..فاكرة سليم يا ماما؟"

نعم يا بنيتي اتذكر سليم الغريب في دنيا الغرباء ..الذي هام بالحب حتي نسي الحياة نفسها ..اصبح عالمه هو عالم القلب النابض وليس عالم المادة..لقد توحد في عالمه حتي اصبح وكانه نبضة تسير علي أرض مسعورة ..
اتركي الماضي يا بنيتي ودعينا نبحث لكي عن ابن الحلال !!



راندا :

أه يا سليم..لماذ تركتني ؟؟ هل انت حقا من هؤلاء الأنذال كما تقول والدتي؟؟ ام انت من مجاذيب الهوي؟؟ ولماذا تركتني يا قلبي وعقلي ..ألم تقل لي ان عيناي اشهي من انهار الخمر والعسل..؟ لماذ تركتني فجاة ؟؟هل لأني عدت لأرض الواقع قليلا؟؟ هل سنعيش في الحب دهرا وننسي واقع الحياة الصعب ؟؟ هل امي محقة فيما تقول يا سليم؟؟ بالله عليك يا مهجة روحي قل لي كيف هانت عليك تلك الأيام ؟؟

اين ذهبت اشعارك التي مزقت بها كياني واغرقتني في حبك ؟؟ هل تحولت قصائد الحب الي قصائد هجر ورثاء علي الحب المفقود ؟؟ ما الذي مات فينا يا سليم ؟؟ هل فقدتك ام فقدتني ام فقدنا الحب ؟؟

مرة اخري اجد عقب السيجارة علي الارض واري نظرتك من الشرفة التي تقتلني وتشعرني بالذنب ..انها قضية بلا قاض يا سليم لا اعرف من منا المخطئ ومن منا البرئ..لا اعرف سبب افتراقنا ولكني لا اجد سببا لعودتنا بهذه الحالة ..انزل معي الي الارض يا سليم..كوكب الحب الذي تعيش فيه لا يتنفس فيه الا انت اما نحن نحتاج لمزيد من اوكسجين الواقع..ولكن رئتك انت تتحمل فقط اوكسجين الحب..قلت لي مرات "لو عشت بلا حب مت كما يخرج السمك من الماء..انا لا احتاج الا الحب ..انا الحب نفسه"

نعم يا سليم اشهد بعسلية عينيك وصفاء روحك انك انت الحب نفسه..نعم اشتاق الي رومانسيتك الباكية ووعودك التي تغربت في تفاصيلي واشتاق الي اصابعك التي تشتاق الي مسح دموعي الأن وتشتاق عيناي الي لمستها ولكن سيبقي سؤالي دائما..لماذا تركتني يا سليم؟؟ هل لانك اعتبرتني من الماديين الذين تتحدث عنهم..هل ستعود لنظرية نجيب محفوظ وتقول لي انني في الحياة وانت تحب ما فوق الحياة؟؟
امي تقول عنك انك مجنون ولكني اقول عنك انك غريب عن الحياة يا سليم..لقد خلقت لتكون رائد مذهب الحب ..او شيخ طريقة العاشقين..فهل تعود قليلا الي الواقع يا حبيبي وكياني ؟؟




سليم :

اه يا راندا..لكم تغيرتي ..اين ذهبت راندا التي كانت تحدثني عن فناء ارواحنا في بعضها وذوبان قلوبنا لنصبح قلب واحد ينبض بالخيال..اين ذهب لهفة اول لقاء ونظرة عينيك الخجولة ..واليوم تتحدثين معي حينما قلت "اعبدك"   وتقولين بلغة مادية خرقاء   " واين هي الشقة وكم مرتبك حاليا يا سليم" !!

الم تسمعي بجملة "للحب وقت وللموت وقت"؟؟ اتتحدثين معي عن دنياك الحمقاء وانا اترهبن في عينيك..؟؟..أتنتصر دنيا "تاييس" المادية علي دنيا الراهب مرة اخري ؟؟ لا في هذه المرة سأنتقم..لن تنتصر دنيا المادة علي روحي الظمأنة للخلود..لن تنتصر دنيا الماديات علي دنيا سليم ابدا يا راندا يا حبيبتي..

نعم انا الذي القي عقب السيجارة وانتي تعرفين هذا جيدا..كلما مررتي مع امك تحت شرفة البيت انظر الي منظرك بازدراء والقي عليك بعقب السيجارة او لكي اكون دقيقا فانا اقصد به امك وليس انت..
امك التي تجرك الي مزاد الرغبات وشهوة الاجساد الفانية..مزاد علني في سوق الرقيق الجديد في جميع المناسبات الاجتماعية لكي تجدي كما يقولون "ابن الحلال" ..

لا يوجد ما يسمي "ابن الحلال" فانا لا اعترف الا بما يسمي "ابن الحب "  ..
نعم انها اللعنة..نعم انها نظريتي التي حدثتك عنها كثيرا ان خسرتي حبك الأول فستتعذبين طوال حياتك ..نعم ان الحب ينتقم وما اصعب انتقامه ..

ابكي الأن يا راندا اجد دموعك العاتية علي خديك ولكني لن اشارك في هذا المزاد الغبي الا بعقب سيجارة القيه عليكن من شرفتي وانا انظر الي منظر الأم التي تجر ابنتها لإبن الحلال وتهجر ابن الحب..

نحن ابناء الحب سنترك بنات الحلال فنحن نريد بنات الحب ..ولنترك بنات الحلال لاولاد الحلال في دنيا مادية بحتة تبحث عن المادة الحلال ولا تبحث عن غيبوبة الهوي..

عقب سيجارة اشارك به في المزاد..
عقب سيجارة علي رأس كل من داس الغرام بنعل المال..
عقب سيجارة لكل من قتل موسيقي الكون بألات النفخ المادية..
عقب سيجارة لكل إمرأة هجرت حبها لكي تزيد من وسع أربعة جداران..
عقب سيجارة لكل من قتل الروح بقنبلة البدن..
عقب سيجارة علي رأس كل من قال عن العشاق غرباء عن الدنيا وهم اصل الدنيا..


نعم يا راندا ابكي في حضن امك..فكلما مررتي من امام الشرفة سأرمي لكم ثمن حياتكم المادية..عقب سيجارة !!




نعم هذه هي حكاية سليم..لن تعرف من المخطئ ومن المصيب؟ المادة الخالصة ام الصوفية العشقية التائهة في العالم..هذه هي القصة التي رأيتها عندما عدت من المولد وحضرت فراق العاشقين..

قال لي وهو يحتضنني بعد عودتي : اعزف لي اي شئ الأن يا زمار فيثاغورث..

قلت له في حزن: المزمار اتكسر..

قال : لا يهم سنظل نعزف بقلوبنا ..فالكون هو الموسيقي والحب هو لحن حياتي..ولن تنتصر المادة ابدا..وسنجد من يشاركنا في مدينتنا الفاضلة..!!




عمر طويل مر وعرفت ان سليم هاجر الي الخارج ثم عاد الي مصر وتوفي بمرض خطير ودفنه اخوته في مقابر العائلة ..ولم يتزوج وكان اخر ما كتبه كلمات نجيب محفوظ "ان الذين يحبون ما فوق الحياة لا يتزوجون" ..!!

ولكن المقابر شهدت جملة غريبة مكتوبة فوق قبر سليم تقول "الي اجمل مجنون عرفته في حياتي..سأحبك الي الأبد" ..

كنت اقف هناك لزيارة قبره ولا اعرف هل كتبت هذه الجملة راندا ام حب جديد له ؟؟ ولكن ان كانت راندا هي التي كتبتها فهي مازلت تحبه..لقد انتصر عالمه الروحي علي عالم المادة اذا ووجدت راندا ابن الحلال ولكنها لم تجد

ابن الحب ..لقد انتصرت يا سليم..لقد وجدت مدينتك الفاضلة ولكن بعد موتك ..او موتك في ذات الحب..

يالك من مجنون مثالي !!

No comments: