Wednesday, January 14, 2015

ليلة زفــاف أكثر من مثــالية ..قصة قصيرة




في ليلة السبت وقبل موعد الفرح تلقت "لارا " ظرفا صغيرا مغلق بإحكام ولم تتواني هي ان تقرأ ما فيه بسرعة وبفضول شديد وقلق ايضا فهي تخشي من أي شئ قد يعرقل مسار الفرح الذي تنتظره امها المريضة بفارغ الصبر فربما يمنحها بعض السعادة التي فقدتها منذ ان اصابها المرض .

كانت الورقة في داخل الظرف ملونة بعدة ألوان كأنها قوس قزح مما يوحي انه خطاب تهنئة أو ما شابه وسرعان ما بدأت لارا في القراءة :


"الكل يبحث عن كيفية جعل "الفرح" مثاليا في عيون الحاضرين ولكن لابد لهم ان يعوا جيدا ان المثالية التي يبحثون عنها لن تتواجد بين صفحات الكتب او شبكة الإنترنت ولكنها تبدا من داخلهم,
البشر تعودوا ان ينقدوا كل شئ فلن تستطيع ان تضفي المثالية علي أي شئ ولكن العلاج موجود وهو ان تكون انت مثاليا في تصرفاتك ,
نعم انه فن الاقناع فربما من فرط ثقتك في مثالية ما حولك تقنع الأخرين بمثاليته فعلا ان البداية والنهاية تكمن داخلك وليس في قاعة الفرح ولا في عدد الزهور ولا في ثوب الكراسي ولا الدانتيل ولا طول فستان الفرح بل انت مفتاح السر وأنت حقيقة هذه الليلة .

ولانك أنت سر هذه الليلة فقد قررت أنا ان أمنحك ليلة مثالية لن تجديها بين صفحات الكتب ولا في أي مكان ورغم ان المثالية وهم كبير فانت فقط من سيجدها هذه الليلة لانها بإختصار "ليلة الوهم والحلم" .

مبروك للعروسين .


إنتهت لارا من قراءة الخطاب وإختلطت مشاعرها بين الريبة والسعادة فهي لا تعرف من الذي أقدم علي هذه الخطوة الغامضة ولماذا يمنحها فرح مجاني وهل عرف "حاتم" خطيبها بأمر هذا الخطاب أم لا يا تري ؟

هرعت الي الهاتف وأجرت اتصالا علي "موبايل" حاتم :

لارا: ازيك يا حاتم واحشني

حاتم: ازيك يا لارا وانتي كمان يا حبيبتي

لارا: حاتم انا عايزة أسألك علي حاجة

حاتم: قولي يا لارا

لارا: في جواب جالي النهاردة بيقول ان فرحنا هيكون مجانا انت تعرف حاجة عن الكلام ده ؟

حاتم: اتصلت بيا ادارة الفندق وقالولي فعلا انها مفاجأة من رجل اعمال وانه مش قاصد بالذات فرحنا ولكن هو عملها بشكل عشوائي واحنا اللي فزنا بالليلة دي

لارا: طمنتني يا حاتم بجد انا مبسوطة قوي بالفرح ده وهنزل معاهم من بكرة انقي كل حاجة

حاتم: ربنا يسعدنا دايما يا لارا يا حبيبتي


في صباح اليوم التالي ذهبت لارا الي الفندق لتبدأ في ترتيب اللازم لهذه الليلة المثالية وظهر معها الاستاذ "اكرم" مسئول القاعة وهو رجل قصير ذو شارب كثيف وانف أفطس ولا تخلو لهجته من بعض الغرابة لانه دائم التحدث بالفرنسية ولا يتحدث العربية الا قليلا وكأن لغته الفرنسية كانت قد طغت الي حدا ما علي لغته الأم فأصبحت مخارج الحروف مضحكة الي حد ما .

لارا: استاذ أكرم ليه الشاشة الكبيرة قوي دي ياريت الحجم يكون اصغر شوية دي شاشة عملاقة حوالين القاعة كلها

اكرم: للأسف يا استاذة كلارا

لارا: لا اسمي لارا

أكرم: اه تمام..للأسف يا أستاذة لارا ان في حاجات مش هتقدري تعدليها لو هتاخدي الليلة المثالية دي ..دي شروط صاحب الفرح

لارا "في حزم" : لكن انا صاحبة الفرح

أكرم: تمام حضرتك ولكن انا اقصد ان في شروط حطها اللي دفع فلوس الفرح ده وقال في حاجات مينفعش تتعدل وحاجات ممكن تختاريها حضرتك براحتك في الكراسي والترابيزات وخلافه

لارا : يعني هو هيتحكم في ذوقنا بفلوسه لا خلاص مش عايزة الفرح ده وهندفع احنا يا استاذ اكرم

اكرم: للأسف حضرتك ان لو الميعاد ده راح مش هتعرفي تحجزي قبل شهر تقريبا لان هو حاجز قبلكم انا أسف يا استاذة لارا.


ظلت لارا تنظر للشاشة العلماقة بإستياء بالغ ولكنها قالت في قرارة نفسها "امري لله" واستسلمت للامر الواقع الذي فرضه عليها "صاحب الفرح" كما يسميه أكرم .

وفي ليلة الزفاف كانت القاعة قد إمتلأت بالضيوف من الأقارب والأصدقاء الكل يظهر في أبهي حلة ويقبل العروسة ويبارك لها ثم يجلس في مكانه وكعادة بعض الأفراح يتم تقسيم القاعة الي اماكن لأقرباء العروس والنصف الأمخر لأقرباء العريس وكانها مباراة بينهم وتبدا روح المبارزة الروحية بين الحاضرين في الادعاء والتظاهر والتحدث عن انجازاتهم ليقولوا للطرف الأخر "نحن الطرف الأقوي" كعادة معظم الأفراح التي لا تخلو أيضا من بعض النفاق الإجتماعي وكأنهم خارجون من فيلم "أرض النفاق" !

وجاءت الفقرة..نعم لا تتعجب أسميها "الفقرة" لأن هذا "الإستعراض" الادمي المسمي "فرح" يمتلأ بالفقرات ..جاءت فقرة "التورتة" ..وهي لابد ان تكون عدة طوابق كما تعودنا في معظم الأفراح الا ان الغريب ان هذه المرة كانت أكبر من اي فرح مضي كانوا لا يعرفون حتي عدد طوابقها فهي تكاد تلامس السقف ولكنهم سرعان ما عرفوا ان كل طابق فيها مدون عليه كلمة وعندما احصوا الكلمات وجدوا كلمات لنزار قباني تقول :

"إني كمصباح الطريق صديقتي
 أبكي ولا احد يري دمعاتي"

وبعد أن قراوا هذه الكلمات شعروا بالقلق الي حد ما وما زاد القلق عند الحضور هو اغلاق الأبواب بإحكام فجاة مما أثار الفزع داخل القاعة وبدأ البعض بالصراخ الذي لم يقطعه الا ظهور شخص فجأة علي الشاشة العملاقة بتصوير مهزوز وكانه بث مباشر من مكان غامض .

بدت الصورة مهزوزة تماما امام عيون الحاضرين علي الشاشة وقال الرجل والكاميرا علي وجهه في وضعية "الزوم"  :  ربنا يسامحني يارب صدقوني انا عمري ما عملت كده بس هو عرض عليا مبلغ كبير جدا عشان اعمل كده انا رايحله اهو قدامكم

لم يفهم الحاضرين من يقصد هذا الرجل وما الذي هو مقدم علي فعله تحديدا وفجاة ظهر علي الشاشة شخص اخر مكمم الفم وصرخت لارا في فزع : سليمااااااااااااااان ؟؟؟؟؟

نظر اليها حاتم في غيرة وغضب وقال : انتي تعرفيه ؟

صمتت لبرهة قبل ان تجيب : ايوه اعرفه يا حاتم ..اعرفه جدا للأسف.

ظهر الرجل الأخر مرة اخري وقال موضحا :  طبعا انتوا مستغربين ايه اللي بيحصل لكن الاستاذ سليمان ده او زي ما قالي انه "صاحب الفرح"  قرر اني اقتله النهاردة واداني فلوس عشان اقتلوا بشكل مباشر قدامكم وانا قولتله لا في البداية لكن هو وعدني بمبلغ بصراحة مقدرتش اقاومه ..انا كنت في صراع مع نفسي لكن قررت اعملها وامري لله.

حاتم "في سخرية" : قاتل وبيقول "امري لله"

بدأ الرجل تصويب المسدس علي جبهة سليمان وكان الصراخ يتعالي في القاعة من شدة الفزع فهذه الليلة المجنونة قد يحدث فيها أي شئ ..وفجاة صرخت لارا :لا استني ..ارجوك خليني اكلم سليمان لو سامعين صوتنا في القاعة.

كان الاتصال عن طريق شبكة الانترنت وكان الصوت مسموع بين الطرفين وأزاح الرجل الكمامة من علي فم سليمان وقالت لارا : سليمان ما تعملش في نفسك كده ارجوك ما تعذبنيش اكتر من كده

حاتم : "في غضب" : انتي بتقولي ايه ؟؟ ما يغور في ستين داهية ايه علاقتك بيه يا لارا هه؟ ردي وقولي ايه علاقتك بالراجل ده ؟

لارا "متجاهلة حاتم"  :  سليمان انت سامعني يا حبيبي؟ ارجوك ما تعملش في نفسك كده ..كل حاجة كانت صعبة عليا زيك بالظبط..صدقني يا سليمان انا ماعشتش يوم واحد سعيدة

حاتم "في غضب عارم" : حبيبك؟؟ انتي بتقولي ايه؟؟ انتي اكيد اتجننتي


في وسط كل هذا الهرج والمرج في القاعة والفرح الذي تحول الي كابوس مزعج سمع الحضور فجأة طلقة مدوية وانفجرت بعدها عدد من "البالونات" في سقف القاعة وخرجت منها سيول من الدماء التي كانت بداخلها ليزداد الموقف رعبا وتتحول القاعة الي بركة من الدماء البشرية .

لم يظهر علي الشاشة الا صورة سليمان وهو مغطي بالدماء مما اصاب لارا بحالة من الهياج والصراخ وهي تدفع حاتم وتضربه بشدة وكانه المسئول الاول عن كل هذا ..وقف حاتم لا يصدق ما حدث وكيف تحول فرحه فجاة الي ألم يطبق علي صدره ويشرخ كل معاني الحلم الذي كان يتمناه مع حبيبته لارا ..لا يصدق ان حلمه أصبح كالجنين الميت فلحظة الولادة والسعادة هي لحظة الموت والحزن !

في بعض الافراح يخرج احيانا العريس والعروس من تحت الأرض وهذا ما حدث فجاة امام اعينهم..انطلق دخان كثيف وخرج سليمان من تحت الأرض ليعلن لهم ان كل ما شاهدوه مشهدا مسجلا وانه مازال حي يرزق واحتضنته لارا بشغف وهي تقول "اوعي تسيبني تاني يا سليمان اوعي تسيبني ..انا عمري ما عرفت الألم غير دلوقتي اما حسيت اني فقدتك "

لم يقل سليمان وهو يحتضنها وسط دهشة الحضور جميعا الا كلمتين "2=2 يا لارا ما ينفعش يساوي واحد خالص..العدل بيقول كده "

لارا: يعني ايه يا سليمان ؟ ليه بتقول كده ؟

سليمان : هتفهمي بعدين يا حبيبتي


انتهت الليلة الحزينة وسط لعنات وغضب الحاضرين التي انصبت علي العريس والعروس وسليمان وتوعدوه برفع دعاوي قضائية ومحاكمته ولكنه لم يهتم لانه سيجد سعادته اخيرا مع لارا التي فقدها منذ سنوات .

كان يوم فراق لارا وحاتم هو نفس اليوم الذي اجتمع فيه لارا وسليمان قصة الحب القديمة التي اعاد الزمان صياغتها من جديد..عاشوا معا خمسة شهور من السعادة وفي احدي الايام علي شاطئ البحر :

لارا: انا بعيش اسعد ايام حياتي يا سليمان معاك دلوقتي انتي رجعتلي عمري كله

سليمان: وايه اللي ممكن يضيع السعادة دي يا حبيبتي؟

لارا: طول ما انا معاك عمر السعادة ما هتنتهي

سليمان: السعادة مش بتدوم بفقدان اسبابها يا حبيبتي

لارا: تقصد ايه يا حبيبي؟

سليمان: فاكرة اما قولتلك 2 لازم يساوي 2

لارا: ايوه ومقولتليش تقصد ايه بكده يا سليمان

سليمان: يعني انتي جرحتيني مرتين يا لارا ..مرة اما سبتيني ومرة تانية اما اتجوزتي وشوفت فرحك قدام عيني ..وانا عذبتك مرة واحدة بس يوم الفرح

لارا: ؟؟؟؟


بعد عدة سنوات في منطقة المقطم في احدي المستشفيات :

حاتم: مافيش امل يا دكتور؟ الحالة مالهاش حل ابدا ؟

الطبيب: للاسف يا استاذ حاتم كل حاجة بإيد ربنا هي دلوقتي في حالة
Psychological trauma
وبقالها فترة طويلة لكن اكيد الامل موجود


وقف حاتم من بعيد وهو ينظر الي لارا وهي ترسم رسمتها المعتادة علي جدران المستشفي وكأنها في عالم أخر تماما ولا تدري بما يدور حولها.كانت رسمة أشبه بشبح أسود ثم سرعان ما تحاول مسحه وهي خائفة ومذعورة.

وفي شقة سليمان :

الأم : شوفت يا سعيد ..سبحان الله معقول كل ده حصل للبنت ؟ اللهم لا شماتة

الأب: يا زينب ونشمت ليه بس ..ابنك وموت نفسه عشانها من سنين طويلة لكن ايه اللي حصل للبنت مش عارفين

الأم: بيقولوا ان الفرح كان ماشي طبيعي وفجاة قعدت تصوت وتقول "دم..دم..كل المكان فيه دم..ليه بتعمل كده يا حبيبي؟"  قصة غريبة جدا

الأب: وبقالها سنين في الحالة دي ..ربنا يشفيها يا زينب مش عايزين نشمت في حد ونقول انها كانت السبب في موت ابننا زمان .

الأم: هو فعلا انتحر عشانها يوم ما سابته بدون سبب وسافرت برة وحس انها خدعته وقالتله في الاخر كل حاجة بينا انتهت

الأب: ربنا يسامحها بقي يا زينب كفاية اللي هي فيه دلوقتي.


كل ما وجدوه في غرفتها وسط المكياج بعد الفرح كارت نص محروق مكتوب عليه "دليلك الي ليلة زفاف مثالية"  !! من المرسل لا احد يعرف ..
كل ما يقوله ويردده حاتم لنفسه " ليه لارا مقالتليش علي الكارت ده ؟؟ ليه ؟؟ ومين بعته ؟"

وفي زيارة اخري دخل حاتم مع الطبيب الجديد بالمستشفي وسرعان ما جحظت عينا لارا بفزع وسالت دمعة وهو يقول : دكتور أكرم هكون معاها علطول يا افندم دي في عيوني ما تقلقش علي لارا هانم ".

يبتسم أكرم بخبث وهو يغلق الباب بعد رحيل حاتم ويقول

" كلارا ولا لارا ؟ "  !!!