Wednesday, November 17, 2010

زهـرة أحلام مدام راويـة.."قصة قصيرة






في شرفة تحتضن الشمس وتعانق ضوء الصبح الأصفر..في صباح طل عليها كما حلم يزول وأمل قد يأتي..وقفت السيدة "راوية" تتغني بالماضي وتستنشق ذكرياتها مع فنجان الصباح كما كل يوم ..
كان الفنجان يرتعش كما أحلامها وأمانيها التي تتمني عودتها الأبدية..لم تدري السيدة راوية انها مجرد بطلة لقصتي ..او انها ستبكي بعد دقائق من أمل طفلة أخضر تغار منه وتتمناه
خرجت "أمنية" طفلة صغيرة لم تجدل ضفائرها الا بأمر الام وبأمر العمر..هي لا تغازل ابدا سنوات طفولتها بل كانت وكأنها شابة ولكن في زي الطفولة ..كانت ابتسامتها هي شرفة الشمس الاولي ونزهة القمر ليلا ..
كما كانت هي تعشق نور الشمس في الصباح بدون اوامر امها التي تصيح في وجها دائما ..خرجت "امنية" في هذا الصباح كحلم ريان يتدفق علي شذي زهرة صباحية..خرجت بابتسامتها المعهودة لتلقي التحية علي السيدة "راوية" ..
أمنية: صباح الخير استاذة راوية
راوية: صباح الخير يا امنية..ازيك يا حبيبتي..هترسميلي ايه النهاردة ؟
امنية: هوريكي لوحة جديدة خالص يارب تعجبك

كانت "امنية" ترسم فوق جدران الشرفة باصابع الطباشير التي اعتبرتها "راوية" في اصابع مكياج حلمها العجوز..كانت تستلهم من امنية الطفولة والسن الخالي من التجاعيد وعقد الليل وتنفيث الكروب فوق الكرسي المتحرك..كان اجمل ما تراه راوية كل صباح هو ابتسامة امنية ورسمتها الصغيرة علي الجداران..كان الجدار كأنه قاع الفنجان الذي تقرأه راوية لتري غدها القادم وامنيتها العذبة..

بدأت امنية الرسم علي الجدار دون ان تنظر الي راوية كما كل صباح وكانت تنهمك في الرسم حتي تنتهي ولكن كانت هذه الرسمة مختلفة هذه المرة كانت رسمة وكأنها بخناجر من لون الطبشور تمزق ما تبقي لراوية في ايامها القليلة الباقية ..
رسمت رجل بشاربه العريض ووجه الذهبي الممتلئ وعينيه الغائرتان قليلا وهو يحمل باقة زهر ويهديها الي فتاة
بيضاء ثلاثينية بزوايا وجهها القائمة الصلبة قليلا وابتسامتها الخافتة ..لم تكن اللوحة هذه المرة لوحة اطفال ..لم تكن اللوحة تعانق احلام راوية في غد افضل وامنية جائعة لنبضها

..وسرعان ما تذكرت راوية هذه اللقطة من حياتها كما شريط السينما يمر امامها ..سرعان ما تذكرت هذا الرجل وهذه الفتاة التي تمثلها وباقة الزهور التي سقطت صريعة ولم تكمل زهرة حب وقصة حياة..
لم تتحمل راوية الا دقائق وسرعان ما انهمرت في البكاء الحارق والحار وبدأت تتشنج في الشرفة وتخمش باصابعها علي الجدار وكانها تحاول ان تنقل تلك اللوحة عندها او تتقمص دور الحلم الذي راته علي جدار امنية ..
صرخت امنية سريعا من المشهد وقالت :استاذة راوية..استاذة راوية ..مالك..دي احسن لوحة انا حبيت اوريهالك
انا اسفة..انا اسفة..انا اسفة

قالت كلماتها المعتذرة وهي تبكي هي الاخري ولا تعرف ما فعلته براوية في هذا الصباح وسرعان ما هرعت ام امنية الي الشرفة وراتها تبكي بجانب اللوحة علي الجدار ونهرتها كالعادة دون ان تلاحظ جارتها التي تبكي في الشرفة المقابلة وكات اكبر همها تنظيف الجدار من لوحة بنتها الشقية كما تقول عليها دائما ..
وهمت في مسح اللوحة وسط صرخة ابنتها التي تريد ان تحتفظ بها وصرخة جارتها التي تحتاج لان تكمل رسمها عندها ولاحظت الام سريعا جارتها التي بدأت تسقط عن كرسيها المتحرك فتركت اللوحة في نصفها ولم تمسحها كاملة وسالت جارتها : يا خبر مالك يا مدام راوية؟ الاسعاف بسرعة يا جماعة


وكانت تطلب من امنية اللوحة حتي وهي علي ناقلة الاسعاف وهمت امنية الي المستشفي لزيارتها في اليوم التالي ومعها نصف اللوحة المتبقي الذي نقلته من الجدار وسالت : فين اوضة مدام راوية؟
الاستقبال: البقية في حياتك وهي سابتلك ورقة انتي اللي اسمك امنية ؟
امنية: ايوه انا

وسرعان ما فتحت الرسالة لتجد كلمات قليلة جدا فيها ..وذهبت سريعا الي الجدار لتكمل تلك اللوحة وتركتها علي الجدار فترة طويلة جدا وبعد ان بلغت امنية سن الثلاثين سالتها احدي صديقاتها : هو اللوحة دي انتي رسمتيها وانتي صغيرة ؟ بتعبر عن ايه دي يعني ؟
دمعت امنية وقالت : بتعبر عن حلم مات ونص حلم كان لازم يكمل..اللوحة دي وصية حلم مقدرش امسحها ابدا طول ما انا عايشة

ومازال الجدار مزخرف بحلم راوية الذي لم يكتمل وحلم امنية الذي وصتها راوية ان تكمله مهما كلفها ...ومالزالت اسطر الرسالة لا نعرف ما قد كان فيها ..!

No comments: