Friday, August 23, 2013

إستربتــيز ميس ياسمــين...قصة قصيرة








" لا أحد يستحق الثقة..ولكن كثيرون يستحقون العطف"

نجيب محفوظ



كان يا ماكان..بداية قديمة جدا لأي قصة ولكنها مازالت محببة لبعض الأطفال ولكنها غير مناسبة أبدا لهذه القصة الحقيرة أليس كذلك ؟؟ هل حكم أحدكم علي هذه القصة أنها رخيصة لمجرد قرائته العنوان ..؟ هذا هو حال المجتمع الذي يقع فريسة لكلمة أو إشاعة دون قراءة ما بين السطور .."استربتيز" هل لهذه الكلمة وقع أو صدي رومانسي مثلا ؟؟ ايحاء جنسي..؟؟ خاطر ورغبة ؟؟

ربما تصدم البعض ايضا البداية بهذه الكلمة سيئة السمعة ولكني أري ان لها وقع الحقيقة..مجتمع يمارس الاستربتيز كل يوم..استربتيز سياسي وثقافي واجتماعي وديني ..مجتمع يخلع "البرا" ويلقيها في وجه المندهشين من افراده دون علة تذكر ..ومازلت اسمع صوت التصفيق الحاد.."براااااافو" هايل..صدرها حلو قوي زي الملبن ..ثم فجأة "استغفر الله العظيم حي علي الفلاح يا اخي" !!

قصة "صاصا" لا تختلف كثيرا عن قصة ازدواج شخصيتنا جميعا ..اعذروه..هناك بعض الشخصيات في القصص يكتبها القاص لكي يعذرها المجتمع..اما انا فأخلق بيدي تلك الشخصية كي يحاكمها المجتمع ولا يأخذ أيضا بالظاهر ..فأنا اكره كلمات مثل "الظاهر والمظاهر وشكله كده" فهي تدل علي الاستسلام لما نراه امامنا ..والظاهر لم يعبر ابدا عن حقيقة فدائما كلمة السر هي الباطن..فهل سمعتم شعر عنترة بن شداد وهو يقول "إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ "..هذا بالظبط بيت الشعر الذي يدلك علي خفايا النفس البشرية وشرها الداهم..

"صاصا" رجل في الخمسينات ..ابيض جزء من شعره ومازال الجزء الباقي اسود فاحم..كبير الأنف عريض الجبهة ملئ لحم الخد..قصير القامة ولكن جسمه من بعيد قوي الهيئة مشدود البنيان ..

كان يخرج كل ليلة ليقلب رزقه..وكلمة "يقلب رزقه" توحي بأنه ذاهب الي عمله ولكن عند صاصا كل جملة لها ايحاء ودلالة جنسية ..فمثلا جملة "يقلب رزقه" أي يبحث عن عاهرة جديدة..
جملة "العربية غرزت في الرمل" معناها ان الليلة كانت صاخبة وممتعة جدا..
كلمات مثل "ليمونة او رمانة"  توحي بسن العاهرة وحجم صدرها ..

كالعادة يذهب الي احد الموالد ..لا يحب الذهاب الي الكباريهات فهو دائما يعشق البنت الشعبية رغم انه ماديا قادر علي الذهاب الي اغلي كباريه او حتي نايت كلاب ولكنه يريد إمرأة جاهلة بكل المقاييس لدرجة ان لا تتعرف عليه..فلا يعرفه غير عم "عطعوط" وسمي كذلك نسبة الي العط او تمرسه في العهر بدرجة قدير جدا..فهو من يدله كل ليلة الي مبتغاه وطريقه الي الجنة الارضية..


وفي احدي الليالي :

عطعوط : ايه لقيت ليلتك فين ولا لسه..مش قولتلك "ميس ياسمين" النهاردة

صاصا: اه انا اتأخرت يا عطعوط يادوب الحق المولد دلوقتي وهي هترقص امتي ؟

عطعوط : بص هي هترقص في الاخر استني الساحر والحاجات الاولانية او الاحسن تحجز بدري وتخشلها الاوضة انا موصيها عليك قولها من طرف عطعوط النمرود

صاصا : والله الواحد مش عارف يودي جمايلك فين يا عطعوط

عطعوط : يا راجل ما انت بتودي الجمايل كلها علي المنطقة السفلية ههههههه

صاصا : يا راجل يا عطاط انت يا بتاع المزاج كله..وياتري دي ليمونة ولا رمانة ؟

عطعوط : تفاحة حاجة كده جديدة في السوق ..ميس ياسمين هتخليك تقول امين

صاصا : امين يا عطعوط امين



وفي أحد الأحياء الشعبية في القاهرة بعيدا عن صاصا كان منزل "ناجي" الشاب المصري الثوري الحر سمعته الذهبية هي طريق وصوله الي منصب رفيع في الحزب فهو شاب محترم جدا الكل يشهد له بحسن السير والسلوك..جلس يخطط كالعادة لاحدي التظاهرات ولكن جائته مكالمة مفاجأة :


مجهول: استاذ ناجي من حزب الثورة ؟؟

ناجي : انا ايوه  مين معايا ؟

مجهول : بص مش مهم انا مين انا معايا ورق مهم جدا ولو قابلتني في شارع الهرم قدام كباريه النجمة الساعة 7  هتاخده كله

ناجي: كباريه ايه يا اخي اعوذ بالله يعني خلاص الاماكن خلصت ؟

مجهول : معلش يا سيدي هو بيتي قريب من هناك وبعدين ده يادوب هنقف قدامه دقيقتين والمكان زحمة يعني امان متخافش

ناجي: والورق ده بخصوص ايه يعني ؟

مجهول: هتعرف اما تيجي بس حاجة هتغير مستقبلك  "يغلق الخط"

ناجي : ألو الو..



احتار ناجي كثيرا في أمر هذه المكالمة وحاول ان يستشير امه دون ان ينشر الموضوع اكثر من اللازم :

ناجي : محتار يا أمي واللهي مش عارف ده عايز ايه وورق ايه اللي يقصده

الأم : متروحش يا ابني انا قلبي مش مطمن انت عليك العين وليك الف عدو

ناجي: بس مش يمكن ورق فعلا يقلب الموازين ومهم زي ما بيقول

الأم : حاذر من الطمع يا ابني ده قل ما جمع

ناجي: مش مسألة طمع بس يمكن حاجة هتفيد البلد عموما يا امي متقلقيش انا مش هاروح خلاص مافيش داعي للمخاطرة


قال ناجي هذه الجملة الاخيرة وهو يحاول طمأنة أمه ولكنه في قرارة نفسه عازم علي الذهاب بحس المخاطرة والنزعة السياسية وحبه لبلده..



وفي المولد :

صاصا يقف علي عتبة الباب لغرفة ياسمين ويطرق الباب بهدوء :

صاصا: ايه يا جميل مش هتدخلني ولا ايه ؟

ياسمين : ادخلك فين بالظبط ؟ تحب تدخل فين ؟

صاصا: شكلها ليلة فل زي ما قالولي

ياسمين: اصل انا سمعتي سابقاني

صاصا: سابقاكي علي فين ؟

ياسمين : علي كل شقة وكل اوضة هي هي هي

صاصا: طيب اسبقك انا بقي ع العنوان اللي سايبهولك تحت عقب الباب..

ياسمين: هاخلص رقصتي واحصلك



غريزة صاصا ليست جنسية ولكنها عقدة نفسية صعبة الحل ..ان العاهرة بالنسبة له انسانى متفتحة بلا غموض ولا تفاصيل المرأة التي يجب كشفها اولا قبل مرحلة السرير..انها بالنسبة له مرحلة الصراحة والمكاشفة ..يعرف جيدا من قرائته للتاريخ كم عاهرة عبر الزمن أثرت في اجيال وصنعت تاريخ سواء حكمت عليه بالدمار او بالازدهار مثل عاهرات كثيرات التف حولهن الفلاسفة والكتاب ومنهن من تزوج ملوك واباطرة ..

العاهرة لديها مصارحة اكبر مع النفس فهي لا تتستر بالدين كما بعض رجاله لممارسة العهر ولا تتستر بالسياسة لممارسة القمع ولا تتستر بالحق لممارسة الحرب ولا تتستر بالحب كبعض النساء للسيطرة علي رأس المال !!

دخل صاصا الي غرفته وبدأ يجهز الليلة الحمراء المعتادة في شقته القديمة بعيدا عن زوجته وأولاده..نعم انها خيانة وان كان يطلق عليها "تلطيف جو يفيد الحياة الزوجية" صاصا لا يغلب ابدا فهو يجد البديل لكل جملة سيئة وكلمة مشينة فان لم تعجبه كلمة خيانة قال انها مجرد نزوة او ليلة حظ..

يرن جرس الباب وتدخل ياسمين :

ياسمين : ده انت جاهز من كله بقي..

صاصا: انا مستنيكي علي نار وهتبقي ليلة دمار..

ياسمين: بس انا اول مرة اشوفك ده انت متجوز بقي شكلك كده كبير شوية

صاصا: مش خبرة برضه بدل ما ابقي تلميذ ؟

ياسمين: علي رايك وانا مالي اصلا

صاصا: الليلة خمر ونساء ..بتعرفي ترقصي او تعملي استربتيز ؟؟

ياسمين : مين ؟؟ ده دوا ده ولا ايه ؟ الواحدة بتشوف حاجاة غريبة من الرجالة

صاصا : بقي انتي شغالة كده ومش عارف الاستربتيز ؟ ومسمية نفسك "ميس ياسمين" ده انا قولت انتي اجنبية اما سنعت اسمك في الاول هههه ايه عمرك ما نمتي مع حد نضيف ؟

ياسمين : الملافظ سعد يادي الاستاذ

صاصا: اسف ما اقصدش بس يعني دي بترقصي كده علي عمود او الحيطة حتي وترمي هدومك حتة حتة شوفيتها قبل كده في فيلم حتي ؟

ياسمين: لا محصليش الشرف بسو ماله اجرب طالما ده بيعجبك يعني


بدات ياسمين في تجربة اول رقصة استبرتيز في حياتها علي الرغم من انها كانت مضحكة جدا بالنسبة لصاصا ضحك ضحكا هستيريا لدرحة انها اوقفت الموسيقي التي اختارها صاصا وقالت في حدة :

انت جايبني تألس عليا وتعايرني يعني ؟

صاصا: والله ما اقصد بس رقصك غريب وحلو

ياسمين: طب ما تيجي نخش في المفيد

صاصا: انا اخش في المفيد بس اما اشوفه ازيده فايدة

ياسمين: شكلك شقي قوي يا شيخ


فزع صاصا فجأة كمن اصابته صاعقة وصاح بأعلي صوته :  شيخ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

هل عرفت الحقيقة ..هل أخبرها احد؟؟ كيف عرفته ؟؟ انه حليق الذقن وفي منطقة غريبة ولا يعرف احد انه شيخ شهير في احدي المناطق فكيف عرفت اذا ؟؟

ياسمين : ايه مالك اتخضيت كده كلمة شيخ وحشة ؟؟ علي رايك شيخ ازاي يعني وانت قالع ملط هي هي

صاصا بتأنيب ضمير : ولو كنت شيخ يعني فيها مشكلة ؟

ياسمين: شيخ مين يا عم ده انت حسب كلام عطعوط مقضيها من شرقها لغربها كل ليلة وكل يوم

صاصا : ولو شيخ بيعمل كده فيها ايه يعني ؟؟ هه ..فيها ايه ؟؟ فيها ايه ؟؟

بدأ يصيح بصوت جهوري وخصوصا عندما شم رائحة جسدها قريبة من جسده التي ذكرته برائحة زوجته القديمة الخائنة وهو في الشباب وكان صاصا يعالج قديما من مرض يسمي
Obsessive compulsive disorder
في احدي المصحات ولا نعرف ماذا اصابه عندما شم رائحة جسد مقاربة لرائحة زوجته وقام مذعورا يقلب في اوراق ودفاتر ويشم الستائر ويغلق كوالين الباب بشكل هستيري غريب ..
ثم افاق فجاة وقال لها : شيخ شيخ ..يلا نبدأ


بدأت مرحلة التحام جسدي عاصف كأنما صقر يهبط بمخالبه فوق شرنقة حريرية  كأنه الرعد يصيب احد الابنية الرخوة فيشطرها نصفين..بدأ يتحسس رقبتها الناعمة بيده وتدب فيه جنون الرغبة وثائرة النشوة..كانت ياسمين تستمتع بهذه المرحلة الغريبة من الهياج الجنسي الكامل الذي لم تره مع زبائن اخرين وكانت تصيح بنعومة في اذنه وهي تمتصها : ده انت وحش رهيب


انتهي من ثورته العارمة وجلس علي طرف السرير يدخن سيجارته بينما قامت ياسمين تصفر وهي في قمة النشوة والسعادة من هذه العاصفة الرعدية اللذيذة التي مرت علي جسدها الناعم وكأنه استخدم مطرقته لبناء برج للسعادة داخلها !!


ياسمين: طب ما انت حلو اهو وجامد امال من شوية كنت عامل زي المجانين ليه انت مالك ؟؟تعبان ؟؟

صاصا: لا ابدا انا مبسوط علي الاخر بس كنت بفكر في موضوع..المهم كلميني عن نفسك انتي عيلتك فين ؟

ياسمين: ايه السؤال الغريب ده ؟

صاصا: يا ستي عادي بنتعرف مش يمكن اتجوزك ؟؟

ياسمين : تتجوزني؟؟هو انت لسه عرفتني؟؟ عموما يا سيدي انا عيلتي من اصل عريق زمان يعني بس ابويا كان فقير وما كملتش تعليمي وهو مات وانا في اعدادي

صاصا: يعني انتي من اصل كويس مش عيلة واطية ؟؟

ياسمين: ايه يا صاصا الكلام البايخ ده ؟ نحن بنات عائلات محترمات بس الظروف بقي


"نحن بنات عائلات محترمات"  جميع العاهرات يعرفن هذه الجملة ..ربما هي اول كذبة في التاريخ او اول محاولة انكار واقع تماما كما يفعل الشيخ الأن علي السرير فهو بعد قليل سيذهب ليلقي محاضرته في احد المساجد ويقول لنفسه "انا من ابناء عائلات محترمات"

وفجأة يقول امام ياسمين : عارفة يا ياسمين..محدش يعرف كده عني..بس انا وسخ..وسخ قوي بجد

ياسمين: وماله يا اخويا مافيش احسن من الوساخة قوم اتشطف قوم يا اسد


رن جرس الهاتف فجأة وهو يدخن سيجارته :

حمادة: ازيك يا شيخ مصطفي انت فين ؟؟

صاصا: ايه..اااا ...انا في مشوار كده في حاجة؟؟ خلصت العملية ولا ايه نظامك ؟؟

حمادة : كله تمام انا استدرجت ناجي اللي عاملي فيها ثوري ده عند كباريه الهرم زي ما قولتلي وزمان العيال بتخلص عليه دلوقتي بالمطوة زي ما قولتلي عشان تبان قدام الرأي العام انها خناقة قمار في شارع الهرم ونشوه سمعته

صاصا: عفارم عليك وحلاوتك عندي عايزينها فضيحة بجلاجل الناس ملهاش الا الظاهر يا حمادة حتي لو عاش طول عمره شريف



تخرج ياسمين من الشقة بعد ليلة ملتهبة مثيرة ويخرج ورائها الشيخ صاصا ..او "الشيخ أحة" كما يطلق علي نفسه امام نفسه فقط ..ويفكر في جملة "نحن بنات عائلات محترمات"..كأنما هذه الجملة أحزنته بشكل فج لانها ذكرته بحاله تماما انه يتبع نفس اسلوب المقاوحة ويقول عن نفسه شيخ وهو في الحقيقة لا يفرق اي شئ عن ياسمين..

خرج علي قدميه لمسافة طويلة جدا وهو يفكر في حياته ويقلب بين صفحاتها بحزن وألم ويفكر في زوجته القديمة الخائنة ويتذكر هذا المشهد المروع الذي جعله ينتقم من كل إمرأة ويهرب من شخصيته الأليفة كشيخ محترم لا يعرف عن الارهاب شئ..اما الان فانه اصبح ارهابي متوحش نجس لا يعرف قيمة ولا رادع ..

واثناء دخوله الجامع ويالسخرية القدر ..هي نفس اللحظة التي يطعن فيها ناجي امام كباريه الهرم..عشرة طعنات متوالية الي ان سقط قتيلا ..وسقط ايضا في نفس الوقت الشيخ مصطفي او صاصا علي الارض امام الجامع اصابته ازمة قلبية حادة فارق علي اثرها الحياة ..
فكيف تري الان الحالتين ايها المجتمع ؟؟



بعد عدة ايام علي احد المقهي الشعبية :

زبون: واحد شاي يا ابني..شوفتوا يا جماعة الشيخ ربنا يباركله حتي اما مات مات قدام جامع شهيد شهيد يعني راجل بركة ما عليهوش عيبة ابدا في الجنة حدف

القهوجي: مش الثورجي التاني اللي مات مضروب بمطوة قدام كباريه في شاره الهرم تلاقيه عيل وسخ بيلعب قمار ولا بيشقط حريم ما هم العالم دي كده ما تعرفش ربنا ..

زبون: عندك حق ياد شوف يا اخي الشيوخ بتموت ازاي والثورجي مات ازاي كل واحد خد اللي يستحقه كما تدين تدان



هذه هو رأي المجتمع..فما رأيك انت ؟؟ من هو الداعر في هذه القصة ومن هو الأمين والمحترم ؟؟ ليس كل ما يلمع ذهبا ..هذه هي الحقيقية في الحياة كما الموت تماما..
قرأت ياسمين عنوان الصحف امام كشك في الحارة وعرفت خبر موت صاصا الزبون الحار جدا وقالت لنفسها : سبحان الله ده كان لسه زي الاسد ويقولك شهيد هي هي هي

وخلاصة القول ان "البعض يموت عاهرا ويحي بذكراه طهرا..
والبعض يموت بقدسيته ويحي بذكراه عهرا"

وأين هي الحقيقة اذن ؟؟ ابحثوا عنها داخلكم فقط فهي غائبة عن هذا العالم منذ بداية الخلق..!!

No comments: