Sunday, June 8, 2014

إرتجــاع بيولوجــي..قصة قصيرة






" تصالح مع قبحك..تكن الاجمل يا صديقي"


"سليم" اختار ان يصطفي نفسه فلا أحد اختاره واصطفاه ..واطلق علي نفسه لقب "المصطفي" ..!!

قال وهو يفكر بصوت عال كالعادة " اختر لنفسك المركز الأول قبل ان يلقيك الاخرين خارج التصنيف..لا تعطهم الفرصة..فالمركز الثاني ملئ بالصراعات"

ربما ستسأل نفسك الأن عن قصة سليم او تتهم الكاتب بالجنون والدخول في صلب موضوع لم يعطي فكرة عنه اصلا..ولكني سأعطيك هذه التنهيدة الشهيرة بجميع الكتاب وابدأ في سرد قصة "سليم"..

"سليم محمود الجمل عبد الرحيم" شاب متوسط السن قمحي اللون عادي الملامح..له طريقة مميزة في المشي وخصوصا لو حصل علي زيادة في المرتب مثلا فالكل يعشق المال ولكن سليم يستنشقه..!
كان يعاني من احدي المشكلات العصبية التي لا تعطيه ثقة كاملة امام الناس..ذهب الي جميع الاطباء في جميع التخصصات دون جدوي ..حتي انه قال يوما عن الاطباء "انهم وسيلة للتحسر علي مرضك وليس علاجه" !

وفي احدي المرات سمع عن ما يسمي ب "الارتجاع البيولوجي" ربما يساهم ولو بشكل ما في علاج حالته التي يأس منها تقريبا لدرجة انه فقد الاحساس بالسعادة واللذة مهما كانت معطياتها .فكيف يشعر بالسعادة دون ان يملك حتي مستشعرات السعادة داخله ؟

وفي غرفة الانتظار في احدي العيادات :

التمرجي : اتفضل يا بيه..اسم الكريم ايه ؟

سليم: سليم محمود الجمل

التمرجي: عاشت الاسامي يا سي جمل

سليم "هامسا لنفسه" : التمرجية مرحلة انعدام الوزن قبل لكمة الطبيب..ولكنها اغبي المراحل"

التمرجي: بتقول حاجة يا اخ جمل ؟

سليم: لا يا سيدي ما بقولش حاجة وبعدين اسمي سليم

التمرجي: عاشت الاسامي يا سي سليم الجمل

سليم" كاتما غيظه" : هادخل امتي ؟

التمرجي "هامسا" : عادي ولا مستعجل؟

سليم: اه ..فهمت..مستعجل لو سمحت  "

واعطاه ورقة بخمسة عشر جنيها للدخول السريع.." بالمصطلح الشعبي "كرمشله ورقة في ايده"


دخل سليم الي غرفة الطبيب في دوره ولكن لسوء الحظ انقطع التيار الكهربائي فجاة ..فقال : وشي ده يا دكتور ولا ايه ؟

الطبيب: وشك؟؟ ماله وشك؟

سليم" في انكسار واضح" : انا مشكلتي كبيرة يا دكتور انا معدتش بحس ان مصيبتي سهلة الا لما اقعد اسمع مصايب كتير من غيري عشان اقول الحمد لله رغم ان الحمد لله في كل حال طبعا

الطبيب: بتتألم ؟

سليم: يا دكتور انا شايف اننا نتكلم اما النور ييجي ده انا حتي مش شايفك

الطبيب: لا نكمل كده افضل..اعتبرنا بندردش مع بعض

سليم: انا فاقد الثقة في نفسي تماما مهزوز مخنوق مش قادر اعيش زي غيري دايما بحسدهم علي حياتهم العادية

الطبيب: وانت حياتك مش عادية؟؟ فكر تاني كده

سليم: تقصد ايه يا دكتور ؟

الطبيب: اقصد انك اكيد برضه بتملك شئ هم يتمنوا يملكوه

سليم: يملكوه حلال عليهم اي كان ايه هو.. بس انا نفسي املك اللي عندهم

الطبيب: وايه فيهم اقيم؟؟ومين اللي بيقيم؟؟

سليم: الاتنين مع بعض قيمة

الطبيب: يعني هم فاقدين حاجة قيمة؟

سليم: لا انا اللي فاقد حاجة عادية وده الألم الحقيقي؟

الطبيب: فقدان الشئ القيم ولا فقدان الشئ الاساسي اصعب ؟

سليم: وازاي اعيش بالقيم من غير الاساسي؟

الطبيب: اشعر بالاستثنائية..حس انك غريب عن العالم ..لو اقتنعت انك غريب هتعيش عادي

سليم: وليه اعيش غريب ومتعذب بالاحساس ده ؟

الطبيب: عايزك تكون زي الطيور ..هي عارفة انها شئ مختلف وسعيدة بكده

سليم: طيب وهي فاهمة انها غريبة؟؟

الطبيب: طيب ما انت كإنسان مش بتفهمها انها غريبة ومش بتبصلها بدهشة..بالعكس انت بتبصلها باعجاب

سليم: يعني جمال الطير في تألفه مع انه غريب عن الانسان ولا ف جماله نفسه ؟

الطبيب: الاتنين..لان الطيور لو كانت حاسة انها غريبة وبس وخايفة من كده كانت استخبت علطول في الجحور مش بنت الاعشاش ع الشجر

سليم: هم دول السببين اللي بيدوا الطيور ثقة في نفسها

الطبيب: لا وفي سبب تالت مهم

سليم: ايه هو

الطبيب: احساسها انك انت اللي غريب مش هي

سليم: الانسان هو اللي غريب؟؟

الطبيب: من انانية الانسان انه فاكر نفسه هو الحقيقة الثابتة وهو موضع المقارنة

سليم: ايوه بس ربنا قال ان الانسان اتخلق في احسن تقويم

الطبيب: ايوه وربنا كمان اتكلم عن جمال العالم والتدبر في بديع صنعه يعني مش الانسان فقط انما الانسان فاكر نفسه انه هو الاصل والطيور والجبال والشجر هي اللي تتقارن بيه

سليم: دي انانية منه ولا ايمان بالرسالة؟

الطبيب: وهو انت رسالتك انك تكون الحقيقة ولا انك تدور عن الحقيقة؟

سليم: ادور عن الحقيقة بجمال مشوه ؟

الطبيب: مش احسن من انك تدور عن الجمال بحقيقة مشوهة ؟

سليم: انا عايز اتعالج ..ارجوك انا عايز اتعالج وابص للناس بشكل طبيعي

الطبيب: ولو بصيتلهم بشكل طبيعي تفتكر هم عمرهم هيبصولك بشكل طبيعي؟؟ الناس كلها امراض

سليم: افهمهما ..اتعايش معاها يا دكتور بس احط عيني في عنيهم مش ابص في الارض

الطبيب: صدقني من حسرتك وخيبة املك فيهم هتبص في الارض برضه

سليم: نخوض التجربة ..امل مزيف موافق عليه انا جربت علاج كتير ومافيش فايدة ..العيب في وشي لسه موجود

الطبيب: تعالي يا سليم اقعد علي السرير ده


بدا الطبيب في وضع مجموعة من الاسلاك حول رأس سليم وبدأ سليم في استرجاع اجزاء من حياته علي سبيل التسلية اثناء جلسة العلاج المنتظرة حينما يعود التيار الكهربائي ولنعتبرها "لقطات من حياة سليم"


اللقطة الأولي :

في احدي اماكن التصوير في مصر في مكان عمل سليم :

الريجيسير: انا اكتر واحد بيتعب هنا..اي واللهي

سليم: فعلا ربنا يكون في عونك

الريجيسير: انا موجود لخدمة الجميع ..الممثل عايزني اسليه اسليه..افسحه افسحه..اجيبله مزز اروح اجيبه مزز..ابعبصه لا مؤاخذة اقوم مبعبصه..

سليم: انت بتتعب فعلا بس في الاخر اسمك بينزل علي التتر في العمل وبتلاقي ثمرة مجهودك ده

الريجيسير: فعلا عندك حق ..ثمرة مجهودي اهم حاجة ثمرة مجهود السنين ..انا هاروح اكمل شغلي



اللقطة الثانية:

مجاميع في اللوكيشن :

سليم: انتي قايمة بدور ايه ؟

الممثلة الكومبارس: والله ما انا عارفة يا اخويا لسه هيحددوا الدور دلوقتي..

سليم: اول مرة تمثلي؟

الممثلة: فشر ده انا عملت اعلانات وغادة عادل دي ما تفرقش عني حاجة لولا هو الحظ بس..والله يا اخويا كنت زي القمر في الاعلان اللي فات واللي قبله

سليم: اسمك ايه ؟

الممثلة: سها ..محسوبتك سها ..ورقم تليفونك كمان بقي يا سي الاستاذ؟

سليم: عاشت الاسامي يا ست سها..خليها فرصة تانية..وان شاء الله تلاقي الدور اللي يناسبك واشوفك بطلة




اللقطة الثالثة:

في كواليس العمل :

المنجد: عارف حضرتك..

سليم: افندك؟

المنجد: اسمك ايه؟

سليم:  سليم

المنجد: شوف يا سي سليم..انا ابويا وانا صغير كان يسيبلي السجاير بنفسه فوق الدولاب لانه شافني مرة بشرب سجاير وقال ان من هنا ورايح لازم اشرب قدامه مش من وراه

سليم: مبدأ برضه

المنجد: شكلك بتألس عليا

سليم: لا والله مش القصد بس هي فكرة برضه علي سبيل المصارحة يعني

المنجد: اي والله الوالد ده ما يتعوضش ..كان يأكلني بايده معلقة السمنة عشان اتغذي في البلد عندنا

سليم: ونعم الناس يا سيدي



اللقطة الرابعة :


ممثلة صغيرة تشكو لمساعد المخرج من المنتج :

ممثلة: تخيل حضرتك ..تخيل اروح اقوله عايزة دور ..يقولي انا عايزك انتي شوفت الوساخة وقلة الاصل..والمصيبة انه عارفني وانا مش غريبة عنه

مساعد المخرج: فعلا الناس معادش عندها ضمير ..ايه الوساخة دي..سيبك منه انا هاشوفلك فرصة احسن ستين مرة من شكله

ممثلة: ربنا يخليك ليا انت فعلا ونعم الأخ وانسان محترم

مساعد المخرج: ما تشكرنيش ..انا بعمل الواجب بس وعشان الفن يحتاج الموهوبين اللي زيك



اللقطة الخامسة:


عم حسن: يا استاذي الفاضل البرشام بيوقع السنان

سليم: وانت عشان كده ما بتاخدش برشام يا عم حسن؟

عم حسن: والله انا عمري ما اخد الزفت ده ..بيهد الحيل ويخليك رابط في السرير..انت عارف الواد اللي جوة ده..واخد برشام ..امه العيانة بتصحيه يجيبلها لقمة بيفضل نايم للفجر لحد ما امتت امه وهو صحي

دفنها وكمل نوم ..والبرشام هد حيله ودخل المستشفي مرتين
والغريبة يا استاذ انه كان يقولك "اصل عندي داء النوم..اصل واحد عملي عمل النوم." ده كلام يعقل بالذمة؟

سليم: فعلا سكنه هباب احسن انك بعيد عنه يا عم حسن..

عم حسن: يا استاذ ده البت بتبيعه في صدرها دلوقتي وعارفة ان الظابط مش هيعرف يقفشها لا مؤاخذة ويلعب في البرشام والا هتقول عليه بيتحرش..التاجر الكبير يبعت البت من دول تجيب داغ الشباب بالبرشام..

سليم: يا ساتر يارب افظع استغلال للبنات ..ده طبعا غير انهم اكيد بيشغلوهم في الدعارة

عم حسن: اكيد يا استاذ ..دول عالم ما تعرفش ربنا..استغفر الله..الحمد لله اننا بعيد عن السكة دي





في عيادة الطبيب :

الطبيب: مالك يا استاذ سليم ..سرحت في ايه من اول الجلسة وساكت كده

سليم: انا شايف اننا نشيل الاسلاك دي يا دكتور ..ارتجاع بيولوجي ايه والعالم هو اللي عايز يرجع لنفسه من تاني

الطبيب: تصالح مع نفسك يا سليم ..تصالح حتي مع قبحك لو كنت فاكر نفسك قبيح

سليم: انا خلاص مش عايز علاج يا دكتور انا اقتنعت بكلامك

الطبيب: بس ايه اللي حصل بالظبط..انت من شوية كنت مصر علي العلاج ..ممكن افهم ايه اللي خلاك ترجع في كلامك ؟

سليم: قررت اكون زي الطيور..ومش بس كده انا هاكون الحقيقة وهم مجرد دور بهلوان بيخبي الف حقيقة وكذبة جواه في نفس الوقت



بدأ الطبيب في نزع الاسلاك دون ان يدري ما الذي غير سليم فجأة واثناع عن قراره بالعلاج ؟؟ هل اقتنع حقا ام انه تذكر شئ ما اثناء فترة شروده جعلته ينسحب ويرضي بحالته ؟


سيظل القارئ الأن متحيرا ويسأل " ما الشئ  الذي جعل سليم يقرر ان يترك العلاج؟ وما علاقة اللقطات التي تذكرها بانسحابه؟"  امممم سأقول لكم بعد قليل ..

ربما ستقولون في سركم الأن انني غريب الاطوار ..ولكني قلت لكم "بعد قليل" لأنني اتحدث الأن مع سليم شخصيا لأحاول ان اعرف منه ما الذي حدث ؟


الأن عدت اليكم..هل تريدون معرفة سبب انسحاب سليم ؟ انه قبح الأخرين..

حدث كل هذا في يوم واحد كما حكي لي سليم وقال : " لقد انسحبت من جلسة العلاج لان العالم كان قبيحا حولي لدرجة انني اقتنعت بانهه من يحتاج الي العلاج وليس وجهي..لقد اقتنعت بحديث الطبيب عن فكرة الطيور والجمال ولكني ايضا تذكرت مشهد من حياتي لا ينسي من خلال اللقطات التي تذكرتها اثناء الجلسة..حدث هذا كله في غرفة الملابس عندما دخلت علي مساعد المخرج فوجدته في وضع مخل مع الممثلة الناشئة التي كانت تشتكي من المنتج واستغلاله لها..

لقد هجرت الممثلة المنتج لكي تقع في براثن مساعد المخرج خرجت من الهاوية الي غياهب الجب..انه مسلسل السقوط الدائم ..

قال سليم في اسي بالغ ودمعت عيناه "  افتكرت الممثلة دي محترمة طلعت حقيقتها انها بتوقع مساعد المخرج..
افتكرت الريجيسير بيشتكي من التعب طلع بيشتكي ان الممثلة اللي كبرها هو بايده خانته ووقعته بعد ما كان ممثل كبير
افتكرت المنجد اللي اتكلم عن ابوه بيحبه طلع ان جسمه كله متعلم من الكرابيج اللي كان ابوه بيضربه بيها
حتي عم حسن..عرفت في الاخر انه بيضرب مراته عشان فلوس البرشام الزفت ده..
هم دول اللي عايز اتعالج عشانهم..؟؟ يا اخي ده انت لو جبت ادوية العالم كله ما يعالجش القبح اللي جواهم ..اتفووووه علي دول بشر..

مرت السنوات وظهر علاج فعلي لحالة سليم الغريبة ولكني عرفت في النهاية انه لم يعالج حتي الان ..
بل ان الحالة ازدادت سوءا ولكنه يبتسم للدنيا ويضحك بصوت قوي من داخله علي كل من فكر العلاج من اجلهم..

ومازال يتذكر الجملة التي تقول "تصالح مع قبحك.."  وقد تصالح مع قبحه كما يراه..!

1 comment:

Unknown said...

تصالح مع قبحك
!!تكن(اسعد)الناس