Saturday, May 4, 2013

سالي لا تفضل الباربكيو...قصة قصيرة






"الماضي ما هو إلا ذكرى اليوم ، والغد هو حلم اليوم
"

جبران خليل جبران



"هناك أشياء لا يمكن ان تختفي : الشمس والقمر والحقيقة"

بوذا



فيلم "مومينتو"..يشاهده حازم للمرة الخامسة عشر تقريبا وأكثر ما يعجبه فيه هو الرجوع لإكتشاف ما حدث ..الرجوع بالزمن وبالذاكرة لاكتشاف ما يحدث له اليوم..هل ما يحدث هو حقيقة أم سراب ؟..
يريد ان يعرف من الفيلم هل الحاضر هو كفاية حاجتنا أم لابد من الرجوع للماضي لاكتشاف كيف وصلنا الي هذا الحاضر ؟ ام لابد من النظر للمستقبل مهما كان الحاضر ملتبس أمره والماضي مكتمل غيمه!!

يجلس علي أريكته المعتادة ويتناول فنجان القهوة ..الكافيين..الذي يتعاطاه البشر يوميا لكي تصبح عيونهم أكثر استعدادا للحقيقة.."صباح الحقيقة".."شمس الحقيقة" التي لا تضرب أشعتها في أعيننا الا لتزيدنا ألما وولعا فيصبح الكافيين في دمائنا اكثر يقطة وانتباها لاستقبال الحزن وياحبذا لو كانت السعادة ..

كرة أرضية..نصفها مخمور ونصفها يتعاطي القهوة ..كرة تكسرها خطوط طول وعرض وخطوط وهمية..والخطوط الوهمية تقسم البشر كما تقسم الأرض..نصف يريدون الاختباء في كأس الخمر ونصف يريد الاختباء في فنجان من اعصار الكافيين المعتاد يوميا وفي كل صباح جديد..

"انا بقيت مدمن قهوة" هكذا قال حازم لنفسه وهو يشرب فنجانه الرابع امام الفيلم ويردد "مش عارف ليه عايز افوق طيب ما اجرب اسكر يمكن اوصل للحقيقة"..!!

"أنا عايز اجرب..عايز ارجع للماضي واجرب اي حاجة"

"أي حاجة"..ركز جيدا في هذه الجملة لانها ستكون محور القصة التي يدور في فلكها حازم.."أي حاجة" جملة فيها من الخنوع والضعف وعدم الاهتمام برأي الغير الكثير..جملة زرعها فينا المعلم في المدرسة حينما اختار لنا حتي عدد اوراق "الكشكول" الذي سنحضره دون اختيار منا..حينما اختاروا لنا حاكمنا دون اختيار منا حينما اختاروا لنا ملابسنا ونحن اطفال بحجة ان ذوقنا مازال في مهده ..لم نعطي ابدا الحق في الاختيار مع انه هبة من الله..لماذا يختاروا لنا كل شئ في هذا المجتمع ؟؟ لماذا يختاروا حتي في الزواج في بعض الاماكن دون اختيار الفتاة ..سلطة ام جبروت ؟؟ نفوذ أم تمرد علي قهر مسبق ؟؟



رن جرس الباب وقاطع صوت الفيلم عند اقتراب نهايته :

حازم : انتي مين ؟؟

سالي : هتعمل نفسك مش عارف عني حاجة ؟؟

حازم : انا معرفش عنك حاجة

سالي : ده انا في حياتك كل حاجة

حازم : انا شوفتك قبل كده ولا حاجة ؟

سالي : لا العفو ..اصل انا مش خطيبتك ولا حاجة ..ولا كان بينا ميعاد ولا اي حاجة

حازم : انتي مجنونة ولا حاجة ؟

سالي : انت اللي بتهرب من كل حاجة

حازم : اسمك ايه قوليلي حاجة

سالي : اسمي سالي حاجة

حازم : مش عارفة اسم والدك ولا حاجة ؟

سالي : اعرف انت كل حاجة

حازم : مطلوب مني دلوقتي اي حاجة ؟

سالي : اطفي الفيلم ده اللي هيجننك وتعالي نخرج نعمل اي حاجة

حازم : نتغدي ولا حاجة ؟

سالي : افتكرتني ولا حاجة ؟

حازم : لا اهو خروجة مع غريبة وخلاص واهو اي حاجة..ما انا عمري ما اخترت حاجة

سالي : وحرية اختيارك مهمة في حاجة ؟

حازم : في الحب لا لكن مهمة في كل حاجة

سالي : انت غريب اخر حاجة

حازم : انتي هتقيميني ولا حاجة ؟

سالي : لا يا سيدي قوم البس بس اي حاجة

حازم : استنيني هنا خمس دقايق ولا حاجة


ظلت سالي في غرفة المعيشة وهي غرفة لحازم الشاب العازب الذي لا يعرف حتي تلك المرأة التي تدعي انها خطيبته التي من المفترض انها تعرف عنه كل شئ وهو لا يعرف عنها اي شئ ربما لأن هذا هو حال المرأة لن تعرف عنها اي شئ حتي وان كانت اقرب لك من كل شئ  وربما كان هذا بسبب انه فعلا لم يرها قط قبل ذلك ..

بمجرد ان بدأ حازم يستعد للخروج ويرتدي ملابسه التي اختارها بارادته تعويضا عن حرمانه من الاختيار في الطفولة وتعويضا عن عدم الاختيار في اي نتخابات حتي مع وهم حرية الاختيار والديمقراطية كانت سالي تعبث في كل ارجاء الغرفة..بتعملي ايه يا سالي ؟؟  هكذا ردد حازم في صرامة

سالي في خجل: انا مبعملش اي حاجة

حازم : انتي بتلمي صوري وانا صغير ولا حاجة ؟

سالي : انا بس عايز اشوفهم دي كل حاجة

حازم : لكن انتي بتخبيهم في شنطتك وشوفت كل حاجة

سالي : انا بس عايزة احتفظ بيهم تسمحلي ولا حاجة ؟

حازم : رجعي يا بنت الحلال كل حاجة

سالي: مش هتاخد مني حاجة

حازم : صوري دي الماضي بتاعي وكل حاجة

سالي : وايه اهمية الماضي المهم الحاضر هو كل حاجة

حازم : انا عايز الماضي بتاعي بيدلني علي كل حاجة

سالي : ده وهم واي حاجة الحاضر والمستقبل كل حاجة

حازم : يمكن افتخر بيه ولا حاجة

سالي : الافتخار بالماضي ضعف في كل حاجة

حازم : رجعي صوري يا اما هتشوفي مني كل حاجة

سالي : مش هتاخد مني حاجة


انه اول شجار ينشب بين حازم وامرأة لا يعرفها ..إمرأة تريده ان يهرب من قوقعة الماضي بمحو صوره وسجله القديم والنظر لحاضره ومستقبله ..

سالي : اهدي بقي وسيبني اتصرف في كل حاجة

حازم : انتي ليه بتدخلي في كل حاجة ؟

سالي : سيبني بس ويلا نروح ناكل اي حاجة


خرج حازم مغلوبا علي امره وقال لنفسه "ان كيدهن عظيم" فعلا..استسلم لها تماما ولا يعرف لماذا..ولكنه استسلام محبب الي قلبه كما استسلم قديما للحب ولم يندم علي استسلامه حتي الأن..
الحب والمرأة فقط هما الاستسلام الوحيد الذي لا يأتي بعد حرب بل يأتي بعد حالة سلام .

وفي احد المطاعم :

سالي : مش هتطلبلي حاجة ؟

حازم : انا عايز اعرف منك كل حاجة ؟

سالي : ما تطلبليش فراخ باربكيو واطلبلي غيره اي حاجة ؟

حازم : انتي يعني بتفكريني بحاجة ؟

سالي : جايز اقصد كل حاجة

حازم : اشمعني الباربكيو ليه مقولتيش غيره اي حاجة ؟ انتي عارفة عنها حاجة ؟

سالي : هي مين مش فاهمة حاجة ؟

حازم : لا مافيش اي حاجة ؟

سالي : طيب يلا هاتلي حاجة

حازم منفعلا :  انتي مين مش فاهم حاجة ..يا بنتي قوليلي عنك اي حاجة..انا خارج معاكي وانا معرفش عنك حاجة


وفجأة تلتفت شخصيات متعددة في المطعم الي مصدر الصوت وهم من جهات استقصاء الفضائح ..من بعض الشخصيات في مجتمعاتنا التي تهوي الفضائح لانها تري فيها خدعة طهارة انفسها في سقوط الاخرين !!

الشيخ : ااااااه يعني متعرفش عنها حاجة ؟

حازم : لا يا شيخ ولا اي حاجة

الشيخ : ده يبقي قلة ادب ولا حاجة ؟

حازم : انا مظلوم بجد دي معرفش عنها حاجة

صايع : بس دي مزة جامدة اخر حاجة

سالي : ده بيعاكسني قوله حاجة

حازم : ما يعاكسك انا معرفش عنك حاجة

مدير المطعم : في ايه يا جماعة هو في حاجة ؟؟

سالي : خطيبي بيهرب مني شكله مش عايز يحاسب ولا حاجة

حازم : يا عالم انا اصلامخدتش حاجة

مدير المطعم : واللي انت كلته سنين علي الحساب وكل حاجة ؟؟

حازم : انا اول مرة اشوف المطعم ده معرفش عنه حاجة

مدير المطعم : بوليس ولا حاجة ؟؟

ظابط شرطة : انا في الخدمة في اي حاجة

مدير المطعم : بيهرب من خطيبته ويقول معرفش عنكوا حاجة ومش عايز يحاسب علي اي حاجة

ظابط الشرطة : ع القسم ولا حاجة ؟؟

شحات : يا باشا اديني حاجة

حازم : يا عالم انا في الموقف ده ازاي ..انا عايز ارجع للماضي اعرف عنه حاجة

الجميع يصيح : الماضي مقالش حاجة..الحاضر كل حاجة


وفي قسم الشرطة :

الظابط : في ساعته وتاريخه وكل حاجة قررنا حبسه اربع ايام ولا حاجة

حازم : ده ظلم وكل حاجة

الظابط : محدش هيسيبك ولا حاجة تعمل نفسك مش عارف حاضرك وتتحجج بالماضي بتاعك ولا حاجة

حازم : ظلمتوني في كل حاجة..عايز افهم منكوا حاجة

الظابط : يا عسكري ع القسم جهزله حاجة



وفي داخل الحجز :


سالي : انت ليا كل حاجة

حازم مفزوعا : اعوذ بالله من الشيطان الرجيم انتي دخلتي هنا ازاي ؟؟ انتي جن ولا حاجة ؟؟ ده حجز حريمي ولا حاجة ؟؟

سالي : انت في قلبي كل حاجة ؟؟ بس هم مش هسيبوك تعرف عن ماضيك اي حاجة..لان الحاضر كل حاجة

حازم : ضعف منهم ولا حاجة

سالي : لا ضعف منك انت وكل حاجة

حازم : دول مش عايزيني اعرف عن تاريخي اي حاجة..وانا تاريخي هو كل حاجة

سالي : ما هو ده ضعفك انت مش منهم ولا حاجة..ماضيك مش كل حاجة..اتمرد حتي علي الحاضر..التمرد علي الحاضر اول درجة للوصول لمستقبلك الجاي ولا حاجة

حازم : من غير ما اعرف عن الماضي اي حاجة ؟

سالي : والماضي يعني هيفيدك بحاجة ؟؟

حازم : جايز اعرف منه دروس ولا حاجة

سالي : فايدته الوحيدة الدروس عشان تدفعك للامام ولكن انت ممكن تعرف دروس اكتر في الحاضر من البشر حواليك كلهم دروس وكل حاجة



وفجاة يخرج من جميع اركان الحجز الضيق فرقة وانغام صاخبة وكانها حفلة زفاف  "دقوا المزاهر يلا يا اهل البيت تعالوا ..جمع ووفق والله وصدقوا اللي قالوا "

حازم في صدمة رعب : ده كابوس مش اي حاجة

سالي : ده فرحنا يا كل حاجة

الشيخ : ده حلالك وكل حاجة

حازم : انتوا ازاي كلكم جيتوا هنا مش كنتوا في المطعم ؟؟

مدير المطعم : جايين نشهد علي فرحك مش اي حاجة

حازم : طيب والماضي عايز اعرف عن سالي حاجة

مدير المطعم : مش مهم اي حاجة المهم تعرف حاضرها وكل حاجة وتبص للمستقبل معاها وكل حاجة

الظابط : دقي يا مزيكا


ويصبح المشهد اكثر غرابة حين يرقص الظابط بالعصا رقص بلدي في مشهد فانتازيا غريب لا يعرف له حازم تفسير ولا تدبير..


حازم يحدث نفسه في وسط الفرح ويقول : انا في مجتمع مش سامحلي اعمل زي  "مومنتو"  انا في مجتمع مش "مومنتو"  مش عارف ارجع للماضي عشان اعرف ازاي انا في الحاضر ده..محدش عايز يسمع عن تاريخي والماضي بتاعي كله عايز يشوف الحاضر وهاعمل ايه في المستقبل..الظاهر زهقوا من الكلام عن التاريخ والماضي ..معدوش سامحين ليا اتكلم عن تاريخي وفتوحاتي كلهم عايزيني في الحاضر وبس وافكر في المستقبل وبس..يا عالم ازاي الماضي معدش ليه قيمة ؟؟

ايه ده انا بطلت اقول كلمة "حاجة"  مقولتهاش ولا اي حاجة !!


وخرج حازم من الحجز بعض سنوات ليجد الارض مزهرة والطرق نظيفة والناس في افضل حال وحين نظر خلفه وجد لافتة علي الحجز مكتوب عليها  "حجز الحاضر"..وخرج الي المستقبل مع سالي ومازال حتي الأن لم يعرف شئ عن الماضي ..

ولكن الاغرب من هذا انه ببدلة الفرح ومكتوب علي ظهر البدلة "مصر"..وسالي بفستان الفرح ومكتوب عليها "الحاضر"..

ان المجتمع لن يسمح بالحديث عن الماضي اكثر من هذا..نريد الزواج بالحاضر..ولن تسمح لك شخصياته بالحديث عن الماضي ختي وان دبروا زيجة مدبرة من حاضرك لكي تنظر الي المستقبل..

المستقبل الذي تختار فيه كل شئ ..دون ان تقول  "اي حاجة"..!!

No comments: