Monday, November 10, 2014

حينما نظر شكسبير الي مروة طاهر...قصة قصيرة





العلامات الشهيرة لوجوه المجرمين لم تظهر يوما علي وجه "أحمد علي" فهو شاب في مقتبل العمر , وسيم الي حد ما , دائم الإبتسام واحيانا بدون سبب واضح , ذو شعر ناعم وذقن خفيفة أسفل الوجه  تسمي في أيامنا هذه "سكسوكة" .

لا نعرف تحديدا كيف يكون هذا الشاب المتفوق في دراسته في هذا الموقف الأن , يقف وسط بركة من الدماء ويكتب بعض السطور بنهم المجرم المتعطش للون الأحمر ..وقف يمسك بالقلم ويرتعش ارتعاشة واضحة تظهر في خطه وهو يكتب احدي سونيتات شكسبير :



"العنصران الأخران ,الهواء الرقيق والنار النقية
كلاهما لديك حيثما أكون
الأول فكري والثاني رغبتي
هذان المتحركان بيننا دائما في الحضور والغياب"

شكسبير ..سونيت 45


ألقي الورقة فوق الجثة وخرج يرسم ابتسامته المعتادة والتي تظهر في هذه الحالة وبعد جريمة قتل حالة تبلد شديدة الغرابة وكأنه من المجرمين المتمرسين الذين يظهرون في الافلام الامريكية والذين يتلذذون بالتعذيب علي نغمات الموسيقي !

استيقظ من نومه مفزوعا منزعجا وهو ينظر الي صورة حبيبته "ليلي" في يده والتي يضعها دوما تحت الويسادة وكأنها حقنة مهدئة أو زهرة بنفسج جميلة تنسيه ألام الكوابيس وجنونها وغيبياتها ..أخذ يكلم الصورة قائلا :

مش عارف يا ليلي امتي هتخرج الكوابيس دي مني ..انتي الحاجة الوحيدة اللي بتخرجني من الحالة دي يا حبيبتي ..انا لو صحيت وما لقيتش صورتك قدامي ممكن اموت من الخوف ..انتي الامان في عالم كله خوف وقلق.."

22/1/1998

"عبير الدهان" فتاة رقيقة في منتصف العشرينات ..ولكنها ترقد الأن في سلام وفوق رأسها ورقة بيضاء يمسكها احد أطباء الطب الشرعي ويقرأها :

"لا مخاوفي الخاصة,ولا روحي المتنبئة
التي تحلم بالأشياء المقبلة في هذا العالم الواسع
يمكنها السيطرة علي مصير حبي الصادق
الذي يخضع لدورة المصير المعلوم"

شكسبير..سونيت 107"



إستيفظ احمد مرة أخري وهو يلعن الكوابيس القبيحة ويقول لنفسه صائحا :

ليه انا بالذات ..ليه يا ربي دايما الخوف مصاحبني واصحي كل يوم عرقان وخايف من اليوم اللي بعديه..ليه المستقبل كله قدامي بلون الدم والخوف والحاضر مجرد انتظار لكابوس منتظر ؟"

حكي لأحد أصدقائه وهو "سمير عبد الحي" علي كوابيسه فقال له : بص يا احمد انا اعرف واحد كويس في موضوع تفسير الأحلام ده لو عايز تروحله انا تحت أمرك"
أحمد : ياريت يا سمير تدلني علني لأني بجد بقيت مش عارف اعيش حياة طبيعية


وفي بيت الدكتور "طاهر الأرضي" :

دكتور طاهر: اتفضلوا اهلا وسهلا نورتونا يا شباب

سمير: ده احمد صاحبي يا دكتور اللي كلمتك عنه وعن كوابيسه الغريبة

دكتور طاهر: اهلا وسهلا يا احمد سمير حكالي عنك كتير وانك من اعز اصحابه ونفسه يساعدك

أحمد: انا متشكر ليك جدا يا دكتور وان شاء الله الاقي الحل علي ايدك

دكتور طاهر: خير يا احمد احكيلي بالتفصيل ايه اللي بتشوفه في الحلم

أحمد: انا بشوف اني بقتل باستمرار وكلهم بنات وكل بنت بقتلها برمي جنبها سونيتة لشكسبير ..انا فعلا بحب شكسبير جدا وكل اصحابي عارفين كده لكن ايه معني انه يخليني اقتل في الحلم ؟

دكتور طاهر: شوف يا احمد الموضوع ممكن يكون مشكلة نفسية او ظروف معينة مرت بيك وبتحاول عن طريق اللاوعي التنفيث عن الغضب اللي جواك ولكن من ناحية تفسير الاحلام فده كتاب لابن سيرين وانا علمت لك علي السطور اللي تخص ناحية رؤية القتل في الاحلام ممكن تبص عليها ونتكلم عنها مع بعض :

من كتاب ابن سيرين :

"من رأى أنه قتل إنساناً، فإنه يرتكب أمراً عظيماً، وقيل إنه نجاة من غم لقوله تعالى { وقتلت نفساً فنجيناك من الغم وفتناك فتوناً } ومن رأى أنه يقتل نفسه أصاب خيراً وتاب توبة نصوحا لقوله تعالى { فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم } ومن رأى أنه يقتل، فإنه يطول عمره.ومن رأى كأنه قتل نفساً من غير ذبح أصاب المقتول خيراً، والأصل أن الذبح فيما لا يحل ذبحه ظلم.وإن رأى أنه ذبحه ذبحاً، فإن الذابح يظلم المذبوح في دينه أو معصية يحمله عليها، وأما من قتل أو سمى قتيلاً وعرف قاتله، فإنه ينال خيراً وغناء ومالاً وسلطاناً"

أحمد: بس انا خايف يا دكتور جدا والاحلام مسببة لي قلق باستمرار والغريبة ان السونيتات بتاعة شكسبير وكأنها ماشية بالترتيب من تحت لفوق ..وكأنها عايزة توصلي حاجة انا حافظ كل تفاصيل الحلم

دكتور طاهر: شوف يا احمد انت اكيد عارف كارل يونغ العالم الشهير واحد رواد علم النفس

احمد: عارفه اكيد

دكتور طاهر: يونج كان ليه تحليل ان الحلم بتكشف عن حقائق فعلا وساعات بيكون فيها صدق لتوقعات مستقبلية..يعني نقدر نقول يا احمد ان الاحلام تنفيث او توقع

احمد: تنصحني بايه يا دكتور؟

دكتور طاهر: شوف انا قارئ لعلم النفس ولكن مش متخصص فيه وانا انصحك ما تستهترش بكابوس دائم ومتكرر بنفس النمط وانصحك بانك تعرض مفسك علي طبيب نفسي وده رأي يا احمد

في هذه اللحظة دخلت "مروة" بالمشروبات للضيوف وكانها لحظة شروق..حجاب ذو الوان منمقة جميلة وعينان كانهما كأسي خمر وشفاه دقيقة رقيقة وخدود متوردة وكانها تعريف جديد للأنوثة الكاملة.

قال دكتور طاهر  :دي بنتي مروة طالبة في كلية الحقوق.ده يا مروة الاستاذ احمد صاحب سمير جارنا خريج حقوق برضه

قالت مروة في خجل: فرصة سعيدة يا استاذ احمد  حضرتك دفعة كام؟

احمد: انا في سنة رابعة حاليا

سمير: احمد يا ستي من الطلبة المتفوقين جدا وكل سنة بامتياز

الدكتور طاهر: ما شاء الله يا احمد ده انت تشرح بقي لمروة بعض الحاجات اللي مش فاهماها لانها مغلبانا في سنة تانية وشايفة انها اصعب سنة

احمد: اكيد يا دكتور انا معنديش اي مانع


وهكذا تنشأ بعض العلاقات من مجرد صدفة ولا ننكر ان الاعجاب كان متبادلا ايضا بين احمد ومروة من اول نظرة ولكن الاعجاب يحتاج لتعدد اللقاءات لتوطيده لدرجة "حب بامتياز".

شهور مرت علي الدروس القانونية والشرح المستمر من احمد لمروة في منزل الدكتور طاهر والعلاقة تزداد توهجا وتالقا يوما بعد يوم حتي صارحها احمد بحبه وصارحته هي بحبها له ايضا.

4/4/1999
"سالي عبد الدايم" فتاة عشرينية جميلة مخضبة بالدماء علي كرسي متحرك مقتولة وبجوارها ورقة مكتوب عليها :

"واصلي اذا ايتها الحبيبة كرهك لي
لأني اعرف الأن افكارك
أنت تحبين أولئك الذين يستطيعون الرؤية
وانا رجل اعمي

شكسبير ..سونيت 149



وطبيب الطب الشرعي يصيح غاضبا: احمد انت قتلت تاني؟؟ انت مجرم مجرم يا احمد مجررررررررررررم حقيررررر


استيقظ احمد مفزوعا من كابوسه الجديد وصرخ قائلا :اعوذ بالله من الشيطان الرجيم انا ما قتلتش حد ما قتلتش حد ..عايزين مني ايه

نظر مرة اخري الي صورة حبيبته الأولي وقبلها وقال : حبيبتي انتي الحلم اللي بيخلني انسي كل كوابيسي والمي وحزني في الدنيا


بعد فترة في منزل الدكتور طاهر :

زوجة دكتور طاهر: طاهر عايزاك في موضوع

دكتور طاهر: خير يا اميمة ؟

اميمة: بنتك بتحب جديد

دكتور طاهر: ؟؟؟

أميمة: لقيت الورقة دي في كشكول المحاضرات وانا بنضف الاوضة وواحد سايبلها شعر

دكتور طاهر: شعر ايه ؟

أميمة: كاتب مش عارف سونيتة ايه وشوية ارقام تحتها

فزع دكتور طاهر من ما قالته اميمة ووضع يده علي فمه وهرع علي الغرفة مذعورا ينظر الي الورقة التي تحدثت عنها زوجنه ومكتوب فيها :

"الحب صغير جدا علي معرفة معني الوعي
ومع هذا فمن ذا الذي لا يعرف ان الوعي وليد الحب؟
لا تحشدي التهم ضدي اذن أيتها المخادعة الرقيقة
كي لا يثبت ان المدان في اخطائي هو ذاتك الجميلة"

"شكسبير.. سونيت 151

45
107
149
151

هكذا كانت الورقة المليئة بالأرقام والشعر الشكسبيري كما رأها الدكتور طاهر.
جري الدكتور طاهر الي سماعة التليفون واتصل بسرعة بسمير صديق احمد ليسأل عن مكانه وعرف انه اخر مرة رأه كان يشرح لمروة بعض المحاضرات ولم يراهما بعد ذلك.


في احد المناطق النائية:

مروة: انت متأكد يا احمد انك هتوديني اكتر الاماكن رومانسية؟ ماله بس الكافيه اللي جنبنا هههه

احمد: صدقيني المكان هيعجبك جدا انتي مش واثقة فيا يا مروة ؟

مروة: اخص عليك يا احمد ما تقولش كده ده انت بقيت عمري كله

وصلوا الي المكان وقال احمد : اتفضلي يا مروة احب اوريكي اكتر الاماكن رومانسية علي وجه الارض ..

بعد عامين في احد اقسام الشرطة :

الظابط: اهدي يا دكتور طاهر وصدقني محدش هيفلت من العقاب وبنتك هتاخد حقها

دكتور طاهر: حسبي الله ونعم الوكيل فيه المجرم

الظابط: اكتب يا ابني عندك  "وقد تم العثور علي جثة المدعوة /مروة طاهر في احد الاكواخ علي الكيلو 151طريق السويس الصحراوي بعد ابلاغنا من احد المشتبهين في الكوخ وتم الانتقال لموقع البلاغ علي الفور وجاري البحث عن المدعو / احمد علي "


وفي منزل الدكتور طاهر :

سمير: شئ غريب فعلا يا دكتور طاهر احمد ده طول عمره نموذج للاخلاق في الجامعة

دكتور طاهر: طلع مجرم وسفاح والناس مش بالمظاهر

سمير: يعني كل دي مكانتش احلام يا دكتور كانت حقيقة

طاهر: فعلا يا سمير ضحك علينا وقالنا انه كان بيحلم وهو بينفذ جرايمه حتي بنتي المسكينة ما فلتتش منه ووثقت فيه بكل براءة

سمير: ولقوا ايه تاني في الكوخ يا دكتور؟

طاهر: لقوا منظر بشع لبنات تانية وكل بنت مكتوب تحتها رقم سونيت شكسبير وملفوفة في كيس اسود وورق الحائظ كله علي الجدار صورة كبيرة لشكسبير وكانه بيبص لكل واحد داخل الاوضة

سمير: لا حول ولا قوة الا بالله لكن ازاي عمل كل ده ؟

طاهر: بيقولوا بدافع انتقام من واحدة سابته اسمها ليلي

سمير: ليلي؟؟

طاهر: ايوه ودي صورتها

صعق سمير من رؤيته لصورة ليلي حبيبته هو وقال في ذهول : لكن ليلي دي خطيبتي..وهو عمره ما كلمها اصلا ولا قال انه كان بيحبها لأي مخلوق..ومنين جاب صورتها دي ؟؟

طاهر: خطيبتك؟؟؟

سمير: ايوه يا دكتور أحمد اتجنن تماما ..انتقام ازاي وهو عمره ما قالها بحبك ولا قال لاي مخلوق وطول عمرهم بيتعاملوا كانهم اخوات ده حضر خطوبتنا كمان

طاهر: لا حول ولا قوة الا بالله..الولد ده لازم يلاقوه باي طريقة لانه خطر علي كل حد يقابله


بعد شهور :

نسمع جرس الباب في منزل سميرويفتح سمير الباب ولا يجد أحد ويجد ورقة ملقاة مكتوب عليها :

عزيزي سمير/

انا لسه مستخبي في مكان محدش هيعرفه ,طبعا انت مستغرب من موضوع ليلي, عمري ما صارحت حد بحبي لليلي لكن ارجوك تديها الورقة دي:

"كان إله الحب الصغير مستلقيا ذات يوم وقد غلبه النوم،
وكانت إلى جانبه شعلته التي تضرم نار الهوى في القلوب،
بينما كثير من الحوريات اللاتي أقسمن على الاحتفاظ بحياتهن الطاهرة
يعبرن في قدومهن من جانبه، لكن اليد العذرءا
لأجمل واحدة منهن، التقطت تلك الشعلة
التي عقدت بالدفء كثيرا من روابط القلوب المخلصة؛
هكذا كان أمير الرغبات الساخنة
مستغرقا في النوم عندما جردته اليد العذراء من سلاحه.
وأطفأتْ تلك الشعلة في أحد الآبار الباردة المجاورة،
فاتخذ البئر من نار الحب حرارة أبدية،
وصار حماماً ونبعاً شافياً
للبشر المصابين. ولما كنت عبدا لحبيبتي،
فقد ذهبت هناك أطلب الشفاء، وهذه هي الحقيقة التي وجدتها:
نار الحب تجعل الماء ساخنا، لكن الماء لا يجعل الحب باردا.

شكسبير ..سونيت 154


وفي اخر الورقة كانت الجملة التي انزلت الرعب في قلب سمير وتقول :  "لم تجعليني يا ليلي حبك الأول ولذلك قررت ان اجعلك السونيت الأخير"

No comments: