Friday, December 3, 2010

نـهر لـم يعـشق أبدا..قـصة قـصيرة







لم يري سامي الشيخ العجوز الجالس عند النهر كل صباح منذ فترة طويلة..يظنه البعض مجنون ..والبعض يظنه من احكام العمر وكبر السن..والبعض لا يكترث لهذا الشيخ العجوز علي الاطلاق..ولكن سامي لم يكن ينظر الامور الا بنظرته هو وليس بنظرة الناس التي يري فيها الكثير من شباك الاحكام المسبقة..

كان سامي شاب ثلاثيني العمر حسن الطلة تحسبه اصغر من سنه بكثير ..وكانت كل هواياته متعلقة بالشمس ..سواء هواية التصوير في الشروق والغروب او الصيد او الحب بحكم غروب الشمس وانتهاز فرصته مع اسرار الليل والامه..
كان يؤمن بأن وراء كا واحد منا سر كبير سواء معلن او غير معلن ولكن البعض يحب ان يعلن سره الكاذب والاخرون يحاولون اخفاء سرهم الصادق احيانا..وكان يري في هذا الشيخ العجوز نوعه الثاني .

كان هذا الشيخ يأتي كعادته كل صباح بصنارة وبعض الاوراق وكتاب صغير وكان يثير استغراب سامي ما يفعله الشيخ هناك حيث انه يرمي الصنارة بعد خمس دقائق ويبدأ في النظر الي النهر لفترات تتعدي الخمس ساعات احيانا حتي اصبح مسار سخرية معظم فتيان المنطقة ولا يبعدهم عن الرجل المسكين الا سامي نفسه.

قرر سامي ان يقطع مع نفسه تلك الحيرة وان يعرف تفاصيل الرجل الغامضة وسره المتخفي في حركات المياه الراكدة الخفيفة ..اراد ان يعرف ما يحتوي هذا الرجل وما اخذه من النهر بعد هذه السنوات التي رأه فيها يأتي كل يوم.
وفي صباح من تلك الايام ذهب سامي الي الرجل واقترب منه وأمسكه من كتفه وقال : صباح الخير

ارتعد الشيخ المسكين فجأة ونظر : صباح الخير ..لقد افزعتني ..لم اتعود ان يلقي علي احدهم التحية
قال سامي: اسف جدا لم اقصد ..

الشيخ: اري في عينيك ما تريد ان تعرفه وما يريد الجميع ان يعرفه ولكن سري لا يخرج لاحد حتي ولو اتهموني بالجنون

جلس سامي بعد ان اطمأن الرجل اليه : حتي انا ؟

الشيخ: انت الوحيد الذي كنت تساعدني طوال هذه الفترة حتي ولو لم يدر بيننا حوار

سامي: ماذا فعل النهر لك حتي تعاتبه بعينيك كل هذه الفترة وتنظر اليه بكل هذا العمق ؟

الشيخ: لقد كنت اجالس هذا النهر منذ سن العشرين وتعودت علي هذا ومازالت اجالسه محاولا الوصول لحكمته عن الحب

سامي: ولماذا النهر تحديدا؟ لماذا لا يكون للزهر نصيب او للقمر او لغيرهم ؟

الشيخ: في كل شئ خلقه الله حكمة عن الحب وكأنه خلق كل هذه الاشياء لتحيا ولنعرف منها معني الحب والحياة..الزهر وانتمائه للشمس وكأنه ينحني لها تقديرا علي عمره التي اهدته اياه ..والقمر وغوصه في البحر كل غروب وكانه يحاول ان يتطهر من كثرة اسرار العشاق ويظهر كل صباح بفستانه التنكري المشرق الاصفر اللون..والطيور التي تغني كل
صباح لنعرف ان لكل شئ صوت وصوت الانسان الحب..والليل الذي ننام في حضنه كل مساء وينام هو في حضن اسرارنا وبوحنا له فيغزل من تلك الاسرار العشقية ردائه الابيض ليطل علينا صباحا يعرف اكثر عن معني الحب وينظر الينا بعينيه الشمسية فيكسر اعيننا في الارض خجلا وكانه يقول لنا "اعرف عنكم اكثر مما تظنون..فقد وشي بكم الليل"

سامي: وماذا رأيت في النهر ؟

الشيخ : لقد رايت في النهر المعني الكامل للعشق..المعني الحقيقي للغة القدر وهجر العشاق ..بعد كل هذه الفترة التي جالسته وكانه مل مني كثيرا وقرر ان يوحي بسره وحكمته الي اخيرا

سامي: وماذا قال لك ؟

الشيخ : ان انعكاس صورتنا فوق النهر ما هي الا انعكاسة الروح عليه وليس البدن..حالة صفاء كامل تتكسر فوق مياه تتمايل خوفا من ان تسقط تلك الصورة العذبة ..فاذا جلس عاشقان لم يخف النهر غيرته من المشهد فتجد ارواحهما العذبة في الصورة علي النهر في محاولات اغتيال دائمة..محاولات اغتيال عشقية تامة

سامي: اغتيال لهما؟

الشيخ: اغتيال لعشقهما ..فالنهر مدمن لتلك الصورة او متعاف من الادمان يحاول ان يرتشف صورة ارواحهما علي سطحه في كل لقاء بينهما

سامي: ولماذا يغتالهما اذا مادام وصل لحد الادمان للحظة عشق؟

الشيخ: الكل يغار من العشق ويحاول بكل وسعه ان يصل الي حالة الحب الكاملة والصوفية.

سامي: وكيف يغتالهما؟

الشيخ: انظر الي هذا المركب الصغير كلما مر بجانب انعكاسهما علي النهر هز الصورة قليلا ولم تظهر بل تتلاشي تدريجيا

سامي: نعم هذا ما يحدث

الشيخ: هذا هو الزمن..يحاول ان يغير الصورة في كل مرة ويعيد تشكيلها اما تعود تفاصيل روحهيما عشقا واكتمالا مرة اخري او تعود مللا وتعودا.

سامي: هذه المركب تمثل الزمن اذا

الشيخ: نعم وهل تري هذا الطائر الصغير بالاعلي الذي يحاول ان يقتنص الاسماك

سامي: نعم

الشيخ: هذا هو القدر يحاول ان يضرب سهامه بقرب صورة انعكاسهما علي الماء حتي ولو يقصد الصورة بالذات بل يقصد ما تحتها ولكن السهم يؤثر حتي وان كان قريب وليس في قلب الصورة

سامي: هل تقصد الهجر؟

الشيخ: الهجر والقدر عشاق..هل تري بعض الاطفال يلقون الحجارة علي الماء فتهتز الصورة قليلا؟

سامي: نعم

الشيخ: هؤلاء الاطفال يمثلون غيرة البشر وحقد الناس علي حالة العشق الكاملة احيانا .

سامي: اذا فقد عرفت ما هو النهر اذا

الشيخ: هذا النهر الي هو الدنيا ..ولهذا اهجر كل ما في الدنيا واجالسه لاني اري فيه دنيتي الحقيقية.ولكنك لا تعرف ما سلبني النهر ؟

سامي: هل سلبك النهر شئ من قبل ؟

الشيخ: اخذ مني حبيبتي منذ سنوات فجلست اتحداه باني ساخرج منه حكمته واعرفها يوما ما وها قد عرفتها ولم تعد سرا..قد اخذ مني الزمن والدنيا والقدر حبيبتي



ثم سارالشيخ بعيدا وودع سامي وكانه لن يعود ابدا حتي وان خرج سامي كل صباح ينظر من الشرفة هل عاد الشيخ العجوز بلا جدوي
ثم استيقظ في يوما ما علي صوت صراخ فقد وجدوا جثة في النهر ..وكانت جثة الرجل العجوز ذاتها..
وعرف سامي رسالته ..وعرف ان الرجل قرر ان ينام بجوار حبيبته او ان يثبت للنهر انه عرف حكمته..حتي وان لم يعرفها كاملة..
ام تري النهر ادمنه ايضا كما يدمن صورة العشاق عليه ؟
ولا اعرف اذا كنت في حالة تقمص كنت انا هذا الرجل العجوز وكان سامي هو قلبي ..لا اعرف..
ولكن ما اعرفه ان هذا النهر لم يعشق ابدا ..
نعم هو يقتل ولا يعشق ابدا ..!

4 comments:

Anonymous said...

تحفــــــــــــــة
جميلة جدا
انا معجبة جدا بكل المواضيع في المدونة دي بجد وشايفة انها من احسن المدونات اللي بقراها سواء مواضيع كوميدية او مواضيع ادبية
اسلوبك جميل جدا وقت الضحك ضحك ووقت الشعر والخواطر بتبقي استاذ
خلطة رائعة واسلوب رقيق وراقي
مفكرتش قبل كده تروح لدار نشر ؟

تحياتي
سلمي

Anonymous said...

راااااااااااااااااائع دام ابداعك لنا عزيزي
كلمات شيقة جدا ومستوي احترافي

Anonymous said...

بس النهاية مأساوية

بس فعلا معظم الناس دي وراها اسرار وكبيرة كمان يعني ممكن تلاقي واحد في الشارع كده وتلاقي العيال بيجروا وراه كمان وهو مليان اسرار

عجبني جدا الرمزية اللي في القصة وان كل حاجة كانت في النهر بترمز لشئ عند الشيخ ده قصة فيها الكثير والكثير من الابداع

Islam-elba7rawy

Anonymous said...

جميلة جدا بجد

محمد سليمان